الشاعر الذي يحمل الأكوان في رأسه
بلعڨون لخذاري شاعر فطري ، عاش عاشقا للشعر وللحكواتي الڨوال وهو شاب في الأسواق الشعبية ،في سنوات كان فيها الڨوال وحلقاته تجذب إليها آلاف المستعمين وعلى المباشر ،فيتحفهم بصوته وطريقة سرده للحكايا مستأنسا برفيق قد يكون عازف كمان كما اشتهر عندنا صميدة أو تكون ڨصبة وهي آلة نفخية تصنع من القصب..
ومن شدة وله وولع الشاعر بلعڨون رحمه الله بهذه الحلقات أن جعل والده يغضب منه مرات تتكرر فينهره ويضربه حتى يتخلى عن هاته العادة السيئة التي لا تعود عليه بالفائدة ولا تُكِْسُبه خبزا ،فما كان عليه إلا أن يرد وبعفوية وفطرة بهذه الطريقة الشعرية الغنائية مختزلا عصارة رؤيته للحياة وفلسفته والتي لخصها المفكر مالك بن نبي بقوله:
هناك من يعيش للمادة وهناك من يعيش للأفكار..
لم يكن الشاعر بلعڨون ابن زنينة يعرف مالك بن نبي ولكنه يحمل روحا مخالفة لمن حوله حين راح يجيب والده قائلا:
لا غاليم ولابڨران ولا بيدي ولامروان
في كسبي غير البندير وفي راسي حافظ لكون
فهو يبدأ نافيا عنه صفة المادية وحبه للدنيا الفانية وزينتها ونقصد المادة حيث ينزه نفسه ويلبس لباس الزهد ويرمي بالأغنام والبقر وهي رمز الرفاه عند البدوي والقروي آنذاك ،كما يرمي بما تدر به الأرض بأجود أنواع القمح كالبيدي والمرواني وهي من تسمياته، ثم يلخص ما يريده وماَ ِخُلق له ،شاعرا يعشق المدائح والبندير، هنا يرمز لحالة الايقاع في شعره وتشبعه وتأثره بفكر الحكواتي مستطردا أنه يحفظ الأكوان في رأسه وقد عُرِفَ عن شاعرنا قوة ذاكرته ، فقد كان راوية لشعراء قدماء نساء ورجالا ، وحاملا لحكايا من التراث والتاريخ ،تاريخ يمتد لفترة الأتراك ثم الاستعمار فما بعد الاستقلال ويا لها من حقبة لم توثق جيدا ولم تأخذ حقها ..
كما يحيلنا قوله هنا لشاعر بدوي آخر من منطقة قريبة يعبرعن رضاه بالحياة البسيطة في نظرهم والتي تمثلها الصحة والسلم وماعز وما إلى ذلك ؛فالحياة كانت بسيطة والغني من ملك هذه الأشياء البسيطة عكس ما نعيشه الآن..حين يجيب سائله قائلا:
الصحة والعافية وربع معزات=بڨرات وبعير وشياه معاهم
صاعين ڨمح وصاع شعير=عكة وبطانات ڨلبي يرضاهم
إننا أمام روح مختلفة تمردت منذ شبابها على كل الأشكال الجاهزة والتي سنَّها مجتمعه ؛ فقد كان هذا المجتمع يهتم بالماديات وبكل أشكال الرزق التي وهبها الله لهم ،وقد كان والد الشاعر رحمه الله يحاول أن يجعل من ابنه تاجرا وفلاحا يهتم بأرضه وأغنامه ، ويتبع خطاه كما تبع هو خطى والده ولكن الفتى الشاب أبى أن يعيش في جلباب أبيه على حد تعبير الكاتب المصري إحسان عبد القدوس ،فأفحمه الحجة ولم ترافقه تلك الإجابة حتى رحل عن دنياه..
رحمهم الله جميعا ورحم شاعرنا الذي رحل قبل أن يتم دراسة إنتاجه وتوثيق الأكوان التي يحملها في رأسه والذي عاش حياته تماما كما صورها في أبياته راضيا وزاهدا وأكثر من هذا كريما فوق ما نتصور ولم يتخلى يوما عن هوسه بالشعر وحبه الكبير له نظما ورواية ....
بلعڨون لخذاري شاعر فطري ، عاش عاشقا للشعر وللحكواتي الڨوال وهو شاب في الأسواق الشعبية ،في سنوات كان فيها الڨوال وحلقاته تجذب إليها آلاف المستعمين وعلى المباشر ،فيتحفهم بصوته وطريقة سرده للحكايا مستأنسا برفيق قد يكون عازف كمان كما اشتهر عندنا صميدة أو تكون ڨصبة وهي آلة نفخية تصنع من القصب..
ومن شدة وله وولع الشاعر بلعڨون رحمه الله بهذه الحلقات أن جعل والده يغضب منه مرات تتكرر فينهره ويضربه حتى يتخلى عن هاته العادة السيئة التي لا تعود عليه بالفائدة ولا تُكِْسُبه خبزا ،فما كان عليه إلا أن يرد وبعفوية وفطرة بهذه الطريقة الشعرية الغنائية مختزلا عصارة رؤيته للحياة وفلسفته والتي لخصها المفكر مالك بن نبي بقوله:
هناك من يعيش للمادة وهناك من يعيش للأفكار..
لم يكن الشاعر بلعڨون ابن زنينة يعرف مالك بن نبي ولكنه يحمل روحا مخالفة لمن حوله حين راح يجيب والده قائلا:
لا غاليم ولابڨران ولا بيدي ولامروان
في كسبي غير البندير وفي راسي حافظ لكون
فهو يبدأ نافيا عنه صفة المادية وحبه للدنيا الفانية وزينتها ونقصد المادة حيث ينزه نفسه ويلبس لباس الزهد ويرمي بالأغنام والبقر وهي رمز الرفاه عند البدوي والقروي آنذاك ،كما يرمي بما تدر به الأرض بأجود أنواع القمح كالبيدي والمرواني وهي من تسمياته، ثم يلخص ما يريده وماَ ِخُلق له ،شاعرا يعشق المدائح والبندير، هنا يرمز لحالة الايقاع في شعره وتشبعه وتأثره بفكر الحكواتي مستطردا أنه يحفظ الأكوان في رأسه وقد عُرِفَ عن شاعرنا قوة ذاكرته ، فقد كان راوية لشعراء قدماء نساء ورجالا ، وحاملا لحكايا من التراث والتاريخ ،تاريخ يمتد لفترة الأتراك ثم الاستعمار فما بعد الاستقلال ويا لها من حقبة لم توثق جيدا ولم تأخذ حقها ..
كما يحيلنا قوله هنا لشاعر بدوي آخر من منطقة قريبة يعبرعن رضاه بالحياة البسيطة في نظرهم والتي تمثلها الصحة والسلم وماعز وما إلى ذلك ؛فالحياة كانت بسيطة والغني من ملك هذه الأشياء البسيطة عكس ما نعيشه الآن..حين يجيب سائله قائلا:
الصحة والعافية وربع معزات=بڨرات وبعير وشياه معاهم
صاعين ڨمح وصاع شعير=عكة وبطانات ڨلبي يرضاهم
إننا أمام روح مختلفة تمردت منذ شبابها على كل الأشكال الجاهزة والتي سنَّها مجتمعه ؛ فقد كان هذا المجتمع يهتم بالماديات وبكل أشكال الرزق التي وهبها الله لهم ،وقد كان والد الشاعر رحمه الله يحاول أن يجعل من ابنه تاجرا وفلاحا يهتم بأرضه وأغنامه ، ويتبع خطاه كما تبع هو خطى والده ولكن الفتى الشاب أبى أن يعيش في جلباب أبيه على حد تعبير الكاتب المصري إحسان عبد القدوس ،فأفحمه الحجة ولم ترافقه تلك الإجابة حتى رحل عن دنياه..
رحمهم الله جميعا ورحم شاعرنا الذي رحل قبل أن يتم دراسة إنتاجه وتوثيق الأكوان التي يحملها في رأسه والذي عاش حياته تماما كما صورها في أبياته راضيا وزاهدا وأكثر من هذا كريما فوق ما نتصور ولم يتخلى يوما عن هوسه بالشعر وحبه الكبير له نظما ورواية ....
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق