المشاركات الشائعة

الجمعة، 31 أغسطس 2012


المكارثية الثقافية.. مناخات الخوف وبؤس النص


محمد العامري - تعاني الكائنات الإنسانية منذ وجودها من ثقافة الإقصاء وهو الفعل السلبي المبني على المحاولات غير العادلة لإبعاد خطر الأشخاص الذين يمتلكون جرأة الحقيقة، بوصف الحقيقة شقيقة الضوء الساطع الذي يعمي العيون العمشاء، العيون التي تعاني من العماء المعرفي والتي لا تعيش إلا بالوهم الماكث في جوارحهم .
مكارثية الثقافة تتمترس خلف العمل الدؤوب على تشويه النصوص العالية ومحاولة شدها بكلاليب السلطة البائسة، سلطة تستمد قوتها من عذوبة الوهم بين المكارثي والسيد، فهمة المكارثي تقوم على صب العسل في أذن سيده في كل لحظة كون تلك السلطة تتلذذ بتلك الإشاعات الباطلة، فالعبد الثقافي لا يملك في حياته سوى حرفته العالية في الإقصاء والتشويه، كون هؤلاء الأشخاص يعتاشون من حرفتهم السلبية التي تتنامى في ظروف مبنية على الشك، بل يذهبون إلى تعميق الشك في الولاء والانتماء حتى تجد أطروحاتهم الاقصائية مجالا للتطبيق .
«المكارثية» هي فن صناعة الاتهام والتخوين للإفراد الذين يشكلون خطرا على مواقع الضعاف في مراكز القرار، وهم ضعاف كونهم لا يمتلكون نصا ولا دربة في إدارة الموضوعية في إنتاج الفعل الثقافي، لذلك فهم يمتثلون لمرياعهم وليس لديهم رأيا في الأصل ويمكثون في منطقة تلقي الأوامر والتعليمات ليسارعوا في تنفيذها دون علم أو معرفة متناغمين مع متطلبات وجودهم في ظلال المرياع .
فالمكارثية تعود في نشأتها للفترة ما بين عامي 1947 و1957، وهذا المسمى اشتق من اسم السيناتور الأميركي الجمهوري جوزيف مكارثي، إذ شرع مكارثي في تلك الفترة في القيام بحملات دعائية الغرض منها هو التشكيك في ولاء أعضاء الحزب الديموقراطي،
والمكارثية مصطلح قائم على الضرر بالآخر، الضرر الباطل طبعا، وخطورة المكارثية الثقافية تتمثل في تشكيل رأي عام مضلل، وضبابي يمتد إلى مناخات اجتماعية عريضة كونها مشفوعة بالآلة الإعلامية التي تسهم الى حد كبير في تسويق الضبابية .
المكارثيون لديهم القدرة على إيجاد بيئات اتهامية مناسبة كي تقنع أصحاب القرار كما فعل مكارثي في تلفيق تهم لمنافسيه في السياسة الأميركية حين اتهمهم بميلهم للشيوعية في وقت كانت أمريكا تحارب بضراوة المد الشيوعي والمكارثيون يعتمدون على تفتيت وتقسيم الفئات المتماسكة تماما كما حصل في رابطة التشكيليين الأردنيين ورابطة الكتاب أيضا فقد تعرض التشكيليون لهجمات تحت الحزام لتفتيت قدراتهم وقد غاب عنهم بان اللوحة (النص) هي البطل لا المؤسسة وما زالت الرابطة تقاوم تلك الهجمات عبر مواصلة أنشطتها التي شكلت حالة حيوية ومزعجة للمستثقف المكارثي .
ووصل الأمر إلى وضع قوائم سوداء تضم أسماء الكثير من الكتّاب والفنانين يتم استثناءهم من الأنشطة الخارجية كجزء من الفكر الاقصائي الذي يمارسونه يوميا تاركين طبيعة وجودهم الذي يتمثل في الإخلاص للعمل الفني، فالفعل الابداعي لديهم مهمش والمتن هو الوشاية بالأقوياء، لذلك ومن الطبيعي أن تسقط نصوصهم إلى الحضيض باحثين عن دعائم هشة كروافع لنصوصهم .
اعتقد أن أهم ما أنجز من فعل ضد المكارثية هو الانفتاح الإعلامي المتمثل بالفعل الالكتروني المنفتح الذي يتيح للمبعد أن يجد مساحته الخاصة والموضوعية في نشر أفكاره وإبداعاته، وهذا الأمر أزعج المكارثي بل ساهم في القضاء عليه ومحاصرته الى جانب وضوح ضعف «المكارثيون» لعدم امتلاكهم الصدقية والمكوث في الغوغائية وهي ايضا فئة خائفة ومرتجة تهتز من أي أفعال ثقافية صادمة وحقيقية ، فيتحركون مع بعضهم البعض من باب الانسجام في نفس البؤس، المكارثيون تقوم افكارهم على : صناعة وترسيخ عقدة التشكيك ، بغرض التشويه والإساءة للمناكف والمختلف، الى جانب تضخيم الخطر وغرس عقدة الخوف من تلك الأخطار الواهمة اذكر كتاب بعنوان: «القرن الأميركي» لهارولد ايفانز: الذي قال: «إن جوزيف مكارثي أخاف الأميركيين خوفاً حقيقياً لا يكاد يصدقه الأميركيون اليوم، بعد أكثر من 50 عاماً».
ونجد أن الانفتاح الذي شكل ضدية مهمة للمكارثية، الانفتاح الالكتروني الذي أسس لخطاب يعتمد على كشف الكذب والزيف، فحين يستثنى المثقف الحقيقي نجد أن أشخاص كثر يسألون عن سبب غيابه كونه حاضرا في مناطق أخرى بل مؤثرا على عكس ما يعتقده المكارثي .
كان مكارثي يحاول أن يوحي للجميع بأنه ينطلق من منطلق قومي في خوفه على مصلحة وأمن المجتمع الأميركي، بيد أنه كان في الحقيقة يسعى من أجل تحقيق أهدافه ومصالحه السياسية من خلال وصول الحزب الجمهوري للبيت الأبيض آنذاك.
فهل يعلم المكارثيون أن المثقفين الرواقيين في الأردن قد فاضت نصوصهم في مناطق أخرى وقد سبقتهم لأهم المواقع في العالم فشمس النص اللابداعي لا تغطى بغرابيلهم المهترئة والتي تشققت من سطوع ضوء نصوص المبدعين الحقيقيين .
فقد أصبح للمكارثيين سمات (المستثقف) الاقصائي، فهو لا يثق بغيره القوي، وينظر للآخر بوصفه كائنا يهدد مصالحه، يعاني من تضخّم مرضي ، لذلك تتولد لديه النزعة الاقصائية ذات الطابع الاستباقي. واذكر هنا قول سيدنا علي - كرم الله وجهه - من كثرة اللحن في كلام الناس؛ فقال لأبي الأسود: «ضعوا ... ردائم».
فالمكارثيون في الثقافة الأردنية يحتاجون إلى كثير من الردائم حتى يعودوا إلى رشدهم الإنساني ونصوصهم .الرأي
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق