ديك نزار قباني وديك علي عبد اللاوي
الكتابة على لسان الحيوان
الأستاذ:علي قوادري
عرفت الكتابة على لسان الحيوان منذ عهد ابن المقفع الذي اشتهر بقصص الحيوان في كتابه الشهير كليلة ودمنة كما عرف الأدب الفرنسي هذه الظاهر مع الكاتب جون دي لافونتان في كتابه خرافات لافونتان وانتشر في مناطق عديدة من العالم.. les fables de la fontaine
كانت هذه القصص على لسان الحيوانات تنتقد الأوضاع الاجتماعية والسياسية بذكاء ودهاء في أسلوب سردي شيق مما جعل الإقبال عليها وعلى قراءتها وكثيرا ما تنتهي بحكمة ..
بقي هذا الأسلوب من التعبير يواكب الحركة الإبداعية العربية والعالمية،و واصل كتاب معروفون التعبير عن آرائهم باستعمال الحيوان كأداة لتوصيلها ونشرها لدي العامة والنخب على حد سواء..كما قال طه حسين يوما في كتابه «من حديث الشعر والنثر» عن عبد الله بن المقفع وصديقه عبد الحميد الكاتب: «وإنما يقرؤهما منا ذوو الثقافة العالية والساذجة والمتوسطة والبسيطة ،وكلنا يجد لذة ومتعة فنية "
ومن هنا كتب شعراء بهذا الأسلوب كشوقي ونزار قباني والكثيرون مستعملين هذا الأسلوب لنقد الأوضاع السياسية التي كان يديرها ديكتاتوريون لا يؤمنون بحرية التعبير ولا يسامحون من يخالفهم..
ارتأيت هنا أن أتوسع في هذا المجال متجها نحو الشعر الشعبي أو الملحون عندنا متخذا من قصيد شاعر سيدي مخلوف علي عبد اللاوي نموذجا على هذا الأسلوب في التعبير عن الآراء والأفكار السياسية والاجتماعية وغيرها..
ووجدت أن سي عبد اللاوي قد استعمل في قصيدته الشهيرة الدجاجة قالت للفروج الحيوان ليعبر عن نقده ورأيه لقانون الأسرة وهو موضوعة اجتماعية بحتة وحساسة في مجتمع رجولي كمجتمعاتنا الداخلية..
بالمقابل وجدت أن الشاعر الكبير نزار قباني قد استعمل الديك المرادف للفروج في عاميتنا لينتقد وضعا سياسيا وحكما ديكتاتوريا ..
كلا الشاعرين استعملا الأسلوب الفكاهي من أجل سخرية سوداء تنم عن عدم الرضا وعدم القبول وهو ما عبرت عنه الحيوانات..
ففي قصيدة نزار جاءت القصيدة على لسان راو مجهول يروي سيرة ديك يرمز به للحاكم العربي وديكتاتوريته وتبعيته للغرب وقمعه لكل الحريات كما يشير لهمجيته وعدائيته وقهره لأهل الحارة حيث يبدأ القصيدة ب :
في حارتنا ديك سادي سفاح..
بدايةً، كلمة السادية Sadism
تعني الحصول على المتعة أو اللذة خلال العلاقة الحميمة عن طريق إيلام أو إيذاء الطرف الآخر، وهي عبارة عن اضطراب سلوكي قد يُصاب به أي من الجنسين، سواء الرجل أو المرأة، ولكن السلوك السادي ينتشر في مجتمعنا الشرقي بين الذكور بصورة أكبر، وفقا لما تشير إليه بعض الدراسات.
ويتميز الشخص السادي بعدة صفات، هي: القسوة والعنف والعدوانية والترهيب والرغبة الدائمة في إلحاق الألم النفسي أو الجسدي بالطرف الآخر (الزوجة) وإهانتها، لكي يثبت لها ولنفسه قوته وهيمنته وسيطرته عليها، ولا يتحقق لديه الشعور بالمتعة أو الوصول للذروة خلال ممارسة العلاقة الحميمة إلا لو فعل ذلك:
في حارتنا ديك سادي سفاح
ينتف ريش دجاج الحارة كل صباح
ينقرهن, يطاردهن, يضاجعهن
ولا يتذكرأسماء الصيصان
.نحن أمام سادي قد يفعل كل شيء في أبناء حارتنا وبحكم أنه هو الديك والديك هنا هو السيد وكما يختم نزار قصيدته :
قال بصوت غاضب:
كيف تجرّأ ديك من أولاد الحارة
أن ينتزع السلطة مني
كيف تجرأ هذا الديك
وأنا الواحد دون شريك
بالمقابل نرى أن الشاعر الشعبي علي عبد اللاوي قد قدم قصيدة في شكل حوار بين الديك الفروج وزوجته الدجاجة ليسرد علينا حالة التمرد الذي فرضته الزوجة على الفروج الذي يرمز لهيبة الرجل التقليدي في مجتمعاتنا وهو الآمر والناهي ولا كلمة تعلو كلمته ..
في حوارية شيقة شعرية فكاهية يسرد علينا الشاعر تمرد الدجاحة التي أصبحت كلمة بكلمة مع زوجها ،ورغم التهديد والوعيد تصر على الخروج والتمتع بالحرية التي أقرها القانون ليحتكما للقاضي وهو الغراب والمحامي التبوب وهو من ضعاف الطير وكأنه قصد هذا...ليخرج الفروج منكسرا مهزوما ويقر بالهزيمة ويحلق شاربه..
تنقسم القصيدة إلى أقسام ،يبدؤها الشاعر كمقدمة بسبب المشكل وهو طلب خروج الدجاجة وخروجها عن التقاليد والأعراف مما يسبب غضبا للفروج الذي أحس بالتمرد فحاول التصرف لكن دون جدوى:
الدجاجــة قالـت للفـَـرُّوجْ** لاتمنعنــي مــن الخروج**رانا في وقت هاجوج وما جوج قريب ايطل
قال لها دجاجــة كنــي**لا اتخليــش الغيــرة تقتلني**خايــف منها اتجنـني وايقولـو الفــروج اهبل
قالــت لــو غــي هني بالــك**لاتتنفــرز هــاك أُمَّالــك**حتى وُنخــزر لمثالك واش اقبالك تعمل ؟؟
قال لْها الى قلت لك لالا**ما الديريش المكر اقبالا**وامشي زين مع الحماله مهما اعواجت ما تهمل
قالت لو كثـــرت اعلـــيا**وانا امعــاك نمشـــي بالنية**يا وقيـــلا نقلب الحـــيَّا ماعاد باقي لي عقل
قال لها رأي ديريـــه**حتـــى وانت ماتشتيه**ها الحيـــط احـــــذاك دزيـــه ولو يحصل ما يحصل
قالت لو واش راك اتقول**خابطها انضنــك مزطول**راك اتندم آمهبول ترجـــــع واتعـــود اتحلل
قال لها ياســر بركانــي**ديــري ما قلــت لــك بلسانـــي**انا بابــايا وصانـــي تطلقـــها عنك تهمل
قالت لــو يـا اللــــه نتفرقــو**قبــل ما انعـــودو نتفلقـــو**أيام المحبـــة حرقـــــو ما باقي فيهم أمل
قالها نغدو للقاضــي**نحكــو لـــو الحاضر والماضي**واللي احكم لو يغدى راضي ما عليه الا يقبل
بعد الصراع الدرامي كان الحل الاحتكام للقاضي وهو الغراب ،وقد أحسن الشاعر اختيار شخصيته وبذلك قد صور لنا بذكاء ودهاء مسبق ما سيؤول إليه الحكم فنرى في هذا المقطع أو الجزء ما حدث في المحكمة وكيف كانت القوانين لصالح الدجاجة مهمشة الرجل وسلطته الكلاسيكية:
راحــو للقاضــي يتمشــو** فــي بعضاهم غير ايكشو**القاضي راقد في عشو احذى أولادو متكسل
القاضي هــو لغــراب**وعنصــري عنــدو لعصــاب**لارشـوه ثـمَّ لا اصـــحاب كلمتين ويلقى الحل
والمحامـي ســي التبيــب**مــن قضيـة يملي الجيـب**مـا عندو لاعدو لا احبيب طلقها قبل أن تهبل
حتى محامـي الدفــاع**ويشتــي هــاذي الاوضــاع**ما هُـو مرشــي لاطـــماع عيــنو سِيقان الحجل
القاضــي خــشْ بْـنظام**خًـبْــطْ البيـرو بَالـرَّزامْ**طـارو شنــباتْ الهُــمَام قبــل الجلســـــــة ما تتحل
قال الجلســة مفتوحــة**ويــنك يا ذي المجروحــة**قالت راني مفضوحـة امعيشني سيــدي في الذل
دايم دايرني في السجنة**وكي يزعف يعطيني عجنة**آ سيدي القاض واحتجنا وذا البوجـادي ما يغفل
حارمني من خرجـةْ بَــرَّهْ**رشـَّانـِـي سيـدي بالهدره**غي كلمه وانجيب لك ضرة تمشي اقبالك تتزعبل
قال لـْـها المــادة سبعيـــن**اللـــي خـرْجَـــتْ سنَـــــةْ الفين**الزوجــة ليها حقيــن في النفقــة والمنزل
قال الجلســة مرفوعـــة**الهــدرة عنكــم ممنوعــه**قوانينــي مصنوعــــه والقاضـــي صَيـْـــد وجمل
هكذا تتم المحاكمة ويتم الاحتكام لقوانين وضعها نظام بوتفليقة مانحا للمرأة الكثير من الحريات قد أضرت بالأسرة وأدت للطلاق والافتراق وتفكك الأسر ،ولم يتوقف الشاعر في وصفه للمحكمة بل أشار لفئة المحامين وعملية النهب المقننة وكيف أنهم يحبون هكذا أوضاع..
في الجزء الآخر نشاهد انقلابا تاما على الوضع التقليدي، فالدجاجة حققت انتصارا قانونيا وأصبحت تتمتع بالقوة والجرأة وما عاد سلطان الرجل يرهبها :
قال الفروج للدجاجَـــهْ**وانــا نسكـــن في الخراجَـــه**لازم لــك ديـري لي حاجه واكفيني كانش عمل
قالت لـُـو اعمَـيْلِـي ساهــل**تلقانــي نغــدى للعـادل**ايلوحك لـ دْويلةْ ْ بابل ست اشهر تشرب في الخل
قال لْـها مـا اتلومينيــش**رانــي غالــط مـا عنديــش**لــو نسَّـلْـتي قــاع الريــش مـا عــاد نلعبها بطل
اشهــدو عنــي يا دجاجــات**ماني الفــروج اللــي فــات**رانــا وليــنا أُخــيَّات والنُّـونَـــايا غــي ثقل
رانا وقــت التفتـوح**ديـري مـا اتحبـي مسمـوح**اشتيت انولـي والا انــروح ما انعـوعش ماني فحل
قالــو لـو يـا ذا الفـــروج**ألْهَـــى ابْكـرعيـك اللي عوج**اعويناتك وأُذيناتك زوج عقلك عندك لاتهمل
قال لْهــم أنا رْفـــدت الرايـــه**والصــــح انـــردو دعايــه**كـان امغلطنـي بابايا وصانـي وعنـي ارحل
الدجاجــة قالــت فروجــــي**امونسنـــي يغـــدى وايجـي**لاش انهينو يا حوجي افريرجي زين أمنسل
الفــروج اخــــرطْ شنباتـُــو**والا اموســـع أبيباتو**امبكــر ايلقط فـــي حباتــو وسعـــدو راقــد ياكل
اكبــر واعواجــو سيقانــو**واتلــف لــو حتـــى أذانــو**لاقــــدرُو قعــدو لاشانُـو مقواه الى كان اهبل
الدجاجات ايصولو وايجولو**واذا اتكلم ما ايردولو**على الحرية كي يحكولو ايدير اجناحو كي لمظل
الحكـــم ولـّــَى خاطيـــه**يخـــزر فــي المكــر بـْعينيــه**هآحليلــــو لالـــوم عليــه مقـواه الى كان اهبل
ادجاجاتـــي مــا يسجنـــوش**والمفلــس مــا يتبطــوش**رانـا وقـت التقلــوش دجاجـه تحكم في البغل
وبكل حسرة وذلة يستكين للوضع بعد تهديد الدجاجة له بالاستعانة بالقاضي وحبسه ،فيعود منكسرا ويغير من معيشته من السيد وصاحب القرار إلى تابع لامرأته فيقول لها:
قال لْـها مـا اتلومينيــش**رانــي غالــط مـا عنديــش**لــو نسَّـلْـتي قــاع الريــش مـا عــاد نلعبها بطل
اشهــدو عنــي يا دجاجــات**ماني الفــروج اللــي فــات**رانــا وليــنا أُخــيَّات والنُّـونَـــايا غــي ثقل
رانا وقــت التفتـوح**ديـري مـا اتحبـي مسمـوح**اشتيت انولـي والا انــروح ما انعـوعش ماني فحل
مشهد كوميدي ساخر يعري الوضع ويجعلنا نقف أمام مأساة نفسية لهذا الرجل الذي يقف ضحية ثورة زوجته ..
فيقر بكل شيء في هذا المقطع الذي يصور لنا ببراعة انقلاب المشهد وانحسار دور الرجل التقليدي وتمكن المرأة الحديثة من كسر رهبته وهيبته وتهميشه تهميشا موجعا ،وأصبح منسلا لريشه رامزا لتخليه عن رجولته وغيرته وهو ما جعل الدجاجة تعجب به وتبقيه مادام لا يمانع في حريته غير التي كانت:
قالــو لـو يـا ذا الفـــروج**ألْهَـــى ابْكـرعيـك اللي عوج**اعويناتك وأُذيناتك زوج عقلك عندك لاتهمل
قال لْهــم أنا رْفـــدت الرايـــه**والصــــح انـــردو دعايــه**كـان امغلطنـي بابايا وصانـي وعنـي ارحل
الدجاجــة قالــت فروجــــي**امونسنـــي يغـــدى وايجـي**لاش انهينو يا حوجي افريرجي زين أمنسل
الفــروج اخــــرطْ شنباتـُــو**والا اموســـع أبيباتو**امبكــر ايلقط فـــي حباتــو وسعـــدو راقــد ياكل
اكبــر واعواجــو سيقانــو**واتلــف لــو حتـــى أذانــو**لاقــــدرُو قعــدو لاشانُـو مقواه الى كان اهبل
الدجاجات ايصولو وايجولو**واذا اتكلم ما ايردولو**على الحرية كي يحكولو ايدير اجناحو كي لمظل
الحكـــم ولـّــَى خاطيـــه**يخـــزر فــي المكــر بـْعينيــه**هآحليلــــو لالـــوم عليــه مقـواه الى كان اهبل
هنا نقف أمام ديك منكسر ضائع ومنهزم عكس ديك نزار قباني الذي يصول ويجول ويمارس ساديته بحرية وبمباركة الغرب شرط أن يبقى تابعا بينما ديك عبد اللاوي يضعف ويهن ويذل بمباركة قانون نظام يرى في المرأة وحريتها سند وحاضنة ووعاء انتخابيا يجب الاستفادة منه ولا يتم ذلك إلا بتحريرها تحريرا لا مشروطا دون مراعاة للتقاليد والأعراف والدين،وهذا ما يسجله الشاعر في خرجته وخاتمه للقصيدة فيقول:
ادجاجاتـــي مــا يسجنـــوش**والمفلــس مــا يتبطــوش**رانـا وقـت التقلــوش دجاجـه تحكم في البغل
لاعدالـــه تقاليــــد**رانــا فــي عصــــر التجديـــــد**والكــــــلام اللــــي مفيـــد مـــــولاه ايقولو يحصل
لاشاعــــر ولا امــــام**يتكلــم ويقــــول احــرام**الدنــيا خربــت يا ســـلام والفـــــروج خرجـــــو لعقل
هكذا هي رحلتنا الشعرية الكوميدية مع ديكين: ديك نزار قباني في تيمة سياسية بحتة انتهجها نزار قباني بعد قتل زوجته بلقيس تاركا شعر الغزل الذي عُرِف به، وديك شاعر شعبي عرف عنه الشعر السخري وتعريته للواقع من خلال قصائد فكاهية خفيفة على النفس ثقيلة على صاحب الغيرة وقاسية على غير راض بهذه الأوضاع ، فالتيمة هنا كانت اجتماعية ..وبينهما تكلم الديك فقدم ونقد وصور وأضحك وأبكي وقيم وانتقم ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق