بين شاعرين:
الشاعر الحلاج ومقدم المخطار
الشاعر الحلاج ومقدم المخطار
الشاعر سندباد لا يتوقف سفر حرفه بين جزر الابداع؛ تراه باكيا يرثي المتوفى، ومادحا يفتخر بنفسه وقبيلته وهويته وايديولوجيته ، ومتغزلا يحاكي رمش حبيبته ، وحكيما ينثر سنابل الحكمة ، وسيفا حادا يهجو دون هوادة..
وأنا أقرأ صدفة أشعار الحلاج استوقفتني قصيدة ، كلما قرأتها لامست شيئا في قلبي وحركت إحساسا راكدا ما..
لكن هذا الاحساس استيقظ اليوم ’ وصاح في :هيت لك..
كنت أحس أني قرأت هذه الأبيات من قبل وأنني أعرفها ، وأن لقاءنا لم يكن وليد هذه اللحظات بل هو غائر في وجداني وفي ما قرأت سابقا..
لقد رأيت شبح الشاعر المرحوم مقدم المخطار وهو شاعر شعبي من مدينتي ،يعتبر عميد شعراء الملحون، وهو شاعر عرف بالهجو كما عرف بشعر الحكمة ، وهو من الشعراء الذين لا يقرؤون ولكن الشعر عندهم فطري، ينفجر منهمرا فلا يصده حاجز..
يعتمد شاعرنا المتوفى على ذاكرته في حفظ أشعاره ولا يدونها إلا ما كتب عنه في مناسبات وقد ضاع الكثير من شعره..
يقول الشاعر أبو عبد الله حسين بن منصور الحلاج (858 - 26 مارس، 922) (244 هـ 309 هـ)؛ شاعر عراقي عباسي، يُعد من رواد أعلام التصوف في العالم العربي والإسلامي.
للعلم أهلٌ و للإيمان ترتيــــب =وللعلـــوم و أْهلِيها تجاريب
والعلم علمان منبوذ و مكتســب= والبحر بحران مركوب و مرهوب
والدهر يومان مذموم و ممتــدح =والناس اثنان ممنوح و مسلــوب
فاسَمعْ بقلبك ما يأتيك عن ثقـــةٍ =وانظرْ بفهمك فالتمييز موهــوب
وهو شاعر صوفي له طريقته وله معجبيه كما له منتقديه ولكن عرف عنه الوجد في أشعاره..
ويقول شاعرنا المعاصر مقدم مخطار:
يوم البرد مقابلو يوم الحمان ... ويوم الفرح مقابلو يوم ملاذيه
ويوم الشدة والرخا لا كان غران ... والخير من الغير ربي عالم بيه
كلش بأمرو ق العبد يقول لوكان ... والشدة في خالقي والهربة ليه
راني نتوسل ليك يا عظيم الشان ... واللي طلبك يا اله تنوب عليه
يا خاليق البر والبحر كيفان ... خالق السماء بلا ركزا بانيه
انت كافل باللي خلقتو انس وجان ... زحزاح وماشي ومن طار بجنحيه
جاعل مصابيح للسماء يزيان ... زاد السمش مع القمر كل بامريه
كأن الشاعر المعاصر يستحضر جده الشاعر الذي عاش في عصور سابقة وفي بيئة مختلفة، فيذكرنا أن الدهريومان؛ كما رأى الحلاج حين قال:
والدهر يومان مذموم وممتدح...
يتشابه الشاعران من حيث الرؤية ولكن يفترقان كل في نظرته لما بعد الحكمة هذه؛فالأول يغدو ليسكب دمع الجوى صريعا وثملا بعشقه الصوفي والثاني ينطلق ليشكو حال الدنيا وتغيراتها..
ربما هما شاعرنا ولكن الشعر واحد ولو تعددت لغاته وعصوره وبيئته ومستويات من يقول الشعر..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق