عقدة البوعريف
بين شاعرين
أبو الطيب المتنبي وجلول الجلجلي
علي قوادري
نقف اليوم بين شاعرين كل عاش زمنه فكتب عن مجتمعه مفتخرا وذاما ومادحا..
شاعران اتخذا لغة العصر تعبيرا عن مشاهداتهما وتجاربهما :فكانت الفصحى من جهة والعامية من جهة أخرى..
نحن الآن أمام قامة شعرية شغلت الدنيا فبقي شعره خالدا رغم مرور القرون إننا أمام الشاعر الطيب المتنبي الذي كانت له أحلام كبيرة وتطلعات تسمو بنفسه سمو شعرها وعلو ما قاله..
كان يحلم أن يرفعه شعره حين يمدح الأمراء أن يمنحوه ملكا فيصبح أمير إقطاع ولكنه اصطدم بواقع آخر ،أبعده وقزمه في بلاط الأمراء ..
وبعيد عن مدحه وفخره الذي يقال أنه قتلهن نقف ونحن نسمع صداه يرد هذا البيت:
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله=وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم
وهو بيت من قصيدة طويلة كان مطلعها:
لهوى النفوس سريرة لا تعلم=عرضا نظرت وخلت أني أسلم..
ويبدو أننا أمام شاعر جرب حتى ساقته التجربة لاستخلاص هذه الحكمة التي مازالت تساير عصرنا..
نرى تقابلا استعمله الشاعر لإبراز الفرق والخلاصة؛العقل يقابله الجهالة وذو العقل شقي والآخر ينعم من النعيم ..
بعد رحلتنا لعصر المتنبي ها نحن نعود لعصرنا الحالي فنجد حفيد الشاعر المتنبي شاعر البيض جلول الجلجلي صاحب رائعة ابقاي على خير ياذ الدشرة وشاب الرس وهو جامعي متحصل على ليسانس في العلوم التجارية والمالية سنة 1979 ثم انتقل إلى بريطانيا ليتعلم لغتها وعاد وكله أمل أن يخدم مدينته لكنه قوبل بواقع مسدود وعقدة نحو كل مثقف متعلم فعبر عن يأسه وحسرته بقصائد من الملحون أهمها أبقاي على خير ياذ الدشرة والتي غناها الراحل الشيخ عطالله ..
ومن خللا قصدته سربيلي كاس أتاي والتي مطلعها:
سربيلي كاس بالنعنــاع بنين ***** زيد اعطيني ڨـــارو نتونس بيه
واسمح لي نحدثك على الوقت الشين ***** ذا الوقت لي كهمومــه كي غاشيه
يصرخ في قومه وقد بلغ منه اليأس مبلغا جعله يعاود الهجرة:
مول العلم بين الناس أحزين***** والجاهــــــل مبسوط لا من ينويه
واحد عايش عيشة أهنا وتسلطين***** ولآخر غي هم الزمان يكاوح فيه
يستعمل هو الآخر تقابلا من أجل إظهار الفرق: مولى العلم /صاحب العلم أو ذو العقل احزين /حزين وشقي بينما الجاهل سعيد لا يأبه لشيء ولا شيء يضايقه..
من خلال الشاعرين وما جادت به قريحتهما يقفز شبح إنسان فاقد الأمل أوصلته التجربة لخلاصة رهيبة وحزينة ،وفيها تثبيط ويأس وكأنهم يقولان:هذا هو الحال ولن يتغير شيء مادام أخو الجاهلة/الجاهل ينعم ومبسوط لا من ينويه وذو العقل يشقى لأن صاحب العقل ينشد التغيير والإصلاح والخير للبلاد والعباد..ولكن المعوقات كثيرة..
هنا تحضرنا عقدة الحاكم والرعية من العلماء والمثقفين بحيث يتم إبعادهم وتهميشهم وهي عقدة سماه أمين الزاوي في مقال له بعقد البوعريف والبوعريف عندنا تعني المثقف أو العالم.. وقد حكى حكاية الأديب مالك حداد حين تقد للترشح من في البرلمان وكان الترشح يومها يمر بالحزب الواحد ويتم اختيار القائمة ،في نهاية الأمر تم إقصاؤه وتقديم أسماء لا مستوى لها مما جعل مالك حداد يعيش حالة صدمة وينعزل في بيتها حتى توفي..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق