ملالا».. عربية أيضاً!
أنور الشامي
«مَنْ فيكن ملالا؟».. كان ذلك هو السؤال الذي وجهه أحد مسلحي طالبان للفتيات اللائي كنَّ رفقة ملالا، وهي على متن حافلة المدرسة، ورغم أن المسلح لم يمهل ملالا حتى تجيب سؤاله بقولها «أنا ملالا» مثلما تمنت، وأطلق رصاصاته فأصاب رأسها إصابة بالغة وضعتها على شفا الموت (9 أكتوبر/تشرين الأول 2012)، فإن ملالا ومنذ ذلك اليوم لم تفتأ تقدم الجواب تلو الجواب حتى قهرت السؤال، وأفحمت السائل الذي خاب سعيُه ولا بد أنه يتميز غضباً الآن، وأهالت التراب على ثقافة ترى أن إقصاء المرأة من الفضاء العام وإبقاءها حبيسة البيت هو أنجع وسيلة للحفاظ على عفتها والأمان من فتنتها، وما فوزها بجائزة نوبل للسلام هذا العام (مناصفة مع المناضل الهندي كايلاش ساتيارثي)، بل وكونها أصغر فائزة بالجائزة، إلا استطراد من جانبها في الجواب عن السؤال ذاته بعد أن كانت أصغر مرشحة لنيل الجائزة ذاتها في العام الفائت 2013. وهكذا فقد انتصرت ملالا في المواجهة التي جمعتها بمن رام قتلها، فقد عاشت وملأت الدنيا وشغلت الناس وهي لم تتجاوز السابعة عشرة من عمرها بعد، فيما توارى هو وظل مثلما كان عليه حاله وهو يطلق رصاصاته نحوها بيد مرتعشة.
برغم أن ملالا ولدت في 12 يوليو/ تموز عام 1997، إلا أن يوم التاسع من أكتوبر/تشرين الأول عام 2012 هو يوم مولدها الثاني، ففي ذلك اليوم تلقت رصاصة غادرة رام صاحبها أن يسلبها الحياة ويُسكت للأبد صوتها الذي أَقضّ مضجع زعماء حركته، فما كان من رصاصته التي اخترقت محجر عينها اليسرى إلا أن وهبتها حياة جديدة أضحت فيها ملء السمع والبصر، ومنحتها صوتاً تجاوز مداه مدينتها المنسية «منجورا» في وادي سوات بباكستان ليصل إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، وذلك عندما ناشدت من على منبرها الشهير في يوليو/ تموز عام 2013 قادة العالم أن يتيحوا حق التعليم لكل أطفال العالم، قائلة: «دعونا نحمل كتبنا وأقلامنا. فهذه هي أَمضى أسلحتنا. طفل واحد، ومعلم واحد، وكتاب واحد، وقلم واحد يمكنهم أن يغيروا العالم».
لقد تصدّرت ملالا المشهد وأضحت من بين المئة فتاة الأكثر تأثيراً حول العالم، وذلك بحسب القائمة السنوية لمجلة «تايم» الأميركية، فيما ظَلّ المسلح الذي أراد قتلها مجهولاً يتوارى عن الأنظار. وتروي ملالا في سيرتها الذاتية أنها أسميت باسمها هذا رغم أنه يعني «المهمومة»، تيمناً ببطلة «البشتون» العظيمة «ملالاي» ابنة أحد الرعاة التي كانت مصدر إلهام للجيش الأفغاني الذي استطاع إلحاق الهزيمة بالبريطانيين في العام 1880 في إحدى كبريات معارك الحرب الأنجلوأفغانية الثانية. وهي في الوقت ذاته قد اكتوت بنار الصراع المسلح الذي دارت رحاه بين الجيش الباكستاني وبين متمردي حركة طالبان باكستان في وادي سوات، حيث عاشت طفولتها.
ولم تكن جائزة نوبل للسلام هي أول الحصاد للفتاة الباكستانية ابنة السابعة عشرة سنة، التي ناضلت دفاعاً عن حق بنات جنسها في التعليم وذهابهن إلى المدارس، فقد نالت من قبل العديد من الجوائز العالمية التي ينوء بحملها أولو القوة من الرجال وعلى نحو تحققت معه فحوى مناجاتها لله عندما كانت ترفع أَكفها وتدعوه أن يطيل قامتها ونذرتْ أن تصلي مئة ركعة نافلة إن حدث ذلك، حتى إنها اعتادت قياس طولها إزاء حائط غرفة نومها كل صباح مستعينة بمسطرة وقلم رصاص. وهو ما تشير إليه في كتابها «أنا ملالا»، الذي صدرت طبعته العربية مؤخراً عن المركز الثقافي العربي في بيروت والدار البيضاء وترجمها أنور الشامي، بقولها:
«واليوم نظرتُ في المرآة إلى نفسي وفكرت لبرهة. كنت قد سألت الله أن يرزقني زيادة في طول قامتي بمقدار بوصة أو بوصتين، ولكنه بدلاً من ذلك قد أطال قامتي حتى بلغت عنان السماء ولم أعد أستطيع قياسها».
لقد كانت ملالا على موعد مع القدر منذ لحظة مولدها، فرغم أنها ولدت وسط ثقافة ذكورية مناوئة للمرأة ترى في وضع اسم أنثى ضمن شجرة عائلة مدعاة للضحك والسخرية، فقد استطاعت وهي لم تزل فتاة غَضّة أن تتربع فوق قمة شجرة عائلتها، بل وبلدها كله بلا منازع. وهو الفعل الذي قام به والدها «ضياء الدين»، وهي لم تزل في مهدها رضيعة عندما أمسك بشجرة العائلة ورسم خطاً يمتد من اسمه ثم كتب في نهايته «ملالا»، ولكنه أثار وقتئذ دهشة الحضور وسخريتهم.
وتقول ملالا في ذلك: «عندما ولدتُ، أشفق الناس في قريتنا على أمي فيما لم يهنئ أحدٌ أبي.. وُلدتُ أنثى في أرض تُطلق الرَصاص ابتهاجاً بمولد الذكور، أما البنات فيُوارَين عن الأنظار وراء الحُجب، فدورهن في الحياة لا يتعدى إعداد الطعام وإنجاب الأطفال».
ولم تَخف ملالا أو تتهيب المخاطر عندما أقدمت على تسجيل يومياتها عبر مدونة حملت اسماً مستعاراً هو «جول مكاي» على موقع الـ «بي بي سي» باللغة الأُردية في عام 2009، لا سيما بعد أن انكشف أمرُها وعُرِفَ أنها هي صاحبة المدونة التي دأبت خلالها على التنديد بحركة طالبان وبممارساتها القمعية التي حاولت من خلالها فرض رؤيتها الدينية المتشدِّدة على سكان وادي سوات. وبينما كانت ملالا تفعل ذلك، كان عدد زميلاتها في المدرسة يتراجع نتيجة ترك بعضهن للمدرسة إما خوفاً من تهديدات الطالبان أو لارتحالهن مع أسرهن إلى مدن باكستانية أخرى لا تخضع لسيطرة الحركة.
وليس صعباً على المتابع لفصول حكاية ملالا أن يتبين خيوطاً تقودنا في نهاية المطاف إلى حقيقة أننا أمام حكاية تُستعاد في أرجاء محيطنا العربي والإسلامي وإن اختلفت الأسماء وتبدّلت الأقطار. وبحسب كلمات ملالا نفسها فهي «حكاية كل ملالا وكل فتاة... ولا أشعر بأنها تخصني وحدي على الإطلاق». فاستهداف مدارس البنات ومحاولة قتل ملالا إنما تنبثق في الأساس عن ذرائع يعتبرها البعض مفسدة لا بد من درئها، وهي في حكاية ملالا «خروج البنات من بيوتهن وذهابهن إلى المدرسة»، وما قد ينطوي عليه من إفساد لعقولهن جرّاء اكتسابهن لأنماط السلوك الغربي. وذلك هو التبرير الذي ساقه مسلم خان المتحدث باسم طالبان باكستان في معرض دفاعه عن قرار حركته إغلاق مدارس البنات وقتئذ خلال مقابلة تليفزيونية.
وتروي ملالا في سيرتها الذاتية التي شاركتها التأليف فيها الصحافية البريطانية كريستينا لامب، تفاصيل دقيقة عما جرّبته من ألم ومعاناة عقب تعرضها لإطلاق النار، فقد خضعت لعدة جراحات دقيقة ودخلت في إغماءة لم تستفق منها إلا بعد أسبوع، ثم كان عليها أن تخضع لاحقاً لعلاج تأهيلي طويل ومُضنٍ كي يتسنى لها استعادة سمعها الذي ضُعف وابتسامتها التي فقدتها جراء تلف عصب الوجه واعتلال حركة فكها، فضلاً عن محاولة إعادة ذلك الجزء من جمجمتها الذي اضطر الأطباء لإزالته كي ينقذوا حياتها في أول الأمر ثم استعاضوا عنه بصفيحة معدنية.
وتقول عن رحلة شفائها: «أُدرك أن الله قد وهبني حياة جديدة بعدما كنت في عِدَادِ الموتى... كان الناس يدعون الله لي بالنجاة، وقد نجَّاني لغاية وهي أن أكرس حياتي لمساعدة الآخرين».
«مَنْ فيكن ملالا؟».. كان ذلك هو السؤال الذي وجهه أحد مسلحي طالبان للفتيات اللائي كنَّ رفقة ملالا، وهي على متن حافلة المدرسة، ورغم أن المسلح لم يمهل ملالا حتى تجيب سؤاله بقولها «أنا ملالا» مثلما تمنت، وأطلق رصاصاته فأصاب رأسها إصابة بالغة وضعتها على شفا الموت (9 أكتوبر/تشرين الأول 2012)، فإن ملالا ومنذ ذلك اليوم لم تفتأ تقدم الجواب تلو الجواب حتى قهرت السؤال، وأفحمت السائل الذي خاب سعيُه ولا بد أنه يتميز غضباً الآن، وأهالت التراب على ثقافة ترى أن إقصاء المرأة من الفضاء العام وإبقاءها حبيسة البيت هو أنجع وسيلة للحفاظ على عفتها والأمان من فتنتها، وما فوزها بجائزة نوبل للسلام هذا العام (مناصفة مع المناضل الهندي كايلاش ساتيارثي)، بل وكونها أصغر فائزة بالجائزة، إلا استطراد من جانبها في الجواب عن السؤال ذاته بعد أن كانت أصغر مرشحة لنيل الجائزة ذاتها في العام الفائت 2013. وهكذا فقد انتصرت ملالا في المواجهة التي جمعتها بمن رام قتلها، فقد عاشت وملأت الدنيا وشغلت الناس وهي لم تتجاوز السابعة عشرة من عمرها بعد، فيما توارى هو وظل مثلما كان عليه حاله وهو يطلق رصاصاته نحوها بيد مرتعشة.
برغم أن ملالا ولدت في 12 يوليو/ تموز عام 1997، إلا أن يوم التاسع من أكتوبر/تشرين الأول عام 2012 هو يوم مولدها الثاني، ففي ذلك اليوم تلقت رصاصة غادرة رام صاحبها أن يسلبها الحياة ويُسكت للأبد صوتها الذي أَقضّ مضجع زعماء حركته، فما كان من رصاصته التي اخترقت محجر عينها اليسرى إلا أن وهبتها حياة جديدة أضحت فيها ملء السمع والبصر، ومنحتها صوتاً تجاوز مداه مدينتها المنسية «منجورا» في وادي سوات بباكستان ليصل إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، وذلك عندما ناشدت من على منبرها الشهير في يوليو/ تموز عام 2013 قادة العالم أن يتيحوا حق التعليم لكل أطفال العالم، قائلة: «دعونا نحمل كتبنا وأقلامنا. فهذه هي أَمضى أسلحتنا. طفل واحد، ومعلم واحد، وكتاب واحد، وقلم واحد يمكنهم أن يغيروا العالم».
لقد تصدّرت ملالا المشهد وأضحت من بين المئة فتاة الأكثر تأثيراً حول العالم، وذلك بحسب القائمة السنوية لمجلة «تايم» الأميركية، فيما ظَلّ المسلح الذي أراد قتلها مجهولاً يتوارى عن الأنظار. وتروي ملالا في سيرتها الذاتية أنها أسميت باسمها هذا رغم أنه يعني «المهمومة»، تيمناً ببطلة «البشتون» العظيمة «ملالاي» ابنة أحد الرعاة التي كانت مصدر إلهام للجيش الأفغاني الذي استطاع إلحاق الهزيمة بالبريطانيين في العام 1880 في إحدى كبريات معارك الحرب الأنجلوأفغانية الثانية. وهي في الوقت ذاته قد اكتوت بنار الصراع المسلح الذي دارت رحاه بين الجيش الباكستاني وبين متمردي حركة طالبان باكستان في وادي سوات، حيث عاشت طفولتها.
ولم تكن جائزة نوبل للسلام هي أول الحصاد للفتاة الباكستانية ابنة السابعة عشرة سنة، التي ناضلت دفاعاً عن حق بنات جنسها في التعليم وذهابهن إلى المدارس، فقد نالت من قبل العديد من الجوائز العالمية التي ينوء بحملها أولو القوة من الرجال وعلى نحو تحققت معه فحوى مناجاتها لله عندما كانت ترفع أَكفها وتدعوه أن يطيل قامتها ونذرتْ أن تصلي مئة ركعة نافلة إن حدث ذلك، حتى إنها اعتادت قياس طولها إزاء حائط غرفة نومها كل صباح مستعينة بمسطرة وقلم رصاص. وهو ما تشير إليه في كتابها «أنا ملالا»، الذي صدرت طبعته العربية مؤخراً عن المركز الثقافي العربي في بيروت والدار البيضاء وترجمها أنور الشامي، بقولها:
«واليوم نظرتُ في المرآة إلى نفسي وفكرت لبرهة. كنت قد سألت الله أن يرزقني زيادة في طول قامتي بمقدار بوصة أو بوصتين، ولكنه بدلاً من ذلك قد أطال قامتي حتى بلغت عنان السماء ولم أعد أستطيع قياسها».
لقد كانت ملالا على موعد مع القدر منذ لحظة مولدها، فرغم أنها ولدت وسط ثقافة ذكورية مناوئة للمرأة ترى في وضع اسم أنثى ضمن شجرة عائلة مدعاة للضحك والسخرية، فقد استطاعت وهي لم تزل فتاة غَضّة أن تتربع فوق قمة شجرة عائلتها، بل وبلدها كله بلا منازع. وهو الفعل الذي قام به والدها «ضياء الدين»، وهي لم تزل في مهدها رضيعة عندما أمسك بشجرة العائلة ورسم خطاً يمتد من اسمه ثم كتب في نهايته «ملالا»، ولكنه أثار وقتئذ دهشة الحضور وسخريتهم.
وتقول ملالا في ذلك: «عندما ولدتُ، أشفق الناس في قريتنا على أمي فيما لم يهنئ أحدٌ أبي.. وُلدتُ أنثى في أرض تُطلق الرَصاص ابتهاجاً بمولد الذكور، أما البنات فيُوارَين عن الأنظار وراء الحُجب، فدورهن في الحياة لا يتعدى إعداد الطعام وإنجاب الأطفال».
ولم تَخف ملالا أو تتهيب المخاطر عندما أقدمت على تسجيل يومياتها عبر مدونة حملت اسماً مستعاراً هو «جول مكاي» على موقع الـ «بي بي سي» باللغة الأُردية في عام 2009، لا سيما بعد أن انكشف أمرُها وعُرِفَ أنها هي صاحبة المدونة التي دأبت خلالها على التنديد بحركة طالبان وبممارساتها القمعية التي حاولت من خلالها فرض رؤيتها الدينية المتشدِّدة على سكان وادي سوات. وبينما كانت ملالا تفعل ذلك، كان عدد زميلاتها في المدرسة يتراجع نتيجة ترك بعضهن للمدرسة إما خوفاً من تهديدات الطالبان أو لارتحالهن مع أسرهن إلى مدن باكستانية أخرى لا تخضع لسيطرة الحركة.
وليس صعباً على المتابع لفصول حكاية ملالا أن يتبين خيوطاً تقودنا في نهاية المطاف إلى حقيقة أننا أمام حكاية تُستعاد في أرجاء محيطنا العربي والإسلامي وإن اختلفت الأسماء وتبدّلت الأقطار. وبحسب كلمات ملالا نفسها فهي «حكاية كل ملالا وكل فتاة... ولا أشعر بأنها تخصني وحدي على الإطلاق». فاستهداف مدارس البنات ومحاولة قتل ملالا إنما تنبثق في الأساس عن ذرائع يعتبرها البعض مفسدة لا بد من درئها، وهي في حكاية ملالا «خروج البنات من بيوتهن وذهابهن إلى المدرسة»، وما قد ينطوي عليه من إفساد لعقولهن جرّاء اكتسابهن لأنماط السلوك الغربي. وذلك هو التبرير الذي ساقه مسلم خان المتحدث باسم طالبان باكستان في معرض دفاعه عن قرار حركته إغلاق مدارس البنات وقتئذ خلال مقابلة تليفزيونية.
وتروي ملالا في سيرتها الذاتية التي شاركتها التأليف فيها الصحافية البريطانية كريستينا لامب، تفاصيل دقيقة عما جرّبته من ألم ومعاناة عقب تعرضها لإطلاق النار، فقد خضعت لعدة جراحات دقيقة ودخلت في إغماءة لم تستفق منها إلا بعد أسبوع، ثم كان عليها أن تخضع لاحقاً لعلاج تأهيلي طويل ومُضنٍ كي يتسنى لها استعادة سمعها الذي ضُعف وابتسامتها التي فقدتها جراء تلف عصب الوجه واعتلال حركة فكها، فضلاً عن محاولة إعادة ذلك الجزء من جمجمتها الذي اضطر الأطباء لإزالته كي ينقذوا حياتها في أول الأمر ثم استعاضوا عنه بصفيحة معدنية.
وتقول عن رحلة شفائها: «أُدرك أن الله قد وهبني حياة جديدة بعدما كنت في عِدَادِ الموتى... كان الناس يدعون الله لي بالنجاة، وقد نجَّاني لغاية وهي أن أكرس حياتي لمساعدة الآخرين».
متابعات
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق