قصة وحكمة
العنزة أنثى الفيل ( 1 )
أطل علينا مصطفى صادق الرافعي برائعة من روائعه و وفريدة من فرائده ظاهرها القصة الطريفة وباطنها الحكمة الشريدة , بطلتها العنزة بضآلة حجمها , وحقارة منظرها .
ومفادها أن فيلا بجبروته , وعنفوانه وعظم حجمه , وخطورة قدره إذا مشى اهتزت الأرض وارتجت الجبال , نظره موجه إلى السماء فلا يصوبه ناحية قدميه , فما كان من هذا الفيل إلا أن مر بقرية العظاء ( السحالي ) فدمر ممتلكاتها , وأباد أهلها دون قصد منه , فما غادرها إلا وهي أثر بعد عين , فهلك من هلك
ونجا من نجا .
فلما جاوز هذه القرية خرج من نجا - وهم قلة - يتفقدون من هلك , وينوحون على من قضى ويقفون على بقايا الأطلال , ويتذكرون من هلك من الأهل والآل .
وإذ هم على هذه الحال المزرية إذ مرت بهم عنزة تتقمم (1) قد بدت أضلاعها , وغارت عيناها ,وانحت قوائمها فما إن رأوها حتى اختلفوا في أمرها وتنازعوا في شأنها , إلا أن أغلبهم اتفقوا على أنها أنثى فيل صرح بذلك أشقاهم عندما قال (( ويحكم ألا تعلمون أن الأنثى هي الذكر إما مصغرا أو مشوها أو مقلوبا ))
فكان كلما احتجت عظاءة بصغر حجم العنزة أو حقارة منظرها أو اختفاء خرطومها أرجعهم إلى قاعدته العجيبة في وصف الأنثى ( مصغر – مشوه - مقلوب ) عن الذكر .
فوقع ذلك القول في قلوبهم فضل المفتي وأضل , فتنازعوا أمرهم بينهم كيف يصنعون , وإلى أي أمر يتفقون , فانبرى شقي منهم وقال نجتمع إليها , ونملكها أمرنا فتحكم مملكتنا ,وبذلك تصد عنا بطش سيدها وزوجها العظيم .
فكان ما قال , وذهبوا إليها وسلموها مفتاح القرية ووقف خطيبهم قائلا (( يا أنثى الفيل العظيم , صاحبة الشأن والمنزلة والرفعة بك ازدانت الدنيا , وطاب العيش , أياديك بيضاء , ومساعيك غراء,,,,,,,,,,,
وإن بعلك الكريم المجل ,حدث منه ما حدث فرمل النساء , ويتم الأطفال , وإنا قد نصبناك ملكة علينا , وراعية لنا , فافعلي ما شئت , وقولي ما أردت , ونصبي من تحبين , واعزلي من تشائين , فإنا لك طائعين
ولمن خالفك مفارقين )
فكرت العنزة وقدرت , ثم تأملت وقررت, بعد أن رأت العرض أكبر من الآمال , وأحلى من التوقعات , وأجمل من الأمنيات , من عنزة حقيرة وضيعة , إلى ملكة متوجة عظيمة .
قبلت الرأي , وتسلمت مقاليد الحكم وماهي إلى سويعات حتى بدت بتلاوة القرارات .
فعينت الوضيع , وأقصت الظليع , وأعلت منزلة الأوباش , وحاربت أهل الصلاح , فكان نتيجة لذلك أن شاع الفساد , وعم جميع البلاد , وهي في غيها سادرة , وعن الحق مكابرة .....
وطبقت سياسة ( ول ِّ من لا يفهم على من يفهم ) حتى يقيد المبدعون , ويحبط المفكرون .
ثم إن هذه العنزة المتهالكة وقر في نفسها أنها ملكة وانها أنثى فيل لكثر سماعها لهاتين الكلمتين فتبرمج عقلها الباطن فتغيرت مشيتها فلا تمشي إلا مشية فيل فترفع قدميها ثم تخبط بهما الأرض كي ترتج من تحتها , ولكم حاولت اقتلاع الأشجار كما تفعل الفيلة .......................... يتبع
الجزء 2 تكملة
ولتمام قناعتها بما آل حالها إليه لم تتهيب الخروج إلى حيث تجمع سباع الأرض وكواسر السماء إلا أن زهدهم في افتراسها , واشمئزازهم من منظرها ضمنا لها حياة مديدة , ويقينا لا شك فيه أنها فيلة عظيمة وإلا لما خشيت منها الأسود والنمور والنسور و.........
وإذ هي على هذه الحال إذ مر الفيل العظيم بجبروته على القرية المنكوبة فما كان من العظاء إلا أن حمدوا جميل فكرتهم , وآمنوا برجاحة عقولهم إذ ولوا عليهم من يدفع شر هذا الفيل العظيم .
فهرولوا إلى ملكتهم واجتمعوا حولها , ولاذوا بها , وأخبروها خبر زوجها وأنه قادم لتدمير مملكتهم كما فعل في المرة الماضية .
فاستجمعت قواها , ونفشت شعرها , ورفعت ظهرها , وفحصت بأظلافها ألأرض كي تخيف الناظرين , وترد كيد المعتدين , والعظاء ينظر نظرة الإعجاب والفخر بهذه الملكة المتوجة .
عندها حملت على الفيل وانطلقت إليه تريد اقتلاعه من مكانه وزلزلة الأرض من تحت أقدامه , وهي لا تُرى من الغبار المتطاير من شدة عدوها فما إن وصلت إليه حتى تناولها بخرطومه ورمى بها إلى حيث ينبغي أن تكون .
فما عرف العظاء أين انتهى بها الحال , وعندها عرفوا فداحة الجرم الذي ارتكبوه في حق ذواتهم عندما ولوا عليهم من لا يحسن تدبير شؤونه فضلا عن الآخرين .
وأحسوا بالندم على طاعتهم العمياء لها في تدبير شؤونهم , وتغيير مبادئهم , وهدم شرائعهم , وتعطيل عقولهم , ولو أنهم عرفوا معنى التكاتف والتلاحم , والتناصح , وأخذ ما قبلته عقولهم وعرضها على أولي الحجا منهم لما حصل ما حصل .
وآمنوا أن العنزة برغم ما فعلته , وأحدثته لم تكن الملامة فاللوم كل اللوم يوجه لهم دون غيرهم لأنها باختصار عملت على مبدئها وهم خالفوا مبادئهم وقيمهم .
وكان ذلك الدرس القاسي حياة جديدة لعالم العظاء , فأعادوا ترتيب ملكهم ورفعوا من قيمة أهل الرأي والمنزلة , وأقصوا كل من كان له يد في تدمير قريتهم , وفي خضم ماهم فيهم من كدح وعمل إذ رأوا ملكتهم القديمة ( أنثى الفيل ) جثة هامدة متحللة , قتلها غرورها وجهلها ومكابرتها .وكيف أن المنصب يغير أحوال الضعفاء , ولو أنها تأملت قليلا لعرفت أنه منصب حقير لا قيمة من ورائه , وأي قيمة ومنزلة لملكة عظاء ؟؟؟؟؟؟
منقول
العنزة أنثى الفيل ( 1 )
أطل علينا مصطفى صادق الرافعي برائعة من روائعه و وفريدة من فرائده ظاهرها القصة الطريفة وباطنها الحكمة الشريدة , بطلتها العنزة بضآلة حجمها , وحقارة منظرها .
ومفادها أن فيلا بجبروته , وعنفوانه وعظم حجمه , وخطورة قدره إذا مشى اهتزت الأرض وارتجت الجبال , نظره موجه إلى السماء فلا يصوبه ناحية قدميه , فما كان من هذا الفيل إلا أن مر بقرية العظاء ( السحالي ) فدمر ممتلكاتها , وأباد أهلها دون قصد منه , فما غادرها إلا وهي أثر بعد عين , فهلك من هلك
ونجا من نجا .
فلما جاوز هذه القرية خرج من نجا - وهم قلة - يتفقدون من هلك , وينوحون على من قضى ويقفون على بقايا الأطلال , ويتذكرون من هلك من الأهل والآل .
وإذ هم على هذه الحال المزرية إذ مرت بهم عنزة تتقمم (1) قد بدت أضلاعها , وغارت عيناها ,وانحت قوائمها فما إن رأوها حتى اختلفوا في أمرها وتنازعوا في شأنها , إلا أن أغلبهم اتفقوا على أنها أنثى فيل صرح بذلك أشقاهم عندما قال (( ويحكم ألا تعلمون أن الأنثى هي الذكر إما مصغرا أو مشوها أو مقلوبا ))
فكان كلما احتجت عظاءة بصغر حجم العنزة أو حقارة منظرها أو اختفاء خرطومها أرجعهم إلى قاعدته العجيبة في وصف الأنثى ( مصغر – مشوه - مقلوب ) عن الذكر .
فوقع ذلك القول في قلوبهم فضل المفتي وأضل , فتنازعوا أمرهم بينهم كيف يصنعون , وإلى أي أمر يتفقون , فانبرى شقي منهم وقال نجتمع إليها , ونملكها أمرنا فتحكم مملكتنا ,وبذلك تصد عنا بطش سيدها وزوجها العظيم .
فكان ما قال , وذهبوا إليها وسلموها مفتاح القرية ووقف خطيبهم قائلا (( يا أنثى الفيل العظيم , صاحبة الشأن والمنزلة والرفعة بك ازدانت الدنيا , وطاب العيش , أياديك بيضاء , ومساعيك غراء,,,,,,,,,,,
وإن بعلك الكريم المجل ,حدث منه ما حدث فرمل النساء , ويتم الأطفال , وإنا قد نصبناك ملكة علينا , وراعية لنا , فافعلي ما شئت , وقولي ما أردت , ونصبي من تحبين , واعزلي من تشائين , فإنا لك طائعين
ولمن خالفك مفارقين )
فكرت العنزة وقدرت , ثم تأملت وقررت, بعد أن رأت العرض أكبر من الآمال , وأحلى من التوقعات , وأجمل من الأمنيات , من عنزة حقيرة وضيعة , إلى ملكة متوجة عظيمة .
قبلت الرأي , وتسلمت مقاليد الحكم وماهي إلى سويعات حتى بدت بتلاوة القرارات .
فعينت الوضيع , وأقصت الظليع , وأعلت منزلة الأوباش , وحاربت أهل الصلاح , فكان نتيجة لذلك أن شاع الفساد , وعم جميع البلاد , وهي في غيها سادرة , وعن الحق مكابرة .....
وطبقت سياسة ( ول ِّ من لا يفهم على من يفهم ) حتى يقيد المبدعون , ويحبط المفكرون .
ثم إن هذه العنزة المتهالكة وقر في نفسها أنها ملكة وانها أنثى فيل لكثر سماعها لهاتين الكلمتين فتبرمج عقلها الباطن فتغيرت مشيتها فلا تمشي إلا مشية فيل فترفع قدميها ثم تخبط بهما الأرض كي ترتج من تحتها , ولكم حاولت اقتلاع الأشجار كما تفعل الفيلة .......................... يتبع
الجزء 2 تكملة
ولتمام قناعتها بما آل حالها إليه لم تتهيب الخروج إلى حيث تجمع سباع الأرض وكواسر السماء إلا أن زهدهم في افتراسها , واشمئزازهم من منظرها ضمنا لها حياة مديدة , ويقينا لا شك فيه أنها فيلة عظيمة وإلا لما خشيت منها الأسود والنمور والنسور و.........
وإذ هي على هذه الحال إذ مر الفيل العظيم بجبروته على القرية المنكوبة فما كان من العظاء إلا أن حمدوا جميل فكرتهم , وآمنوا برجاحة عقولهم إذ ولوا عليهم من يدفع شر هذا الفيل العظيم .
فهرولوا إلى ملكتهم واجتمعوا حولها , ولاذوا بها , وأخبروها خبر زوجها وأنه قادم لتدمير مملكتهم كما فعل في المرة الماضية .
فاستجمعت قواها , ونفشت شعرها , ورفعت ظهرها , وفحصت بأظلافها ألأرض كي تخيف الناظرين , وترد كيد المعتدين , والعظاء ينظر نظرة الإعجاب والفخر بهذه الملكة المتوجة .
عندها حملت على الفيل وانطلقت إليه تريد اقتلاعه من مكانه وزلزلة الأرض من تحت أقدامه , وهي لا تُرى من الغبار المتطاير من شدة عدوها فما إن وصلت إليه حتى تناولها بخرطومه ورمى بها إلى حيث ينبغي أن تكون .
فما عرف العظاء أين انتهى بها الحال , وعندها عرفوا فداحة الجرم الذي ارتكبوه في حق ذواتهم عندما ولوا عليهم من لا يحسن تدبير شؤونه فضلا عن الآخرين .
وأحسوا بالندم على طاعتهم العمياء لها في تدبير شؤونهم , وتغيير مبادئهم , وهدم شرائعهم , وتعطيل عقولهم , ولو أنهم عرفوا معنى التكاتف والتلاحم , والتناصح , وأخذ ما قبلته عقولهم وعرضها على أولي الحجا منهم لما حصل ما حصل .
وآمنوا أن العنزة برغم ما فعلته , وأحدثته لم تكن الملامة فاللوم كل اللوم يوجه لهم دون غيرهم لأنها باختصار عملت على مبدئها وهم خالفوا مبادئهم وقيمهم .
وكان ذلك الدرس القاسي حياة جديدة لعالم العظاء , فأعادوا ترتيب ملكهم ورفعوا من قيمة أهل الرأي والمنزلة , وأقصوا كل من كان له يد في تدمير قريتهم , وفي خضم ماهم فيهم من كدح وعمل إذ رأوا ملكتهم القديمة ( أنثى الفيل ) جثة هامدة متحللة , قتلها غرورها وجهلها ومكابرتها .وكيف أن المنصب يغير أحوال الضعفاء , ولو أنها تأملت قليلا لعرفت أنه منصب حقير لا قيمة من ورائه , وأي قيمة ومنزلة لملكة عظاء ؟؟؟؟؟؟
منقول
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق