المشاركات الشائعة

الأحد، 28 أبريل 2013




منذ مدة لم أر صديقي الشاعر أدونيس واشتقت إليه فكتبت إليه هذه الأبيات



ماني نسمة ريح نهب اعليك=ماني مولى خيل نجي راكب
شاهي ليلة با نجومها الاقيك=ونقصروا قصرة  زينة ياصاحب
تونسني باشعار انجي عانيك=والقهوة المخلطة فوق مناصب
واتخبرني يا أدونيس ماذا بيك=هذي مدة راك منا غاضب
نتفكروا عدلان والشله هاذيك=أصوات بأشعارها علينا تتعافب
رية واسكينة ثاني تشتيك=وش صرا راني عليهم عاتب
كنت نعت المزن كي نسقسيك=كنت نعت الربيع يتقالب
مرة ملحون والفصيح يوايتك=مرة تتغزل مرة متصوف راهب
مرة زاهي تجلجل بمعانيك=ومرة صايش عن غزة نادب
يا راجل حدثني ماذا باليك=الدنيا فانية ماتخدعك بمقالب
صلي على محمد ربي يهديك=لويكتى تبقى يا شاعر هارب
ياشاعر توحشناك يرحم مواليك=توحشنا شعرك وبحور تتلاعب
راني كل ليلة نهترف بيك=نشوفك بين نجوم وكواكب
مرقوم الريش يحوم يناديك=يسقسي عنك في الحيتان والمراكب
هذي مدة وخاطري عاني حرفيك=صهد نيراني شاعلة تتغالب
وأنت في خاطري ماني ناسيك=بالصح مشاغل الله غالب
قهوة الشعارا صكروها الصعاليك=جمعتنا شاعر وفنان وكاتب
هذا رهط مريض ما ينويك=قا حساد ومريض وكاذب
الله يسلمك وربي يخليك=ويرضي عليك قع شيب وشايب
اللهم آمين وارحم نبيك=ويسر لي وليك وقت المصاعب



منذ مدة لم أر صديقي الشاعر أدونيس واشتقت إليه فكتبت إليه هذه الأبيات



ماني نسمة ريح نهب اعليك=ماني مولى خيل نجي راكب
شاهي ليلة با نجومها الاقيك=ونقصروا قصرة  زينة ياصاحب
تونسني باشعار انجي عانيك=والقهوة المخلطة فوق مناصب
واتخبرني يا أدونيس ماذا بيك=هذي مدة راك منا غاضب
نتفكروا عدلان والشله هاذيك=أصوات بأشعارها علينا تتعافب
رية واسكينة ثاني تشتيك=وش صرا راني عليهم عاتب
كنت نعت المزن كي نسقسيك=كنت نعت الربيع يتقالب
مرة ملحون والفصيح يوايتك=مرة تتغزل مرة متصوف راهب
مرة زاهي تجلجل بمعانيك=ومرة صايش عن غزة نادب
يا راجل حدثني ماذا باليك=الدنيا فانية ماتخدعك بمقالب
صلي على محمد ربي يهديك=لويكتى تبقى يا شاعر هارب
ياشاعر توحشناك يرحم مواليك=توحشنا شعرك وبحور تتلاعب
راني كل ليلة نهترف بيك=نشوفك بين نجوم وكواكب
مرقوم الريش يحوم يناديك=يسقسي عنك في الحيتان والمراكب
هذي مدة وخاطري عاني حرفيك=صهد نيراني شاعلة تتغالب
وأنت في خاطري ماني ناسيك=بالصح مشاغل الله غالب
قهوة الشعارا صكروها الصعاليك=جمعتنا شاعر وفنان وكاتب
هذا رهط مريض ما ينويك=قا حساد ومريض وكاذب
الله يسلمك وربي يخليك=ويرضي عليك قع شيب وشايب
اللهم آمين وارحم نبيك=ويسر لي وليك وقت المصاعب

الخميس، 25 أبريل 2013



جائزة لقبش للشعر الجزائري لأفضل مخطوط شعري، النسخة الأولى.

القانون الداخلي للجائزة

تعلن جمعية الكلمة للثقافة والإعلام عن جائزة وطنية للشعر الفصيح، موجهة للشعراء الجزائريين ، ممن لديهم مخطوط شعري ، دون تحديد سنهم.

المادة الأولى:
الجائزة مفتوحة في الشعر العربي الفصيح. وتهدف إلى تشجيع الشعراء الجزائريين في الشعر الفصيح.
المادة الثانية:
تفتتح الجائزة في دورتها الأولى سنة 2013. من خلال الجرائد والأنترنت، ويحدد آخر أجل لاستلام المجموعات الشعرية بـ 08 جوان من نفس السنة.
المادة الثالثة:
الجائزة مفتوحة لكل الشاعرات والشعراء الجزائريين ممن يملكون مجموعة أو عملا شعريا مخطوطا .
المادة الرابعة:
ترصد مكافآت مالية بقيمة 600.000 دج أي 60 مليون سنتيم للجوائز الثلاث الأولى، وتوزع كما يلي:
الجائزة الأولى : 300.000 دج.
الجائزة الثانية : 200.000 دج
الجائزة الثالثة: 100.000 دج
ويقام حفل تكريم في الجزائر العاصمة لتقديم الجوائز والإعلان عن الفائزين، بمناسبة عيد الاستقلال والشباب 05 جويلية 2013.
المادة الخامسة:
على المشارك أو المشاركة أن يرسل مخطوطه الشعري الى البريد العادي للجمعية المبين ادناه .
المادة السادسة:
أن يكون المشارك مقيما في الجزائر.
المادة السابعة:
ترسل المشاركات مع طلب خطي للمشاركة مع ذكر اسم الجائزة في الطلب، وتحتوي المشاركة على خمس نسخ من المخطوط مرفوقا بصورة طبق الأصل لبطاقة التعريف الوطنية أو رخصة السياقة إلى العنوان التالي: جمعية الكلمة للثقافة والاعلام ، 02 طريق ابراهيم هجرس ، حي النور ، بني مسوس ، ولاية الجزائر ، (الرجاء الكتابة على الظرف: خاص بجائزة افضل مخطوط شعري ).
المادة الثامنة:
كل مشاركة لا تتوفر على الشروط السالفة تعتبر ملغاة.

ملاحظات :
- الجائزة مدعمة من قِـبل الشاعر الجزائري المقيم في دولة الإمارات العربية المتحدة عياش يحياوي، وتحمل إسم "لقبش" عنوان الجزء الأول من سيرته الذاتية " لقبش سيرة ذاتية لحليب الطفولة".
- يتم الاعلان عن لجنة التحكيم لاحقا .
- أعضاء هيئة إدارة الجائزة الشعراء : الشاعر عياش يحياوي راعي الجائزة ، الشاعر رابح ظريف ، الشاعر ابراهيم صديقي ، والشاعر عبدالعالي مزغيش رئيس الجمعية المنظمة للجائزة.

ملاحظة
--------
المخطوط : كتاب غير مطبوع ...غير منشور

الأحد، 21 أبريل 2013

المحاكاة الساخرة في القصة القصيرة جدا عند أحمد جاسم الحسين-مصطفي لغتيري

للكاتب السوري أحمد جاسم الحسين قصب السبق في نقد القصة القصيرة جدا عربيا ، إذ يعتبر الحسين صاحب أول كتاب نقدي اهتم اهتماما أكاديميا و علميا بهذه الظاهرة الأدبية ، التي اكتسحت المشهد الإبداعي العربي من محيطه إلى خليجه ، فلا نكاد نعثر على دراسة نقدية في القصة القصيرة جدا تخلو من الإحالة على كتابه النقدي الهام "القصة القصيرة جدا".
و إذا كان الحسين قد حقق هذه الريادة في المجال النقدي ، فإنه قد ساهم كذلك بشكل فعال في ترسيخ جنس القصة القصيرة جدا في مدونة السرد العربي ، إذ له قصص متناثرة في كثير من المنشورات الورقية و الالكترونية ، كما يتوفر على مجموعتين قصصيتين قصيرتين جدا صدرت إولاهما عام 1996 ،و اختار أن يسميها ب " همهمات ذاكرة" .. تقع هذه المجموعة في أربع و ستين صفحة ، ضامة بين دفتيها عددا كبيرا من النصوص يتجاوز الخمسين نصا.
و لا شك أن المطلع على هذه المجموعة سينبهر بالغنى و التنوع، اللذين تزخر بهما المجموعة شكلا و مضمونا ، و سأحاول في وقفتي هذه عندها أن أثير الانتباه إلى جزء من هذا التنوع و الغنى ، رغم اعترافي بعجزي عن الإحاطة بكل ما تضج به من مضامين و أساليب في الكتابة ، فهذه القراءة النقدية المتواضعة لا تزعم ذلك و لا تطمح إليه.
و لعل أهم ميزة تلفت الانتباه عند الحسين ، و تفرض نفسها بقوة على المتلقي ملمح السخرية المهيمن على جل النصوص ، فالكاتب عمد إلى طرح جملة من القضايا الهامة بأسلوب ساخر ، بنوع من الباروديا أو المحاكاة الساخرة ، ليعمق الإحساس لدى القارئ بالمفارقات التي تحبل بها المواقف ، دون أن يكشف عنها بشكل مباشر ، موظفا في سبيل تحقيق ذلك الفانطستك أو العجائبي و الغرائبي و تقنيات " الفابلات" أو ما يمكن تسميته بقصص الحيوان كما ترسخت في الذهن من خلال كتاب "كليلة و دمنة ، و لدى الكاتب الفرنسي "لا فونتين" ، بل و التجأ الكاتب إلى كل ما يسعفه لتفجير المواقف ، التي بقدر ما ترسم البسمة على الشفاه ، فإنها بالقدر ذاته تذكرنا بالواقع المرير الذي نحيا في أتونه ، يقول القاص في قصة "دعوة":
دعا الديك الدجاجات إلى المائدة
أعدتها صاحبة البيت،
صفهن بانتظام
أمرهن ألا يأكلن إلا بعد أن يشبع
اقتربت منه صاحبة المنزل و السكين في يدها ، لم يأبه
بها ، عندما حاولت ذبحه ذكرها أنها أنثى.
يطرح الكاتب في هذه القصيصة قضية المرأة في بلداننا العربية ، التي لازالت مصرة على سلب المرأة إنسانيتها ، بأسلوب بسيط و ساخر ، و كاريكاتوري شديد العمق ، و كأني بالديك أعلى مكانة من المرأة بفضل ذكورته ، حتى أنه لا يحل لها ذبحه ، إنها قصة تعبر عن الواقع بما قل و دل ، بليغة إلى حد القسوة في تشخيصها لمكانة المرأة الدونية ،و عنترية الذكور و زهوهم اللذين لافضل لهم فيهما سوى لذكورتهم ، فمهما بلغت المرأة في أوطاننا العربية من شأن في العلم و العمل ، فإنها تظل في وعي و لاوعي المجتمع العربييين إنسانا من الدرجة الثانية ، بل و أحط مكانة من الحيوانات ، التي يمثلها الديك في هذه القصة.
أما قصة "مغامر" فتطرح قضية أخرى تشمل الجنسين معا ، بل و أبناء الجنس البشري عامة ، و إن كنت أميل إلى التخصيص ، للتركيز على الإنسان العربي الذي غالبا ما يتشبث بالقشور تاركا لب الأشياء لغيره من الشعوب ، والقصة تفضح بأسلوب ساخر تفاهة هذا الإنسان المغتر بنفسه ، بينما هو في حقيقة الأمر يستحق الرثاء ، لأن رأسه فارغ يعاني من فقر ثقافي مزمن يقول القاص:
عن على بال الحذاء أن يغير مكانه
فطار إلى رؤوس الناس...
وجدها محشوة بالتفاهة و القمل...
عاد إلى قواعده )سالما).
لعب الكاتب هنا على مستويين ،أعلى و أسفل ، فالأسفل دوما يرمز في عرف الناس إلى الانحطاط و القذرة و التفاهة ، بينما يؤشر الأعلى على الشرف و السمو و الرفعة ، تصور لنا القصة حكاية الحذاء الذي مل مستواه المتدني فطمح إلى الصعود إلى الأعلى ، و حين سنحت له الفرصة للقيام بذلك فوجئ بأن الأمر لا يستحق حتى عناء المحاولة ، لقد اكتشف أن في الأعلى تستوطن التفاهة و القمل ، فعاد إلى "سفليته المجيدة " قانعا غانما. و كأني بالقاص ينبهنا إلى أن من يوجدون أعلى الهرم الاجتماعي و السياسي ليسوا كما نتصورهم.
و إذا كانت المجموعة القصصية زاخرة - كما سبق- بكثير من القضايا ، فإن المواضيع السياسية و الاجتماعية طاغية عليها ، و هذا أمر مبرر ، إذ لا يمكن أن نتصور كاتبا عربيا لا تستفزه قذارة السياسة التي تخنق كل مجالات الحياة و تهيمن عليها، بما في ذلك هيمنتها على الثروة الاقتصادية ، يقول القاص في قصة نزهة:
تفسحت الجبال مرة
فانكشفت كل الثروات الباطنية ، خاصة النفط.
جاءت الشرطة فأخذتها ) حية) إلى )خزينة الدولة).
إن القارئ هنا أمام حالة تنطبق على الدول العربية جميعها ، فكل ما يتحرك على الأرض أو يستقر فوقها أو تحتها للدولة نصيب فيه ، بل إنه جميعه في ملكيتها ، بينما يكتفي المواطن باجترار مرارته ، و هو يرى خيرات بلاده تستنزف من قبل قلة من المنتفعين دون أن يناله منها نصيب . و تستمر قصص المجموعة على هذا النهج طارحة عددا من القضايا المهمة و المتنوعة ، التي تشغل المواطن البسيط و المثقف على حد سواء ، فتصورها بما تعارف عليه القدماء ب " تجويع اللفظ و إشباع المعنى " موظفة أسلوبا ساخرا عميقا.
و إذا كانت بعض القصص في المجموعة قد غلب عليها البعد الواقعي من خلال حملها لرسالة اجتماعية أو سياسية معينة ، فإن قصصا أخرى اتخذت لها الترميز سبيلا في التعبير ، لا يمكن للقارئ التعاطي معها إلا عبر آلية التأويل في أعمق معانيه، يقول القاص في قصة "إحساس" :
قررت الأبواب أن تثور في وجه الحيطان ، و اتفقت
أن تهجرها في الليل..
صباحا استهزأ الجميع بمنظر الحيطان عندما أحست بقيمة الأبواب ، و لم تعد تتفاخر
عليها أنها هي التي تضمها.
و إذا كانت هذه الإطلالة النقدية على المجموعة قد أشارت إلى التنوع و الغني ، اللذين تتميز بهما قصص الحسين ، فتجدر الإشارة إلى أن ذلك لا يقتصر على المضامين فحسب ، بل طال أساليب الكتابة كذلك ، إذ نجد الكاتب قد عمد إلى كثير من التقنيات الأسلوبية ليدبج قصصه ، فنصادف السرد المحايد الموضوعي ، و السرد الذاتي الجواني ، و الجمل الإخبارية و الإنشائية و الحوار و الاستفهام و التعجب ، يقول الكاتب في قصة "هجرة"
- أمي .. أمي ، لماذا تهاجر السنونو كل عام؟
ابتسمت : لأنها تملك وطنا آخر.
لماذا لا نملك...؟-
لطمتني، تلفتت إلى الشبابيك ، هل هي مغلقة.
و تبقى في الأخير "همهمات ذاكرة" للكاتب السوري أحمد جاسم الحسين من المجاميع القصصية الفارقة في تاريخ القصة القصيرة جدا ، يؤهلها لذلك عدة أسباب منها ، أنها من بواكير المجاميع القصصية التي رسخت جنس القصة القصيرة جدا في الأدب العربي ، كما أن كاتبها ناقد عارف بتقنيات القصة القصيرة جدا ، مما يعني أن تجربته الإبداعية نابعة عن رؤيا و تصور واضحين

تعبير الـ ( Deja Vu )

فرنسي الأصل؛ يعني بالشكل الحرفي "رأى من قبل" أو "شُوهِد من قبل "، أُطلِقَ هذا التعبير بواسطة إمِيل بُويَرْك. الديجافو؛ إحساس وشعور غريب أو وَهْم وفوضى للذاكرة كما يُلاحظ أنّ هذه الظاهرة تكثر في الناس بين الـ 15 إلى عُمْر الـ 25 سنة، أكثر من أي مجموعة عُمريّة أُخرى. اُختلِفَ كثيراً في تفسير ظاهرة الديجافو وسبب حدوثها؛ الباحث الإنجليزي فريدريك دبليو يقول: بأنّ العقل اللاشعوري ـ أو الباطن ـ سجّل معلومات في فترة قريبة مع العقل الواعي؛ لذا يتوهّم الشخص أنّه مرّ بالتجربة. بينما ينسُبْ عدّة محلّلون نفسانيّون الظاهرة إلى الخيال البسيط لدى الإنسان، وبعض الأطباء يعزون ذلك إلى خلل لحظي في الدماغ لمدّة ثواني قليلة. وهناك من قال أنّها جزء خافت مجهول من ذكريات الطفولة. أمّا التفسير الأوْهَن ممّن رأى أنّها ذكريات من حياة ماضية عشْنَاها ! يقولون أنّها ذكريات حياة قديمة تُزعج إلى سطح العقل حين مُلائمة بيئة مُحيطة أو ناس مألوفين ! ربّما ما يُفنّد الرأي الأخير؛ ظاهرة أخرى تُسمّى ( Jamais Vu )حيثُ تكون في مكان مألوف ودائم، ثمّ تشعر فجأة بأنّ ما يُحيطك غريب كُليّاً. أو أنّك تُحادث صديق قديم، فتشعر أيضاً أنه غريب أو أنّ هناك أمر مجهول فيه بالنسبة لك لم تنتبه إليه من قبل ! لذا من غير المنطق أيضاً أن يُقال بأنّنا انتقلنا لماضي يحدث فيه هذا الشيء لأوّل مرّة .. أثناء هذه اللحظات.

النظرية العلمية المفترضة

أن المخ عبارة عن مناطق وكل منطقة مسؤولة عن وظيفة مثال: الرؤية تكون في مؤخرة الرأس, السمع على الجوانب وهكذا . وما يحدث أنك عندم ترى شيئا يترجمه الجزء الخاص بالرؤيةvisual center وهذه هي وظيفته ترجمة الاشارات الى صورة فقط أما فهم هذه الصورة استيعابها أو تذكرها اذا كانت مألوفة يكون في جزء اّخر يسمى cognitive center في هذه الظاهرة يحدث أن هناك في بعض الأحيان يحدث تأخر بين العمليتين وتمر برهة من الوقت تدخل فيها الصورة الى مركز الذاكرة قبل ال cognitive center ثم تذهب الصورة اليه لاحقا فيظن المخ أنه راّها من قبل.

عندما نكون مجتمعين بين العائلة.... الأصدقاء.. أو حتى عندما نمشي في مكان عام نشعر بان هذا الموقف أو المكان قد مر بنا من قبل..... نفس الكلام.... نفس المكان.... وحتى نفس الحديث.....!!! بعدها نبدأ باسترجاع الماضي والتذكر وطرح الأسئلة ....متى مر بنا هذا الموقف ربما في الحلم أو قد تكررت نفس الأحداث.....ولا تبالي إذا قلت هذا الشيء أمام الجميع لأنك في حينها تكون متأكد بأنك مررت بهذا الموقف من قبل.....!!!!لماذا نشعر بهذا الشعور؟؟؟؟؟ يرجع ذلك بأنك خلال تواجدك في هذا المكان أو الموقف يترجم الأحداث إلى إشارات في الأعصاب فترسل الأعصاب هذه الإشارات إلى مركز الذاكرة القصيرة (short memory) ليتم حفظها هناك ولكن هي جزء من الثانية قد ترسل الأعصاب نفس الإشارات إلى مركز الذاكرة الطويلة (long memory) بالخطأ فنشعر بان هذا الموقف قد مرنا بنا من قبل......!!!وللعلم مركز الذاكرة الطويلة هي المكان الذي يحفظ فيه إحداث قديمه يمكن استرجاعها مع الزمن

السبت، 20 أبريل 2013



مسالِكُ المعنَى في الشّعر العربي المعاصر


محرز ثابت *
(ثقافات )

مدخل نظريّ :

تحاولُ هذه الدّراسة أن تستكشِفَ نصوصًا من مدوَّنة الشِّعر العربي المعاصر بغايةِ الوقوفِ عند مراتِب الخطاب الشّعريّ فيها. و نعني بمراتِب الخطاب الشّعريّ الماثلة في نصوص المدوّنة الشّعريّة المنتقَاة سياسَة القول الشّعريّ أو تلكَ الآليّات الّتي تتحكّمُ في طرائق إنتاج المعنى وتشكيله. ولمّا كان خِطابُ الشّعر خِطابًا قوليّا لغويًّا فإنَّ مظاهِرَ متعدّدة من أشكال الخطاب تتحكَّم في سياستِه (1)، و في القول الشّعريّ ضروبٌ مِن تصاريف الكلام تتّصلُ بالرّمز و الصُّور الشّعريّة ومواطن العدول المجازيّ وإنشاء اللّغة على هيئةٍ مخصوصةٍ من الإسناد و التّركيب و ضربًا مِن الانتقاء لمعاجِمَ بعينِها تشتغِلُ لإنتاج المعنَى و تبئيره في دائرة أغراضيّة يسعى الشّعراءُ إلى الإيحاء بها و التّدلال عليها (2) .
إنّ وسْمَ الشّعر العربي المعاصر بالمختَبَر الشّعري ينهضُ مِن كونه شعرا يتأدّى بواسطة العدول الّذي يشملُ أكثر مستويات الإنشاء الشّعريّ جماليّةً وهي لغتُه. فشعرُنا المعاصر يحمل لغةَ الكتابةَ محمَلَ الرّمز و الإيحاء، و ينقلُها من فضاء إدراك المعنَى وتحصيله إلى فضاء انبثاق الرّمز و تكوُّنِه في الكتابة الشّعريّة. و قد سمحت آليّة العدول بوصفِها انزياحًا في لغة النصّ الشّعريّ المعاصر بتوليدِ شبكاتٍ مِن الرّموز و الصّور الشّعريّة المؤسّسة لدوائرَ أغراضيّةٍ تُشكّل في انبنائها الدّلالِيّ مسالِكَ للمعنَى الشّعريّ مفتوحةً على أكثَر مِن أفقِ تأويل. فالنصّ الشّعريّ المعاصر هو نصّ مقدودٌ " مِن مادّةٍ مفعَمةٍ بالمعنَى ...نصٌّ يتأسّسُ على نقض العلاقة المباشرة الّتي يُمكِنُ أن تشُدَّها إلى ما تُحيلُ عليه و تمنَعها مِن التّرحال و الحلول بكلّ السّياقات... فهو بنية مغيّرة تنطلقُ من نواةٍ لترحَلَ في لذّة اللّغةِ و تُجرِّبَ شبَقَ الابتداع و الاغتراب. و ثِنْيَ تلكَ التّحوّلات ينمو ما به يكون الأدبُ أدَبًا و تنكشِفُ للمُريدِ أسبابُ البقاء وديمومة الفعل و التّجدُّد و القدرةِ على بعثِ الانفعال"(3). وعلى هذا النّحو تؤسِّسُ لغة الشّعر مدار الإقامة في الرّمز بوصفه سياسَةً في إنشاء الخطاب الشّعريّ أي آليَّةً مِن آليّات إنتاج الكلام و تحصيله شعريًّا، و قد أشار " تودوروف" إلى أنّ الرّمز في لغة الشِّعر هو آلةُ الكلام الشّعريّة لأنَّه لا يُحيلُ إلاّ على ذاتِه،(4). لذلك فإنّ فضاءَ النصَّ الشّعريَّ العربيّ المعاصر هو فضاء الرّمز و طرائق انتشاره في أديم النصّ و نسيجه المعجميّ(5). 
إنَّ أكثَرَ ما يُميِّزُ ثورةَ الشّعر العربي المعاصر الشّكليّة هو ابتداعُ الكتابة في فضاءات الرّمز و حقوله الأسطوريّة ، الانفعاليّة والدّراميّة. و تشكِّل هذه الفضاءات الرّمزيّة إحدى الآليّات الأكثرَ إنتاجًا للمعنَى ليس في الشّعر فحسب بل في القصّة و الرّواية والمسرح. و يشتغل فضاء الرّمز في القصيدة المعاصرة بأدائه وظيفةَ الشّطب ( Rature)للعلامة بما هي تسميةٌ مباشرة يلتقي فيها الدّال بمدلوله بينما يتصرَّف الرّمز في العلامة وفق منطق العُدول والانزياح بخلق مناطق الإيحاء و توسيعِها ، و صناعة الأقنعة (6) وابتداع مناويلَ في الكتابة الشّعريّة أساسُها قيامُ الكتابة الشّعريّة على السّؤال بديلا من الجواب ، و إلغاءُ الحدود بين الأجناس الأدبيّة، و الإنتاج حركةٌ خلاّقة (7). 
إنّها القصيدة الّتي لا تقول عن نفسِها بقدر ما تقول العالَم و تُخبرُ عنه، أو هي الكتابةُ بوصفها إبداعًا يُحيلُ على ذاته، لذلك يكون للرّمز وحقوله النصيّة مدار ابتداع لغةٍ جديدة يصبح فيها السّؤالُ عن المعنَى سؤالاً غير ذي معنَى (8). وليس انعدام سؤال المعنَى في الشّعر العربي المعاصر سوى وَسْمَ الانغلاق الّذي يميِّز الشّعريّة الحديثة ، فالرّمز الشّعريّ يُدرَكُ في القصيدة المعاصرة بوصفِه "كلمةً تُدرَكُ بما هي كلمة لا بما هي مُجرَّد بديل للشّيء المُسَمَّى و لا بما هي انفجارٌ للانفعالات "(9) والمقصود هنا الوظيفة الشّعريّة (الجماليّة) للرّمز في تمايُزه الجوهريّ عن وظيفة الإخبار و نقل الوقائع الخارجيّة أو التّعبير عن حالات الانفعال، لذلك فإنَّ نصَّ القصيدة و فضاءها الرّمزيّ لا يُحيلُ إلاّ على ذاتِه ، وذاتيّة الإحالةِ هي ما يسِمُ الرّمز الشِّعريَّ بالأدبيّة ، و قد ألمعَ " كوهين" إلى هذا المعنَى بقوله: " يعتبر الانغلاق اليوم سِمةً مُميَّزة لمفهوم الأدبيّة في النصّ الشّعري الحديث لأنَّ النصَّ لا يُحيلُ إلاّ على ذاتِه" (10). و لمّا كان الرّمز الشّعريّ عِمادَ العُدول في الخطاب الشِّعريّ فإنّه يتأدَّى في الإنشاء الشّعري بطريقة ـ الإبدال/Trope الّتي تسمح بإنتاج الصّورة الشّعريّة بإبدال المعنى الحقيقي بالمعنَى المجازي فالصّورة تنتُجُ في سياقٍ معيَّن من القول الشّعري حينَ تقعُ عمليّة الاستبدال بين المعنَيَين الحقيقي و المجازي (11). و ليس الاستبدال في سياسة الشّعر قانونًا لغويًّا أو رمزيًّا فقط، إنّه في الصّناعة الشّعريّة أساسًا متينًا لتشكيل مناويل المجاز و إنتاج الصّورة الرّمزيّة. وتتشكّلُ مدارات الصّورة الرّمزيّة في انبناء التّخّييل واختياراته الجماليّة على نوع من اللّعب اللّغويّ ينهضُ على إرساء نمطٍ مخصوصٍ من علاقات الوصل في الخطاب الشّعري بين الدّال والمدلول من جهةٍ و بين المدلولات من جهة أخرى. ولا يعني اللّعبُ اللّغويّ قانونَ التحكُّمِ في إنجاز الشّعريّة و الصّور الرّمزيّة فلا بدّ مِن توفُّر شرط " نفي المنافرة " في الجملة الشّعريّة ليكونَ " المعنَى شعريًّا" ، و القصدُ من ذلكَ أن يكونَ الانزياحُ خطأً متعمَّدا يُستَهدَفُ من ورائه الوقوفُ على تصحيحه الخاصّ. وإنّ أهمَّ ما يعرضُ للصّورة الرّمزيّة في هذا الإطار من الأخطاء المُتَعمَّدة هو انتقالُها في النصّ الشّعريّ من صورةٍ عينِيَّة حِسّية إلى المعنَى الرّمزي للصّورة أي إبدالاً للدالّ المعجِمي بالدّال المجازي الّذي يؤسِّس شبكةَ الإيحاء في القصيدة و يمنحُ المعنَى مسالِكهُ الرّمزيّة. و على هذا النّحو بَنَى الشّعر المعاصر فضاءه الرّمزيّ بوصفِه بناءً يحتضنُ رؤيةً للكيان وتصوُّرا للكتابة الشّعريّة بما هيَ لغةُ خلقٍ و نصٍّ مفتوح ينهض عل آليّة الشّطب للمعاني الثّابتة و يواجه سياسةَ الكلام الآسرة في الخطابات غير الشّعرية .

الهـــــوامش :
محمّد خطابي: لسانيّات النصّ، مدخل إلى انسجام الخطاب، بيروت، المركز الثّقافي العربي،1991 ، ص 14
تقِرّ دراسات الشّعريّة الحديثة أنّ أساسَ العدول في الخطاب الشّعريّ هو الانتقال في علاقة الدّال بالمدلول من وظيفة الإخبار إلى وظيفة الإيحاء بوصفها حاملةً للمعنَى الخفِيّ / Sens cachés أو المعنَى الثّاوي وراء الكلمات." فالجملة الشّعريّة تُسنِدُ إلى ألفاظها وظيفَة يعجِز معنى الألفاظ عن أدائها". انظر: (كوهين،جان) : بنية اللّغة الشّعريّة،ترجمة محمّد الوليّ و محمد العمري، دار توبقال للنّشر،1986 ،ص 196 .
حمّادي صمّود: مِن تجلّيات الخطاب الأدبي، قضايا تطبيقيّة، دار قرطاج للنّشر و التّوزيع، تونس، الطبعة الأولى،1999 ، ص 113 .
إذا كان الرّمز لا يحيلُ إلاّ على ذاتِه فلأنّ العلامةَ اللّغويّة تسمية، أي تُسمّي الأشياءَ و تحيلُ عليها، لتفصيل ذلك أنظر: 
Todorov (tzvetan) : Introduction à la symbolisation, Poétique, n11, 1972, p274.
توفيق بكّار: الشّعر بين المعنى و المغنى، مجلّة الحياة الثقافيّة عدد 51، لسنة 1989، ص 6 ـ 16.
لقد استخدم أكثرُ شعراء الحداثة منوال القِناع في وسم أعمالهم الشّعريّة و عنونتِها مِن ذلك : قناع المعرّي و أبي فراس و ديك الجنّ والحلاّج وابن عرَبي لدى البيّاتي أو قناع السّهروردي و فريد الدين العطّار ومهيار الدّمشقي لدى أدونيس.
يلاحظُ " محمّد بنّيس " أنَّ أساس الثورة الشّعريّة العربيّة المعاصرة هو مبدأ ـ الرّؤيا ـ الّذي يُحمِّل القصيدةَ " لانهائيّة الخلق الشّعري" فالشّعر رؤيا ذات بعد فكري و روحي ، والرّؤيا مِن الأسس المشتركة بين الشّعراء الرّومنطيقيّين والشّعراء المعاصرين، و للرّؤيا جذور غامضة بعيدة في الشّعر العربي تنسجمُ مع تمرُّد أبي نواس و أبي تمّام " دونما تغافُلٍ عن روني شار و بودلير . أنظر: محمّد بنّيس: الشّعر العربي الحديث3 ، الشّعر المعاصر، دار توبقال للنّشر، المغرب، الطبعة الثانية،1996 ،ص،40 .
محمّد الغزّي : وجوه النّرجس...مرايا الماء، دراسة في الخطاب الواصف في الشِّعر العربي الحديث، كلية الآداب و العلوم الإنسانية بالقيروان ومسكلياني للنّشر، تونس، الطبعة الأولى، 2008 ،ص 117 .
Roman Jakobson : Questions de poétique, Editions du seuil, Paris, 1973, p124.

Jean Cohen : Le haut langage, Flammarion, paris, 1979, p, 214 
محمد مفتاح: تحليل الخطاب الشّعري – إستراتيجية التّناصّ – المغرب،الدار البيضاء، المركز الثقافي العربي،1985 ،ص 83 . ونحن نلاحظُ أنّ مفهوم " الإبدال يأخذ- في مدوّنة تحليل الخطاب الشّعري العربي – أكثَر مِن تسمية، فهو " مسافة التوتُّر" في دراسات كمال أبوديب النّقديّة، و " المفارقة" لدى صلاح فضل، و " التّناقض" في منظور محمد بنيس النّقدي ، ونجدُه بعنوان " التّنافر" في كتاب " القصيدة المغربيّة المعاصرة لعبد الله راجع. و يرى " سعيد الحنصالي" أنّ إنتاج الصّورة الشّعريّة بواسطة الإبدال يضعُنا في صميم عمَل الاستعارة بوصف " الشِّعر أعلى أشكال الاستعارة، فالقصيدة بناء وأساسُ هذا البناء الاستعارة و ذلك اعتبارا لكون الآليّات التي تشغَلُ القصيدة تقوم وتنمو وتتشعَّبُ بواسطة الاستعارة واعتبارا لكون النصّ ليس مجموعةً من الاستعارات الصّغرى الجزئيّة بل هو استعارة كبرى لها قاعدة سياقيّة داخليّة هي المعاني، ولها قاعدة إيديولوجيّة تتمثّل في علاقات المماثلة و المخالفة التي تقيمها مع العالم الخارجي، و تظهر لغويّا في الحمولة المعرفيّة للنصّ، وبصريّا في الفضاء المتشكِّل على صفحته". أنظر: سعيد الحنصالي، الاستعارات و الشِّعر العربي الحديث، دار توبقال للنّشر،الدار البيضاء،2005،ص/ص،15-16.
_________
* باحث من تونس


التاريخ : 2013/04/18 11:50:52
http://www.elahdath.net/index.php/culture/20095.html
من تنظيم جمعية الكلمة
جائزة القبش للشعرالجزائري الأفضل مخطوط شعري قريبا
 

 تنظم جمعية الكلمة للثقافة والإعلام جائزة وطنية للشعر الفصيح، موجهة للشعراء الجزائريين، ممن لديهم مخطوط شعري، وذلك من دون تحديد سنهم. هذه الجائزة التي تهدف إلى تشجيع الشعراء الجزائريين في الشعر الفصيح، مفتوحة لكل الشاعرات والشعراء الجزائريين المقيمين في الجزائر ممن يملكون مجموعة أو عملا شعريا مخطوطا، حيث ترسل المشاركات مع طلب خطي للمشاركة مع ذكر اسم الجائزة في الطلب، وتحتوي المشاركة على خمس نسخ من المخطوط مرفوقة بصورة طبق الأصل لبطاقة التعريف الوطنية أو رخصة السياقة إلى عنوان جمعية الكلمة للثقافة والاعلام: 02 طريق ابراهيم هجرس، حي النور، بني مسوس، مع الكتابة على الظرف “خاص بجائزة افضل مخطوط شعري”. كما ترسل أيضا على بريد الجمعية.
للإشارة حدد آخر أجل لاستلام المجموعات الشعرية يوم 08 جوان المقبل، لتقوم لجنة تحكيم باختيار أصحاب المراكز الثلاثة الأولى تسلم لهم هذه الجوائز في حفل مخصص بمناسبة عيد الاستقلال والشباب يوم 05 جويلية 2013، حيث ترصد مكافآت مالية بقيمة 600,000 دج أي 60 مليون سنتيم للجوائز الثلاث الأولى، وسيتحصل  صاحب المركز الأول على 300,000 دج. أما الثاني فسيتحصل على 200,000 دج، فيما يتحصل الثالث 100,000 دج.
الجدير بالذكر أن أعضاء هيئة إدارة الجائزة تتكون من الشاعر عياش يحياوي راعي الجائزة، الشاعر رابح ظريف، الشاعر إبراهيم صديقي، والشاعر عبدالعالي مزغيش رئيس الجمعية المنظمة للجائزة.
للعلم الجائزة مدعمة من قبل الشاعر الجزائري المقيم في دولة الإمارات العربية المتحدة عياش يحياوي، وتحمل اسم “القبش عنوان” الجزء الأول من سيرته الذاتية “القبش سيرة ذاتية لحليب الطفولة”.
  • الإزاحة والإحلال. إضاءة في صيغ التجلي داخل القصة القصيرة جدا

    الإزاحة...والإحلال
    إضاءة في صيغ التجلي داخل القصة القصيرة جدا
    المصطفى المعطاوي
    (المغرب: 19-04-2013)
    أولا قبل البدء.

    إلى حدود اللحظة – ولاعتبارات منهجية - لا تدعي هذه الورقة أنها قراءة بمفهوم الكلمة الدقيق، بقدر ما تتشرف أن تكون «إضاءة». كما لا تزعم أنها نحتت مفهوما جديدا في بناء النص القصصي القصير جدا، وإنما اعتمدت في ذلك على آخر المستجدات في عالم النقد الأدبي، خاصة مفهوم«الكتلة النصية » الذي برز ضمن نظرية « تراسل الأجناس الأدبية». لتبقى هذه الإضاءة وفية لمنهجنا الذي تناولنا به في مقالات سابقة نصوصا شعرية وسردية؛ منهج ينطلق من قناعة أن الأدب في عصرنا الحديث قد كسر إلى حد كبير حدود الجنس فما بالنا بالنوع، ومن تم بدا لزاما أن تتبادل بشكل خلاق المفاهيم النقدية الأدوار في القراءة والمعالجة، فلم يعد هناك مفهوم نقدي خاص بالشعر وآخر خاص بالنثر، وإنما مفهوم واحد يتمظهر في أشكال وصيغ.
    من ناحية أخرى ارتأت هذه الإضاءة أن تستعير من البنيوية توجهها في التحليل، ليس استعارة القهقرى إلى نظريات من القرن الماضي، وإنما كونها في اعتقادنا الوسيلة الأمثل لتحقيق الغاية؛ الغاية هي الكشف عن كيفية انكتاب النص لكل محموم بفن القصة القصيرة جدا، وعملية الكشف يكون فيها التحليل البنيوي للملفوظات السردية أكثر إيضاحا وفاعلية.
    «الإزاحة والإحلال» مفهوم نقدي اعتمدناه في هذه الورقة، ولكن ليس تماما كما قرأ به نقاد الشعر قصائد أبي نواس. فهو هناك مفهوم إجرائي يوضح كيف أزاح أبو نواس قالب عمود الشعر الذي صنعه المرزوقي، وأحل محله نظاما جديدا هو في حقيقته مجرد تكسير للنمط. أما في السرد فالمفهوم يفتح لنفسه مساحات واسعة للتمظهر والتجلي تكشف هذه الورقة عن بعضها.
    وتجدر الإشارة إلى أننا لم نستدع المفهوم كـ«مراقب» على النصوص لولا أننا رأينا من خلال قراءتنا الأولية أن المفهوم محدد فيها، ومن تم فالكشف عنه يجعله مفهوما نقديا قادرا على إضافة ذات طابع نوعي لبناء القصة القصيرة جدا. يزيد من قوة هذه الإشارة أن بعضا من النصوص التي كانت مقترحة في هذه الإضاءة لم يتم إدراجها لأنها – ببساطة - بنيت بشكل يتجاوز المفهوم، وخصصت لها بالتالي ورقة خاصة. كل هذا يعني أننا لم نستعرض عضلة أي مفهوم على أي نص، وإنما فقط أظهرنا تجلياته التي كانت وراء «إبداعية » ذلك النص.

    ثانيا:تجليات «الإزاحة والإحلال» في بناء القصة القصيرة جدا


    1- سؤال:

    قال الأمير الصغير وهو يرفل في الحرير لطفل ضامر يقف عاريا علي قارعة الطريق(صف لي هذا الجبار الطفل الضامر حتي بانت مصارينه الخاوية وقال للأمير( صدقني يا مولاي أنه لايمر في طريق تعبره انت المسمي بالجوع حتي أقتله، فالشكوي منه كثيرة هنا، هل يظن هذه البلاد بلا ملك يحميها؟) ضحك وأبيك أبدا، أما نحن فلا نراه ، ولكننا نعرفه جيداً، لو نظرت تراه الأن يصهل مسرجا خيله وتسمع جلبة ظاهرة)، نظر الأمير حوله بهلع، كان ثمة أجساد كثيرة ضامرة علي الأرض من حوله، اعاد نظره الي الصبي ، لم يجده، لكز الأمير حصانه في هلع ومضي ينهب الأرض هو وحاشيته دون أن يعبأ بشئ...

    *****
    صحيح أن القارئ لهذا النص يشعر بثقله، نظرا لأن السارد أراد أن يقول أشياء كثيرة، ولكنه اعتمد التشخيص بدلا عن التكثيف وهو ما يفسر الاستطرادات والأوصاف وأحيانا التكرار. ونحن هنا لسنا في محاسبته على ذلك، بل سعينا هو إزالة تلك القشرة لنشق نواته الحلوة الحاوية للذة. فإذا عدنا به إلى صفائه الذي كان مرسوما في وعي السارد نصل إلى هذه الصورة التقريبية:
    الأمير:
    - صف لي الجوع كي أقتله، أيعتقد أن البلاد بلا ملك يحميها؟
    الطفل المتضور جوعا:
    - إنه لا يمر في طريق الأمراء والملوك.
    صرف الأمير بصره عن الطفل، كان ثمة أجساد كثيرة ضامرة تنظر إليه. أعاد النظر إلى الصبي، لم يجده. لكز حصانه ومضى وحاشيته ينهب الأرض.

    أعتقد أن الذي منح للنص إبداعيته هو نوع من الإزاحة والإحلال، ولكن ليس على مستوى صورتين أولية وثانوية وإنما على ثلاثة مستويات: الشخصية والزمن والقيم. والملاحظ أن هذه التقنية لم تكن مباشرة بل خالقة للمفارقة ومن تم الدهشة.
    كلنا يتذكر أميرا قال ذات زمن:« لو كان الفقر رجلا لقتلته» . وها هو النص في زمن غير ذاك الزمن يتحدث عن أمير يسعى إلى تحقيق ما عجز عنه سابقه:
    - صف لي الجوع كي أقتله، أيعتقد أن البلاد بلا ملك يحميها ؟
    أزاح النص أمير الزمان وأحل محله أمير الآن، وأزاح النص عجز الماضي وأحل محله إمكانية الحاضر. ولكنه احتفظ بالصفة ( الأمير) كرابط يضمن للنص حبكته ويرسم طريقه نحو النهاية. هذا من جهة، من جهة أخرى فالنص حشر نفسه منذ البداية في المنعطف الحاسم الذي عادة ما تحتفظ به القصة القصيرة جدا لتحقيق القفلة في النهاية، فكان لزاما عليه أن يجد منذ البداية مخرجا فنيا هادئا ( سياسيا لو سمحتم) لإيصال الرسالة. وأعتقد أنه حقق ذلك بكل فنية عبر مستويين:
    الأول (دلالي): ويتجلى في الاشتغال على صراع خفي للقيم بين الماضي والحاضر، وعملية إخفاء هذا الصراع كانت مقصودة من طرف السارد وذلك بتوظيف الطفل كرمز للبراءة، وكأن الحال يقول على لسان الطفل: « يا سيدي الأمير لقد فكر أمير قبلك بهذا في زمن كانت فيه القيم تعلو ولكنه رأى فيها استحالة. وعليه فإن صدورها عنك في زمن تسفل فيه تلك القيم يمثل سذاجة وبلاهة (في الظاهر) أو سخرية (في القصد)». هذا ما أرى أن السياق يسمح به عبر هذا الملفوظ السردي:
    - إنه لا يمر في طريق الأمراء والملوك.
    الثاني ( فني): تكسير بناء النص من الحوار إلى مباشرة السرد باستدعاء فضاء تشكيلي يؤثثه الطفل، والأجساد الضامرة، والأمير والحاشية، (وهو أمر ينهل من شعرية المكان والأشياء كما هو الحال في الرواية)، وثلاثة أفعال سردية حركية ذات طبيعة حادة وصارمة ألقت بالنص بسرعة إلى نهايته:( صرف- أعاد- لكز- مضى). وسرعة انقذاف النص نحو نهايته كان وراء ما حققه من دهشة عبر ملفوظ سردي فعلي اعتمد الفعل المضارع الدال على استغراق الحدث في الحاضر والمستقبل وأنيطت به مهمة خلق المفارقة « ينهب الأرض».
    اختصارا ماذا قال النص؟ قال إن الحاكم يمارس لعبة بسيطة، فهو يخاطب عواطف المحكومين لتضليلهم وصرف وعيهم عما ينهبه من ممتلكات هي في الأصل لهم، أمنوه عليها لرعايتها وتدبيرها.
    فنيا كيف أوصل النص الفكرة؟ عبر بناء مزدوج سعى فيه السارد إلى خلق المفارقة؛ ففي الوقت الذي كانت الدلالة تبني نفسها عبر ثنائية تشبه إلى حد ما التناص من خلال الصراع بين الماضي والحاضر على مستويات الزمن والقيم والفعل، وفي هذا المستوى كان يوهم المتلقي أنه يعالج هذا الصراع بشكل هادئ ودود؛ كانت الحبكة تشكل نفسها عبر ثنائية مماثلة وذلك بتكسير بنية الحوار والتوجه في غفلة من المتلقي نحو الجملة السردية الخبرية السريعة والصارمة والصادمة. إن الانعطاف السريع في بنية السرد هو الذي خلق الدهشة عند المتلقي لأنه شعر حقا أن الهدوء في معالجة الصراع لم يكن سوى إيهاما. فلا يتعلق الأمر بمعالجة وإنما بحمل رسالة كاشفة عن واقع سخيف.
    كلمة للتداول: اعتماد المفارقة كان إحدى أدوات الاشتغال المعتمدة في النص من أجل خلق الدهشة، ولكنها لم تكن بسيطة بل مركبة زاوجت بين تناص الدلالة في صورة إزاحة وإحلال، والانعطاف المفاجئ للحبكة من بنية الحوار إلى السرد عبر الخبر، مما يوحي بأن ثمة عملا مخططا له بإتقان يمنح للنص جماله وقيمته ضمن القصة القصيرة جدا. وكما أوردت في مفتاح هذا النص ( وتلك وجهة نظر ) أن ما جعله مضببا أحيانا هو الثقل الذي خلقه الاستطراد والوصف على نمط ما نجده في النصوص السردية الطويلة.
    *****
    2- زليخة
    اعتد لهم متكأ في جنته الغناء باسطا خيام الكرم ..أكلوا سعداء ,مادحين له..فجَّرَتْ ضحكاتهم رِضًا في قلبه المسكون بها فناداها تشاركه خبز فرحته
    -اخرج عليهم !!..
    فلمَّا رأوها تَعانقتْ خناجرهم في جسده من دبر..
    أستطيع أن أقول منذ البداية إن النص لعب على الوتر الحساس في فن القصة القصيرة جدا، وهو السير بالمتن الحكائي نحو تفريغ ذروته بسرعة. وهذا ما يجمع الدارسون على أهميته في بناء هذا اللون الفني والمعروف عندهم بالاختزال. وأرى شخصيا أن النص نجح في توظيف هذه التقنية عبر توالي أفعال السرد عن طريق تبادل الأدوار، وهو التبادل الذي وقى السرد من الرتابة. احتفظ ضمير السرد بسلطته كمراقب وعارف بكل شيء على طول النص ولكن بخلق مشاهد مختلفة ومتناغمة: المفرد (اعتد)، الجمع (أكلوا)، المؤنث المعنوي (فجرت)، المفرد(ناداها)، الجمع(رأوها)، المؤنث المعنوي( تعانقت). ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل إن تبادل الأدوار بدا وكأنه محسوب رياضيا:
    المفرد + الجمع+ المؤنث المعنوي          (فعل الأمر)         المفرد + الجمع+ المؤنث المعنوي
    ثمة تشكيل هندسي يوظفه النص - وهنا تتجلى فرادته المحققة لإبداعه-  ويعتمد هذا التشكيل على ملفوظين سرديين متفقين في البناء. يتضح هذا جليا من خلال الترسيمة البسيطة التالية:
    اعتد لهم متكئا                  أكلوا سعداء                     فجرت ضحكاتهم           
    ناداها تشاركه                  رأوها                            تعانقت
    وكون هذين الملفوظين السرديين متناغمين، فإن مركز القص ( إن صح هذا التعبير الهندسي) سيكون في الملفوظ السردي المختلف وهو: « أخرجي عليهم». ويزكي زعمنا هذا أنه يحمل – من جهة - كل الإشارات السابقة على مستوى البناء. فكل أفعال السرد المتناغمة في الملفوظين ذات طابع حركي دونما استثناء وهو الطابع الذي يجسده الخروج، كما أن ما سميناه بتبادل الأدوار حاضر أيضا: المفرد في السارد، والمؤنث في ياء المتكلم والجمع في عليهم. ومن جهة أخرى فإنه يضطلع بالمركزية الدلالية، وأرى أنه حقق ذلك على مستويين:
    - إشاري بالنسبة لعتبة النص الأولى وهي العنوان (زليخة).
    - وظيفي كونه حقق المفارقة الدلالية بين أن يشمل مديحهم (زليخة) باعتبارها اليد الخفية في المتكئ والأكل السعيد، وبين أن يغتالوا مضيفهم من أجل (زليخة) طبعا.
    كل هذا مثل مستوى واحدا من فنية النص، أما المستوى الثاني فيظهر في توظيف حكاية (زليخة) بصورة مقلوبة. إنه شكل من الإزاحة والإحلال في شقها الدلالي. ففي الوقت الذي تحكي فيه القصة التراثية عن إقدام زليخة على فعل الإغراء عبر المراودة الفعلية، يخرج علينا النص بصورة جديدة للإغراء تتجسد في التأثير العاطفي والنفسي.
    على مستوى التأويل أرى أنه يمكن اعتبار هذا التقاطع الدلالي بين القصتين إعادة قراءة وفهم لمفهوم المراودة كما ذكرت في قصص التاريخ وفي النص القرآني أيضا.
    كلمة للتداول: إضافة إلى التشكيل الهندسي الدقيق الذي كتب به النص والتناغم الدلالي الذي حققه، فإن التناص مع النص التراثي لم يكن تماهيا معه بل هو إزاحة لدلالة مفهوم وإحلال دلالة جديدة له. وهذا الفهم الجديد هو الذي حقق توازن النص وتماسكه كونه تحكم في بنائه، سواء بوعي من السارد أو بدونه. وإذا كان نص زليخة صارما وحادا في بنائه وهذا ما يدفعنا إلى أن نندهش له كمحللين فأرى – وهي وجهة نظر- أن عتبة العنوان لعبت دورا كبيرا في فنيته إلا أن عبارة «من دبر » بقدر ما أريد لها أن تحافظ على التناغم بين النصين الغائب والحاضر إلا أنها وضحت العنوان أكثر فلم تترك لنا فرصة كبيرة للاستمتاع أكثر بالدلالات التي يمكن أن نعاني من أجل الوصول إليها. فمتعة القصة القصيرة جدا تكمن في لحظة تخطي عتبة المعاناة أثناء الكشف الفني والجمالي.
    *****
    3- حجامة
    على شرفةِ (الفيلا) المُطِلَّةِ على البَحْر ..
    الوزيرُ المتديِّنُ يئنُّ ويسألُ:
    ــ ألَمْ تنْتَهِ بعد ..؟
    ــ لا يا سيِّدي .. فما زال الدَّمُ الفاسدُ يتدفَّق

    - جسم مريض يخضع للعلاج في غرفة عمليات تقليدية.
    يباشر العملية ممرض يؤكد للطبيب المشرف أن العملية لا زالت مستمرة طالما أن الدم الفاسد لا زال يتدفق.
    التقنية الموظفة في النص هي اعتماد صورتين تكون الأولية منها قابلة لحمل الصورة الثانوية دونما أي تنافر أو خلل يفقد النص حبكته.
    الصورة الأولية تضافر كل من العنوان والقفلة في نسجها. فالحجامة (عتبة العنوان) هي إزالة الدم الفاسد(القفلة). أما الصورة الثانوية المحمولة عبر الصورة الأولية فهي التي حلت عبر ملفوظين سرديين هما «الوزير وسيدي» وهما اللذان اضطلعا بوظيفتين متكاملتين: إزاحة الصورة الأولية وإحلال الصورة الثانوية التي هي قصد السارد ورسالته المحمولة إلى المتلقي. صعوبة هذه المغامرة الفنية تكمن في أن أي خلل في عملية التركيب قد يجعل النص مترهلا وتصبح الحبكة على المحك. وأعتقد أن النص نجح في الحفاظ على تماسكه وذلك من خلال توظيفه لمخيال مشترك بين السارد والمتلقي يتوضح بالإيحاء إلى مفهوم « الشعب» وذك على الشكل التالي:
    الحجامة: علاج (شعبي)
    الوزير: علاقة حكومة (وشعب)
    الدم الفاسد: موضوع العلاج (الشعبي)
    كلمة للتداول: اعتماد صورتين أولية وثانوية، وتوظيف تقنيتي الإزاحة والإحلال، وانتخاب ملفوظ سردي تناط به المهمتان، واستحضار مخيال المتلقي كلها عناصر توحي بأن النص تم الاشتغال عليه ولم يخضع لعفوية أو ارتجال أو تداع لصور ما، يعني أن له حقه من الإبداع. وهذا في اعتقادي يغني عن غياب تقنيات أخرى للقص. لأنه ليس لزاما على النص أن يكون محشوا بالتقنيات حتى يأخذ صفة إبداع بل الاشتغال الفني الخلاق هو الذي يضمن له هذه الصفة.
    وجهة نظر: ما دامت هذه القراءة قد بلغت في زعمها إلى ما بلغته، فخارجها تتشكل وجهة نظر تعني صاحبها، وهي ما دام أن النص تشكلت لديه القدرة على إيصال الدلالة فنيا عبر ما ذكر فهناك يتجسد صفاؤه وشعريته، وما تبقى يعتبر هامشا وهذا هو المشكل الحقيقي في القصة القصيرة جدا، لأن توظيف الهوامش أحيانا يغني النص عبر التأويل وأحيانا يفسد عنه نقاءه ( ولا يفسد النص طبعا). فأنا أرى أن شرفة الفيلا المطلة على البحر وصفة المتدين قد تفتح على النص هامشا هو في غنى عنه. بعبارة أخرى قد ينصب النقاش على الهامش ويترك الجوهر يتيما. وهذا خطر على الإبداع عامة.
    *****
    4- التباس
    تكدست أوهامه حول رأسه...نفضها عنه بالتفاتة...أخيراً جاوز سور المنزل....أدخل يده بجيبه ليخرج منها هويّة لا تشبهه.

    « إن الإنسان هو ما يحمله من أوهام». هذا هو جوهر الفكرة في هذا النص. فإذا لم ننظر إلى عبارة «أوهام» نظرة سيكولوجية خالصة، فإنها تقذف بنا إلى الفلسفة التجريبية الإنجليزية وخاصة عند فرنسيس بيكون المعروف بأوهامه الأربعة ( الجنس والكهف والسوق والمسرح). ليس من الصعب إذاً أن نصوغ أفكارا فلسفية في قالب فني، وهذا النص بقدر ما هو شاهد على ذلك بقدر ما يشكل ذلك جزءا من فنيته وجماليته. ولكون مقاربة هذا النص بدأت دلاليا فلا بأس أن نضع فهمنا الخاص له، تماشيا مع السياق الذي افترضناه على أن نبحث في بنائه لاحقا.
    ليكن بطل النص صورة لما تصوره فرانسيس بيكون عن الإنسان الحامل للأوهام، باعتبارها نتيجة لعجز العقل عن الإدراك، فالملفوظ السردي «نفضها عنه بالتفاتة» يحمل إشارة واضحة إلى التحول نحو العقلانية، نحو ذات وكيان جديدين، وبعبارة النص نحو هوية جديدة، هوية تختلف عنه حاملا للأوهام «هوية لا تشبهه». من هذه الزاوية فالقائل إن النص يطرح تناقضا لم يعد لها أي سند يدافع به.
    من هذه الزاوية تبدأ محاورتنا الفنية للنص. فعتبة العنوان لم تلعب لا دورا وظيفيا ولا إشاريا ولا تكثيفيا على عادة ما تضطلع به العناوين، وإنما لعبت دورا تضليليا إيهاميا. إنه مستوى من مستويات الإزاحة والإحلال. إزاحة الصورة النمطية لعتبة العنوان وإحلال صورة جديدة مبتكرة. هكذا تتداعى العتبة مع الذروة، أو هكذا يتداعى الملفوظ السردي «هوية لا تشبهه» مع العنوان «التباس» فيخلقان لنا عبر التداعي تضليلا بأن البطل يعيش انفصاما أو تناقضا. في حين أن النص متدرج منطقيا في متنه. وأنه مارس خدعة فنية ليس إلا، وذلك عبر تقنية الإزاحة والإحلال داخل العنوان.
    كلمة للتداول: أرى أن الدهشة التي تصيبنا ونحن نفك لغز هذا النص كافية لتجعل منه نصا إبداعيا له موقعه ضمن فن القصة القصيرة جدا، وقد ساعده في ذلك اعتماد تقنية تسريع الحكي والسير بالنص إلى ذروته في أقصر زمن سردي ممكن باعتماد أفعال السرد الماضية، هذا إذا ما تجاهلنا نقط الحذف لأنها تلعب – من وجهة نظري - دور الإبطاء في تلقي النص، وهو ما لا يتماشى مع التسريع المعتمد فيه، وإذا ما تجاهلنا أيضا عبارة «أخيرا» التي تفرغ أنفاس المتلقي قبل الذروة، في حين أن اللام الملتصقة بالفعل «يخرج» وإن كان تأثيرها خفيا إلا للقراءة المتأنية فأرى أن الاستمرار في الفعل الماضي يكون أفضل:« أدخل يده في جيبه، أخرج منها هوية لا تشبهه». وكان بإمكان النص أيضا أن يمارس تضليلا فنيا أكبر لو تذيل بعلامة استغراب (!).
    *****
    5- السُّبب
    كُلَّما احْتدَّ نقاشُهما في زيادةِ المصروف ..
    تلجأ للبكاء ..  يخرج ممتعضا ..
    وفي الطريق إلى البقالة يراجع نفسه ويقنَعُ تماما بأنّه السّبب ..
    يشتري لها مناديل ويعود .. !!   حالة اجتماعية قد تحدث بين الفينة والأخرى داخل البيوت محدودة الدخل. وهذا ما يعطي للنص شعريته، كونه عمد إلى التقاط جزء من الواقع في بساطته، بحيث لا يشعر المتلقي أنه أمام نص لغوي أكثر ما يشعر أنه أمام واقع دنيوي. والدلالة واضحة فيه سوى أن بناءها كان إبداعيا كما سنرى: ما الذي يمكن أن يقوم به صاحب دخل محدود حين يرى أن زوجه تضيف على كاهله مصاريف إضافية فوق طاقته؟ لا بد من مناقشة الأمر، وطبيعي أن يحتد النقاش سيما مع امرأة لا تدرك أن مطالبها خارج الإرادة. وإذا تعلق الأمر بها من طينة «معزة ولو طارت» !، فالواقع المعقول يدفعها إلى توظيف السلاح الأكثر تأثيرا وهو البكاء. وإذا تعلق الأمر بزوج يحسب الأمور في نطاق ما تسمح به الظروف لا في نطاق ما تمليه عليه العواطف، فإن بكاء الطرف الآخر بالنسبة إليه ما هو إلا لعبة للتضليل، وإيهام بعدم الاهتمام، وما إلى ذلك مما يثيره البكاء في نفس الرجل من مشاعر جمة. وكونه يراه لعبة فلتبك قدر ما شاءت. يتدرج بنا النص عبر مشهدين: المشهد الأول: فضاؤه البيت، وموضوعه النقاش بين الزوجين الذي أفرز حالتين نفسيتين: البكاء والامتعاض. المشهد الثاني: فضاؤه الشارع العام، وحالته النفسية مراجعة الموقف، وموضوعه شراء المناديل. بين المشهدين الأول والثاني عناصر ثلاثة: فضاء وموضوع وحالة نفسية. واللعب بهذه العناصر هو الذي كان وراء المفارقة التي اعتمدها النص في بناء الدلالة. والأمر من الناحية التصورية غير معقد، فلا يتضمن سوى إزاحة وإحلال شملا الحالة النفسية والموضوع، بحيث أزيح الموضوع في المشهد الثاني من رتبته الثانية كما تموقع في المشهد الأول، وأحل في الموقع الثالث الذي أزيحت منه الحالة النفسية التي أحلت في الموقع الثاني. وبين الإزاحة والإحلال المتبادلتين تحققت المفارقة. ويوضح ذلك الخطاطة التالية المشهد الأول: 1- فضاء (المنزل)       2- موضوع ( النقاش)           3- حالة نفسية ( البكاء والامتعاض) المشهد الثاني: 1- فضاء ( الشارع)        2- حالة نفسية ( مراجعة الموقف)      3- موضوع ( شراء المناديل) كلمة للتداول: نص اعتمد المفارقة كاستراتيجية فنية، والتدرج نحو تحقيقها تضمن لعبا بالمواقع الثلاثة المذكورة كشكل من أشكال الإزاحة والإحلال. وكون النص جاء سريعا وكانت النهاية حادة بما يتلاءم مع عنصر  المفارقة المعتمدة، فمن وجهة نظري أن نقط التوتر (..) التي ذيلت الملفوظات السردية «المصروف»، و«ممتعضا»، و«السبب» كان النص في غنى عنها. كما أن الملفوظ السردي الأخير كان في حاجة إلى نقط للتتابع(...) عوض علامتي الاستغراب ونقطتي التوتر. مع إشارة إلى أن صفاء النص من الاستطرادات والأوصاف الكثيرة خدم البناء والدلالة معا.  
    *****
    6- رصاصة كان يعلمُ بأنَّ مقالاتَه لَنْ تمرَ بسلامٍ.
    نقلَ أُسرتَه إلى سَكنٍ آخرٍ.
    في المساءِ، يَشعُرُ بأنَّ هناك قناصاً في البنايةِ المقابلة.
    قال لنفسِه:
    لنْ أتحوَّلَ لجرذٍ... لابد من المواجهة.
    القنَّاصُ يُنظِّفُ بندقيتَه ذات المنظارِ الليلي.
    فتحَ الكاتِبُ نافذةَ مكتبه، أعدَّ القنَّاص بندقيته.
    وقف الكاتبُ على النافذةِ، فتحَ صدرَه، صوَّب القنَّاص عليه.
    خرجتْ رصاصةٌ فأصابتْ..... القنَّاص في رأسه.
    نظرَ الكاتبُ مندهشاً لقلمه، وجدَ حِبالاً مِنْ الدُخَان تخرج منه   «السيف أصدق إنباء من الكتب *****    في حده الحد بين الجد واللعب بيض الصفائح لا سود الصحائف في *****   متونهن جلاء الشك والريب والعلم في شهب الأرماح لامعة  ***** بين الخميسين لا في السبعة الشهب أين الرواية بل أين النجوم وما *****   صاغوه من زخرف فيها ومن كذب» من منا لم يستعذب هذه البائية التمامية الحماسية الجميلة الموقعة على البسيط؟ وأي شاعر من شعراء الإحياء لم ينهل منها بغية بعث الشعر العربي من سبات القرون الوسطى؟ نعم لقد كان لفتح عمورية صداها في الأدب العربي الحديث، فعاد إليها الأدباء ليعيدوا إليها الحياة. وإن كان لهذا النص الذي بين أيدينا من قيمة جمالية فلأنه أعاد مطلعها في فكرة مختلفة، بحيث أنه مارس على مطلعها نوعا من الإزاحة والإحلال ولكن في صورة جزئية. ففي الوقت الذي أزاح فيه عن الكاتب دلالة التنجيم التي تحملها عبارة الكتب في مطلع القصيدة، احتفظ بالسيف في صورة الرصاصة ثم بنى الدلالة المعكوسة:" «الكتاب/ المقالات أصدق إنباء من السيف/الرصاصة». والحقيقة أن هذا اللعب الجميل بالدلالة الماضية من خلال تناص مبني على الإزاحة والإحلال هو ما يعطي للنص فرادته وأصالته في بناء الدلالة الحاضرة. وقد اعتمد النص في هذا البناء على عنصر المفارقة التي أبدع حقيقة في تشكيلها. ففي الوقت الذي تدرج فيه النص عبر تصوير مشهدين متوازيين من بنايتين متقابلتين اعتمد فيهما أفعالا ماضية حركية ذات طابع انفعالي تشد أنفاس المتلقي المتشوق إلى معرفة ما الذي سيحصل في النهاية. يخرج السارد بحدث غير متوقع: « خرجت رصاصة فأصابت القناص في رأسه». ليبقى المتلقي في حيرة السؤال عن مصدر الرصاصة. وحتى هنا بقي النص خارج القصة القصيرة جدا، لأنه يمكن إنشاء سيناريوهات تجعل الحدث عاديا كأن يتلقى القناص رصاصة من شرطي كشف أمره. غير أن الملفوظ السردي الأخير:«نظر الكاتب مندهشا إلى قلمه وجد حبالا من الدخان تخرج منه» منح للدلالة انعطافها نحو غير المتوقع ومن تم خلق المفارقة التي منحت للنص قوته البنائية وفرادته الدلالية. كلمة للتداول: اعتماد التناص مع النص التراثي – بوعي أو بدونه ليس مهما – وإخضاع مضمونه إلى تقنية الإزاحة والإحلال جزئيا وليس كليا، أراه كان وراء اعتماد المفارقة في بناء النص، ويظهر الجهد الفني (الإبداع) في عملية البناء من خلال اعتماد المشهدين المتوازيين عبر البنايتين المتقابلتين الأمر الذي يفيد أن بناء الدلالة مر من مرحليتين: التصور والتخطيط. ومن وجهة نظري أن الشعور بمتعة الوصول هو الذي فوت على النص أن يعيد تأثيث نفسه، فانطرح دون تنقيح يضفي عليه مزيدا من الصفاء فجاء في بعض محطاته شارحا وموضحا تارة، وواصفا أحوال النفس تارة أخرى، مما خفف من سرعته نحو تفريغ الذروة حيث المتلقي ينتظر صدمة المفارقة الجميلة. كلمة أخيرة
    لقد كشفت هذه الإضاءة – في انتظار سليلتها المقبلة – كيف انكتبت النصوص أعلاه انطلاقا مما مارسه فعل السرد من إزاحة وإحلال، وتبين أن للمفهوم تجليات كثيرة شملت البناء والدلالة معا، بشكل كلي أو جزئي. وتنتظر هذه الإضاءة من يسلط عليها مزيدا من الضوء لتشع الطريق نحو القصة القصيرة جدا.



الاثنين، 8 أبريل 2013

حين ياتي الربيع تتناثر الأزهار
من مركب لزهاري بن شهرة الرياضي تهافتت أزهار علي تراودني صارخة هيت لالتك فكانت هذه الصور..
بعدسة /علي قوادري..
يوم الاثنين 


08/04/2013



































  

قصيدة مهداة إلَيَّ من شاعرٍ مبهرٍ مبدع
الشاعر الجميل تركي عبدالغني شاعرٌ يشتغل على نفسهِ كثيراً يعرف الفرق بين التمكن والاحتراف يتحرك بطريقة مدهشة في المساحات الضيقة في ملاعب القريض يروقني أن أسميه مسي القصيدة 
وهو في غار القصيدة لا أظنّه إلا ثاني اثنين 
له مع كلّ الود بحجم قلبه والشكر بحجم قلبي وقلبه بالطبع أكبر من قلبي أهدي متواضعتي 


فـــــــي غـــــــار الــقــصــيـدة !!!
              شــــعـــر / جــــبـــر الــبــعــدانـي

اقـــرأ الآنَ ؛ كـــانَ صــوتـاً عـلـيّـا
لــسـتُ أدري عـــن الــقـراءةِ شـيّـا

اقـــــرأ الآنَ فـالـقـصـائـدُ وحـــــيٌ
ســــوفَ تــتـلـوهُ شــاعـراً لا نـبـيّـا

مِن رؤى الغيبِ يسقطُ الشِّعر حتّى
يـسـكـنَ الــسّـرُّ حــرْفَـكَ الأبـجـديّا

اقـــرأ الآنَ ســـوف نـتـلـوهُ ذكِـــراً
مِــــــن لـــدُنّـــا مــفــصّـلاً عَــربــيّـا

قــابَ قـوسـينِ قـد دنـا مِـن فـؤادي
كـــــانَ صـــوتــاً مـلائـكـيّـاً جــلـيّـا

كــانَ نــاراً وحـيـنَ لامــسَ روحـي
صـــار نــوراً وصــرتُ عـبـداً تـقـيّا

اقـــرأ الآنَ ســـوفَ تـكـشفُ ســرّاً
كــــم تــجـلّـى ولا يــــزالُ خــفـيّـا!

ســـوفَ يـلـقـاهُ بـالـجـحود شــقـيٌّ
قـــــــدّر اللهُ أنْ يــــظـــلَّ شـــقــيّــا

اقــــرأ الآنَ ســحــر لــفــظٍ تــدلّـى
مــذ دنــا الـحـرفُ مـن لـماكَ شـهيّا

الــجـمـاداتُ قــــد تــــردّدُ بــعـضـاً
مـــــن مـعـانـيـكَ فـلـنـقـلْها ســويّــا

كــاشـف الــسـرَّ عــلّ تـعـرف ربّــا
ســـيــرّ الـــكــونَ خــالــقـاً أزلـــيّــا

نــــعـــرفُ الله إنّــــمـــا لا نـــــــراهُ
رؤيــــةُ الــعـيـن ؛يـــا فـــؤادُ تـهـيّـا

إنَّـــهُ الــسـرّ هـــل سـنـقدر ُكـشـفاً
عــنــهُ والــسـرُّ ظـــلّ لــغـزاً ذكــيّـا

ذلــكَ الـغـيبُ خـلـفَ ألــفِ حـجـابٍ
ظـــلّ ســـرًّا عـلـى الـبـيانِ عـصـيّا

اقــــرأ الآنَ قــــد بُــعـثـتَ ســلامـاً
يـنـشـرُ الــحـبَّ مـنـذُ كُـنـتَ صـبـيّا

بــيــنَ مــوتـيِـن ثــــمّ طــفـل حــيـاةٍ
كــلّـمـا شــــاخَ عــــادَ فــيـكَ فـتـيّـا

جـــرّبِ الــمـوتَ كـــي تُـقـدّرَ عُـمـراً
كــــانَ /لــــولا فـنـاؤنـا/ سـرمـديّـا

فـانـفـخِ الآنَ فـــي تــرابِـكَ روحـــاً
ســوفَ يـأتـيكَ كــلُّ مـا شـئتَ حـيّا
الشاعر الجميل تركي عبدالغني شاعرٌ يشتغل على نفسهِ كثيراً يعرف الفرق بين التمكن والاحتراف يتحرك بطريقة مدهشة في المساحات الضيقة في ملاعب القريض يروقني أن أسميه مسي القصيدة
وهو في غار القصيدة لا أظنّه إلا ثاني اثنين
له مع كلّ الود بحجم قلبه والشكر بحجم قلبي وقلبه بالطبع أكبر من قلبي أهدي متواضعتي


فـــــــي غـــــــار الــقــصــيـدة !!!
شــــعـــر / جــــبـــر الــبــعــدانـي

اقـــرأ الآنَ ؛ كـــانَ صــوتـاً عـلـيّـا
لــسـتُ أدري عـــن الــقـراءةِ شـيّـا

اقـــــرأ الآنَ فـالـقـصـائـدُ وحـــــيٌ
ســــوفَ تــتـلـوهُ شــاعـراً لا نـبـيّـا

مِن رؤى الغيبِ يسقطُ الشِّعر حتّى
يـسـكـنَ الــسّـرُّ حــرْفَـكَ الأبـجـديّا

اقـــرأ الآنَ ســـوف نـتـلـوهُ ذكِـــراً
مِــــــن لـــدُنّـــا مــفــصّـلاً عَــربــيّـا

قــابَ قـوسـينِ قـد دنـا مِـن فـؤادي
كـــــانَ صـــوتــاً مـلائـكـيّـاً جــلـيّـا

كــانَ نــاراً وحـيـنَ لامــسَ روحـي
صـــار نــوراً وصــرتُ عـبـداً تـقـيّا

اقـــرأ الآنَ ســـوفَ تـكـشفُ ســرّاً
كــــم تــجـلّـى ولا يــــزالُ خــفـيّـا!

ســـوفَ يـلـقـاهُ بـالـجـحود شــقـيٌّ
قـــــــدّر اللهُ أنْ يــــظـــلَّ شـــقــيّــا

اقــــرأ الآنَ ســحــر لــفــظٍ تــدلّـى
مــذ دنــا الـحـرفُ مـن لـماكَ شـهيّا

الــجـمـاداتُ قــــد تــــردّدُ بــعـضـاً
مـــــن مـعـانـيـكَ فـلـنـقـلْها ســويّــا

كــاشـف الــسـرَّ عــلّ تـعـرف ربّــا
ســـيــرّ الـــكــونَ خــالــقـاً أزلـــيّــا

نــــعـــرفُ الله إنّــــمـــا لا نـــــــراهُ
رؤيــــةُ الــعـيـن ؛يـــا فـــؤادُ تـهـيّـا

إنَّـــهُ الــسـرّ هـــل سـنـقدر ُكـشـفاً
عــنــهُ والــسـرُّ ظـــلّ لــغـزاً ذكــيّـا

ذلــكَ الـغـيبُ خـلـفَ ألــفِ حـجـابٍ
ظـــلّ ســـرًّا عـلـى الـبـيانِ عـصـيّا

اقــــرأ الآنَ قــــد بُــعـثـتَ ســلامـاً
يـنـشـرُ الــحـبَّ مـنـذُ كُـنـتَ صـبـيّا

بــيــنَ مــوتـيِـن ثــــمّ طــفـل حــيـاةٍ
كــلّـمـا شــــاخَ عــــادَ فــيـكَ فـتـيّـا

جـــرّبِ الــمـوتَ كـــي تُـقـدّرَ عُـمـراً
كــــانَ /لــــولا فـنـاؤنـا/ سـرمـديّـا

فـانـفـخِ الآنَ فـــي تــرابِـكَ روحـــاً
ســوفَ يـأتـيكَ كــلُّ مـا شـئتَ حـيّا

الأحد، 7 أبريل 2013

"نظرية القصة القصيرة جداً" د. يوسف حطيني

نظرية القصة القصيرة جداً
د. يوسف حطيني
ملاحظة أولية لا بدّ منها: هذه دراسة كتبت قبل أكثر من عشر سنوات، ونشرت في كتابي "القصة القصيرة جداً بين النظرية والتطبيق" الصادر عام 2004 عن دار اليازجي في دمشق، وبالتالي قد يجد القارئ بعض الاستثناءات والتحفظات والتوقعات التي كانت سائدة في ذلك الوقت، وهذا ما اققتضى التنويه. * * * لديّ، "إحساس" ابتدائي، ولكنه يقيني، يقود إلى أن القصة القصيرة جداً تتعامل بشكل مختلف مع العناصر القصصية التي تحاول أن تقربها من القصة القصيرة، فالحدث الذي تقدمه لا يتيح المجال لتقديمه عبر الوسائل غير المباشرة، كالحوارات الطويلة التي تكشف الشخصية أو المونولوجات أو المذكرات، من هنا تنشأ الحاجة إلى الجملة الفعلية، أو الجملة الاسمية ذات الطاقة الفعلية، أما في الأنواع الأدبية الأخرى فإن المرء يمكن أن يلجأ بشكل أكثر اطمئناناً إلى المراوغة. نضيف إلى ذلك أن الحكاية فيها مختصرة سهمية، والحدث يتجه رأساً ليواجه ظرفه المضاد، واللغة فاعلة لا تطمئن إلى الوصف الذي يجعل إيقاع السرد بطيئاً، والزمن والمكان مجرد إشارات برقية، هذا طبعاً إذا لم يكن الزمن أو المكان هو الذي يشكل زاوية الرؤية القصصية، لأنه عند ذلك سيتحول إلى ما يشبه الشخصية الرئيسة. وإن وجود عناصر مشتركة كثيرة بين القصة القصيرة وبينها، كالحكاية والشخصية والحبكة… لا يحرمها من استقلالها لأن هذه العناصر ذاتها موجودة في الرواية والمسرحية وفي كلّ أنواع النثر الحكائي. ويحتاج كاتبها إلى غير ما يحتاجه كاتب القصة القصيرة، لنقل إنه يحتاج إلى جانب الثقافة العالية وبراعة الالتقاط، القدرة على التركيز الذي يمكنه من رصد حالة اجتماعية أو سياسية أو فلسفية عبر أسطر محدودة، وليس كل روائي مبدع هو كاتب ناجح لها بالضرورة. ولكن الأمر لا يعدم بعض التداخلات بين الفنون عند بعض الأدباء، فثمة كثير من الذين يكتبون القصة القصيرة والرواية، وثمة من يترجح بين الشعر والنثر، أو بين النقد والقصة. وأنا أفترض، في مرحلة المخاض التي ما تزال تعيشها، أن يمر كاتبها بمرحلة كتابة القصة القصيرة كتمرين على السرد لأن ما أنتج حتى الآن لا يمكن أن يثقف الكاتب الثقافة الكافية لكي يكون بارعاً في هذا الفن الجديد. ومن الطبيعي أن يكون لهذه القصة لغتها التي تحدد هويتها، شأنها في ذلك شأن كل نوع أدبي، تلك اللغة التي تفرضها طبيعته ومكوناته الداخلية، ولكن هذا لا يفرض قاموساً معيناً على القاص، فهو لا يشترط مفردات متداولة أو غريبة، ذلك أن لكل حالة إبداعية، أياً كان نوعها، لغة خاصة بها. ويمكن لها، مثل القصة القصيرة والرواية، أن تستخدم الرمز والأسطورة ولغة المجاز والصورة، وكل هذه التقنيات لا تضر بها ولا تنفعها، والمسألة هي مسألة التوازن الداخلي للنص، فإذا كان النص يتطلبها ليعمق دلالته فهذا من شأنه أن يرفع سويتها الفنية، أما إذا كانت مجرد حاجة تزيينية فإنها ستعرقل السرد وتغلّ حركته. * * * وعلى الرغم من أن القصة القصيرة جداً بحاجة إلى معايير تميزها من فنون النثر الحكائي الأخرى، فأنا أعتقد أن الحديث ما زال مبكراً عن ضبطها بتلك المعايير من خلال مقياس نقدي صارم، صحيح أنني أطرح تصوراً نظرياً لأركانها، ولكنني لا أستطيع أن أفرض هذا التصور على المبدعين والنقاد على حد سواء. فثمة خلاف مع الناقد حول هذه العناصر، وثمة خلاف أيضاً مع المبدع الذي يمكن أن يطورها. غير أن هذا لا يعني أن الأمور ستبقى عائمة إلى الأبد، لأن السنوات القادمة، فيما أعتقد، ستفرز كثيراً من النصوص التي ستحاور النقد بجدارة، وعندها سيكون النقد مطمئناً أكثر للمقاييس التي تفرضها النصوص الأكثر تطوراً ونضجاً. ولا بد هنا من التأكيد أن وجود إطار نظري يحدد عناصرها لا يمكن أن يكون نهائياً، والمبدع الحقيقي هو الذي يلم بقواعد الفن من أجل أن يتجاوزها لا من أجل أن يتقيد بها تقيداً صارماً. وأنا شخصياً – مع إصراري على أن التنظير لها لا يكفي للعمل على رفع سويتها – أرى أن عناصر القصة القصيرة جداً هي: 1. الحكائية: فوجود الحكاية شرط كل نثر حكائي من الرواية إلى القصة إلى المسرحية والمقامة…إلخ غير أن غياب الحكاية في القصة القصيرة جداً يبدو مكشوفاً، فهذا النوع الأدبي لا يحتمل المواربة، بسبب قصره الشديد، وأي خلل لا يستطيع الاختفاء وراء مساحة النص، وقد يكون مثل هذا الغياب موارباً في القصة القصيرة والرواية، خاصة في السرد الوصفي. ويمكن للمرء أن يشير إلى بروز الحكاية فيها من خلال قصة "فجر" للقاصة ابتسام شاكوش: "اتفقت الكلاب على طرد الليل، اجتمعت بأعداد غفيرة في أعلى التل الكبير، ظلت تنبح مستعجلة الفجر ساعات وساعات، وحين جاء الفجر بموكبه المهيب من الشرق وجدها نائمة ". وعلى النقيض من ذلك فإن غياب الحكاية يفقد القصة القصيرة جداً أهم عناصرها، ويحولها إلى خاطرة في أحسن الأحوال، فإذا استعرضنا بعض النصوص التي تزعم الانتماء إلى هذا الفن وجدناها تضيع خطوط حكايتها، ولا تقدم حدثاً ولا تبني شخصية ولا تنسج حبكة تقود المقدمات فيها إلى الخواتيم أو الخواتيم إلى المقدمات، مما يجعل قصصهم أشبه بخاطرة، لا ترقى في معظم الأحيان إلى الأدب الرفيع، فإذا فزعنا إلى قصص القاص عماد النداف وجدناه في كثير من الأحيان يضيع الحكاية، وإن كان لا يضيع رونق اللغة فيما يكتب، ونستطيع هنا أن نشير إلى نص من نصوص "جرائم شتوية"، لندلل على إهمال الحكاية لصالح شاعرية اللغة وإنسانية النظرة. ففي نص "رسالة" يمكن أن نجد خلطاً واضحاً بين القصة والخاطرة إذ يقول: "حبيبتي اشتريت لك ثوباً كحلياً.. سأقدمه لك عندما أعود.. أنا الآن أمضي الليلة وحيداً أرقب النجوم.. اسمعي..هذه النجوم أستطيع أن أقطفها لك، وأرميها فوق ثوبك الكحلي، لكي تعرف النجوم أنك القمر" ¬ ولانريد هنا أن ننقص من قدر شاعرية هذا النص ورقته وجمال لغته، ولكننا نشير إلى ضياع الحكاية أو عدم تمركزها حول محور من المفترض أن يكون واضحاً، مما يفقد القصة هويتها وجدارة انتمائها إلى النثر الحكائي. ويبدو أن سحر الشعر يغري كثيراً من كتاب القصة، إلى درجة تتماهى فيها لغة السرد الحكائي مع لغة الشعر، وتضيع حدود الحكاية، ويمكن للمرء أن يلاحظ هذا الأثر في قصص حياة أبو فاضل القصيرة جداً، ففي قصة لا عنوان لها تقول حياة: "صداقتنا مذ خَلَعَ ألوانَ الخريف عن شجرة المشمش في حديقتنا. وقفتُ تحتها صغيرة، مأخوذة، شعري يصافح الورقَ الراقصَ والهواءَ البارد، وصوتُ أمي طائرٌ من داخل البيت: "ادخلي، أو ضعي قبعتك على رأسك!" سمعتها وما سمعتها. كنت أعقد عهد صداقة مع الشماليِّ الساحر القاسي. فكيف أخفي عنه شعري الطويل داخل جدران قبعتي؟ " وللمرء أن يعطي مثالاً آخر عن غياب الحكاية الذي يخرج هذا النوع عن جنس القص، فالقاصة عبير كامل إسماعيل التي قلما تفلت الحكاية من يديها تخفق في أحيان قليلة في القبض على أطرافها، فتقدم نصوصاً لا تنتمي بحالٍ إلى السرد القصصي، فثمة لديها نص عنوانه "حضور" تقول فيه: "تقول الحاضرة للغائب: ما أشدّ وقع حضورك في الغياب" . وعلى الرغم من الفكرة التي تحاول القصة إيصالها، ومن الجهد الواضح في انتقاء الكلمات، فإن عدم وجود الحكاية يخرج النص من القص. ولعل انشغال المبدع بشعرية النص يفضي به إلى تغييب الحكاية عن عمد، أو عن غير عمد، وفي هذا الإطار تندرج التجربة المبكرة للقاص والشاعر الفلسطيني محمود علي السعيد الذي بدأ بنشر هذا الشكل والتبشير به منذ بداية السبعينات، غير أن أول مجموعة من القصص القصيرة جداً صدرت له هي مجموعة "الرصاصة" وقد صدرت عام 1979، فالحق أن معظم قصصه تعاني غلبة الشعرية، وهو شاعر معروف، على الحكاية مما ينتج نصاً هجيناً ضائع الهوية بين القصة والشعر والخاطرة، وهذا أحد الأمثلة: "الورقة: في فسحة من فضاء الحلم الأزرق، راق في عينيه الطقس، فاستيقظ قبل زقزقة العصافير يحمل محفظته الشقراء كجدائل غيمات فصل الخريف، يمتطي قطار الريح، يعبق برائحة الفل المتطايرة كشرارات موقد الحطب من شرفات حارات حلب القديمة ذات الإيقاعات الجمالية الخاصة جداً بفن الهندسة والزخرف، يستقبل صفحات جريدة الجماهير العربية بعشق، يطالع إشكالات الثقافة العصرية عبر حوار طاقة من الشباب الطيب فكراً وثقافة وقشعريرة الشوق إلى فلسطين تخفق بجناحيها بمسافة طويلة تضم الوطن دفعة واحدة حتى يصحو من دوامة التساؤلات، وقد انفرطت من عقد القصة على صوت فاطمة يرشح من زجاج المقهى.. صباح الخير يا حبيبتي ". وللحق فإن مثل هذا الشكل من الكتابة- وإن كان يقوم على سلامة نيّات القاصين في خدمة القصة القصيرة جداً- يضيع حدود المصطلح ويجعل الحدود عائمة بين هذا النوع الأدبي وبين أشكال الكتابة النثرية الأخرى. 2. الوحدة: كما تعد الوحدة (وحدة الحبكة والعقدة بشكل خاص) ركناً لا غنى عنه، لأن تعدد الحبكات والعقد والحوافز المحركة للأحداث، وتكرر النماذج المتشابهة، يمكن أن يقود إلى نوع من الترهل الذي يفقد القصة القصيرة جداً تمركزها. في قصة "قاراقوش" يحشد عدنان كنفاني رموز الغابة ممثلة بحيواناتها المختلفة في وحدة قصصية مركزة من أجل أن يقدم قصة عميقة الدلالة مستفيداً من اسم العلم التاريخي في إسباغ صفة الظلم على الطاغية، ليجتاز النص الغابة نحو دلالة أكثر اتساعاً وتعدداً: "فرامان سلطاني شديد اللهجة يقول: كل حمار (مهما كان تصنيفه) ينهق في الأماكن العامة يتعرض لعقوبة الخوزقة. ساد الهرج والمرج وتزاحمت وحوش الغابة وطيورها وحشراتها تغادر مواطنها هرباً.. قال حمار يخاطب أرنباً هارباً: لماذا تهرب والفرامان يخصنا دون سوانا؟ ضحك الأرنب ساخراً، وأجاب: في غابة مثل هذه، كلنا حمير. وانطلق يركض على غير هدى ". ولعل قصة "تقمص" لعبير كامل إسماعيل تصلح مثالاً آخر لوحدة الحبكة والعقدة، إذ تركز اللغة على حالة العشق دون أن تضيع البوصلة: "عندما أحرقوا جسده انتقاماً.. أخذت رماده، مزجته بتراب حديقة منزلها.. بعد شهور نبتت ياسمينة بيضاء، امتدت.. وامتدت حتى سورت قصور المدينة كلها ". 3. التكثيف: وهو أهم عناصر القصة القصيرة جداًً، ويشترط فيه ألا يكون مخلاً بالرؤى أو الشخصيات، وهو الذي يحدد مهارة القاص، وقد يخفق كثير من القاصين أو الروائيين في كتابة هذا النوع الأدبي، بسبب عدم قدرتهم على التركيز أو عدم ميلهم إليه. في مجموعة "مرور خاطف" لمحمود شقير" يلجأ القاص إلى التكثيف، وهو عندما يلجأ إليه لا يذكر أي تفصيل غير ضروري، وإذا كانت القصة التي تحمل عنوان "تمساح" مهتمة ببعض التفاصيل الصغيرة، فإن هذه التفاصيل تبدو ضرورية في إثارة التمساحين اللذين تتحدث عنهما: "تمساح باهت الجلد، مسترخ تحت شمس الظهيرة، مرتاح لبلادته التي لا توصف، يرقب بسكينة ودعة، المرأة وهي تتعرى ببطء لذيذ، يرقب بالسكينة وبالدعة نفسها، الرجل وهو يتمسح بالمرأة التي تبدو مثل فريسة سهلة المنال، التمساح وهو مسترخ تحت شمس الظهيرة، يذرف الدموع، شفقة على المرأة التي ركضت، ضاحكة، مستثارة نحو حافة الماء، وهي لا تدري أنها تغوي تمساحين اثنين في وقت واحد) . وربما تكون قصة "الفاعل" لطلعت سقيرق أحد النماذج الناجحة للتكثيف الذي تتطلبه القصة القصيرة جداً، تقول القصة: "اصطف الطلاب.. دخلوا بنظام، جلسوا على مقاعدهم بهدوء، قال المعلم: درسنا اليوم عن الفاعل.. من منكم يعرّف الفاعل؟؟ رفع أحد الطلاب إصبعه.. وقف.. تثاءب.. قال: الفاعل هو ذلك الذي لم يعد موجوداً بيننا.. ضحك الطلاب، وبكى المعلم.. " غير أن الذي يوقع هذه القصة، ذات الفكرة المدهشة، في المكرر المألوف هو اللغة الإخبارية التي لا تجتهد في إعطاء السرد سمته الجمالية. وللتدليل على الأثر السيئ الذي يمكن أن يحدثه فقدان التكثيف في القصة يمكن أن نشير إلى قصة لمحاسن الجندي، بعنوان "بيتان" وكانت قد ألقتها في الملتقى الرابع للقصة القصيرة جداً: "اختلفا فيما بينهما، ولم يطيقا العيش معاً، ثم أعلنا الطلاق وبكى الأطفال.. أراد كل منهما أن يعمر بيتاً مريحا للأولاد: اشترت أرضاً قريبة من القلب واشترى مساحة قريبة من العقل المتسلط. أشادت غرفة صغيرة من الصدق والعفوية، وبنى غرفة شاسعة من الكذب والادعاء.. بنت غرفة من الحرية، وبنى غرفة من التربية الصارمة. ملأت مطبخها بفواكه الحنان والتضحية، وملأ مطبخه بفواكه الحب المطعمة بفاليوم الخوف والأنانية. سيجت بيتها المنمنم بورود الجرأة والتفاؤل والفرح، وسيج بيته بسياج الكآبة والتسلط.. حينها طار الأولاد صوب البيت الصغير على جناحي فرح إنساني لا تشوبه شائبة". فإذا قرأنا هذه القصة بهدوء وجدنا تكراراً على مستوى الفكرة، وعلى مستوى التضاد، وعلى مستوى اللغة: نحواً وصرفاً وتركيباً، وهذا ما يجعلها قصة مترهلة يمكن حذف الكثير منها دون أن تتأثر بنيتها الأساسية، بل إن الحذف يمكن أن يدفع القصة نحو تحقيق فكرتها بنجاح. 4. المفارقة: وهي عنصر من العناصر التي لا غنى عنها أبداً، وتعتمد على مبدأ تفريغ الذروة، وخرق المتوقع، ولكنها في الوقت ذاته ليست طرفة، وإذا كانت هذه القصة تضحك المتلقي، في بعض الأحيان، فإنها تسعى إلى تعميق إحساسه بالناس والأشياء، ولعل إيجاد المفارقة أن يكون أكثر جدوى في التعبير عن الموضوعات الكبيرة، كالعولمة والانتماء ومواجهة الذات. ولابد من الإشارة هنا إلى أن ضرورة وجود المفارقة فيها هي إحدى نقاط الخلاف مع الدكتور أحمد جاسم الحسين، فأنا أراها عنصراً لازماً أما هو فيراها تقنية ممكنة الاستخدام. وقد درست من أجل حسم رأيي حول هذه المسألة مئات النصوص المتوفرة، منطلقاً من أن النص القصصي هو الذي يفرز أدواته التي تناسبه، وثبت لدي أن ما قرأته من القصص الناجحة حتى الآن يعتمد اعتماداً كبيراً على المفارقة. ولا شك أن الحل لا يكون بالإقحام القسري لها بل بالبحث عن صيغ سردية مناسبة لأن المفارقة هي الأقدر على رفع إحساس المتلقي بالقصة القصيرة جداً التي لا يمكن أن تكون ناجحة أبداً بدونها. ومن القصص التي تحقق مفارقة ناجحة قصة للسيدة جمانة طه تحمل عنوان "مفاجأة" تقول فيها: "ملأت كفها بحفنة من تراب الوطن. حدقت فيه، وجدته مملوءاً دبابات وأسلاكاً شائكة" . ونشير هنا إلى قصة "صناعة محلية" للقاص عمر الككلي ، وهي قصة مبنية بدقة على فكرة الهامش/ الحرية التي تكبر في ذهن الكاتب مثل كرة الثلج، ويبدو هذا الأمر ضرورياً من أجل أن يزيد الإحساس بعمق المفارقة في نهاية القصة: "دخل محلاً لبيع القرطاسية والأدوات المكتبية، كان يريد كراسة أوراقها بأربعة هوامش.. اثنان.. واحد في أعلاها والثاني في أسفلها.. واثنان.. واحد على اليمين والآخر على اليسار، وكان الهامشان الأخيران الأهم لديه. - ليس عندنا كراسات صناعة أجنبية. ثم رمى أمامه بواحدة: - لدينا فقط هذا النوع. به هامش واحد على اليمين. لم يفحص الكراسة، وفكر في الانصراف.. لكن خطر له أن هامشاً واحداً يكفي، فهو سيكون على يمين وجه الورقة التي سكون شفافيتها كافية لتعويض الهامش الآخر، الذي ينبغي أن يكون على اليسار، بالهامش الموجود على يمين ظهرها.. أعجبته نباهته، وأحب أن يصوغ ذلك في قاعدة عامة: إذا توفر هامش وقليل من الشفافية، يمكن التحايل لتعويض الآخر. ارتضى هذه النتيجة، وأخذ الكراسة دون أن يفحصها، فهو محتاج في جميع الأحوال إلى ورقة للكتابة.. عندما جلس وفتح لكراسة للكتابة تبين أنه لا يوجد بها أي هامش" . ومثل هذه المفارقة تبنى غالباً على سرد سابق، وتأتي تتويجاً لمجموعة من الجزئيات الموضوعية أو اللغوية، وثمة قصة لمحاسن الجندي بعنوان "مع من وردة اللقاء" تنجح في إقامة مفارقتها ببراعة: "رنّ الهاتف… قال بضع كلمات وهمّ بمغادرة مكان عمله. سأله منذر عن السبب، فأجاب باختصار المستعجل: - تلك التي كانت تحدثني على الهاتف مدة شهر كامل، ولم أعرف اسمها أو شكلها، أعطتني موعداً في الشارع المجاور.. قال منذر: - وكيف ستتعرف عليها…؟ - قالت إنها ستلبس ثوباً أزرق، وغطاء رأس أبيض، وستحمل في يدها اليمنى 0وردة حمراء. وعندما دخل غرفة النوم ليغير ملابسه رأى منذر على السرير ثوباً أزرق وغطاء رأس أبيض.. أما الوردة… " وينبغي التأكيد أن المفارقة ليست هي النكتة بالضرورة، وإنما هي تفريغ الذروة التي يرفعنا نحوها السياق الأدبي، والنكتة أو الطرفة نتيجة غير حتمية لها وليست أساساً. إذ ثمة كثير من القصص التي تقوم على مفارقات تعمّق الإحساس بالحياة وتزيد من رصيد الوعي الفكري والجمالي لدى الناس، ولنا أن نشير إلى قصة "تضامن" لعلي صقر حتى نرى تلك المفارقة التي تتوجه إلى قارئ يضحك مذبوحاً من الألم: " بعد بروفات دموية على جسد محمد الدرة.. سمحوا بمسيرات تضامنية. فخرجوا يصرخون: نحن مع.. مع.. مـــاع.. مـ…ـــاع.. مــ…ـاع.. مـ..ـ..ـ..ـ..ـاع" 5. فعلية الجملة: ويبدو هذا العنصر نتيجة أكثر من كونه شرطاً، فالقاص الذي يتابع حكايته، وينمي حركتها، يتعامل بشكل أكبر مع الجملة الفعلية، أو مع الجملة ذات القدرة على الفعل (كالجملة الاسمية التي يأتي خبرها جملة فعلية)، وقد استعرضت عدداً كبيراً جداً من هذه القصص فرأيت ميلاً حاداً، يبدو لي قسرياً، نحو استخدام هذا النوع من الجمل. إن المطلوب من القصة القصيرة جداً إيصال الدلالة عبر أقصر الطرق التي لا تخرج بالفن عن طبيعته الجمالية، وبالتالي فإن إعطاء الأولوية لتطوير الحدث يتطلب استثمار الطاقة الفعلية للغة إلى أقصى حدّ ممكن لأن إهمال ذلك من شأنه أن يؤدي إلى ترهل الحكاية وعرقلتها عبر سرد وصفي يكون أكثر قبولاً في القصة القصيرة والرواية. في قصة "انفتاح" للقاصة الكويتية ليلى العثمان دعوة للانفتاح على الآخر ومحاورته من خلال أربع عبارات متلاحقة ذات قدرة على الفعل، ويستطيع القارئ أن يلحظ مدى توفيقها في الجمع بين وضوح الرؤية وتكثيف العبارة، وقدرتها العالية على التكثيف، وهذا ما يجعل القصة القصيرة جداًً، كما قالت القاصة السورية ضياء قصبجي "خلاصة كمية كبيرة من الأزهار في نقطة عطر واحدة" . تقول ليلى العثمان في قصتها: "سألت الزهرة رفيقتها: -لماذا تفتحت قبلي؟ قالت الرفيقة بانتشاء: -فتحت قلبي للنور والمطر قبلك." وعلى العكس تماماً فحين يغيب الفعل عن السرد، فإن النص يكون – غالباً - أمام عدة احتمالات: فقد يترهل، وقد يطول بحيث ينتمي إلى نوع أدبي آخر، وقد يخسر حكائيته وسرعته وتكثيفه، وفي جميع الأحوال فهو يكف عن أن يكون قصة قصيرة جداً . القاص السعودي ناصر سالم الجاسم يقدم لنا في قصة "الجامعة" بانوراما وصفية تقود إلى مجموعة من الشخصيات، راصداً تلك الشخصيات في حالاتها المختلفة دون أن يعنى بتطوير حكاية تنبثق من علاقتها بعضها ببعض، ولعل ما أسهم في عرقلة الحكاية اعتماده في بداية القصة على الجملة الاسمية التي يمكن أن تقدم وصفاً جيداً لقصة قصيرة: "السور رفيع، الباب موصد، النوافذ علوية زجاجية عاكسة، موظفو الأمن عند بوابة الخروج ببذلاتهم الأنيقة يطابقون الأسماء في البطاقات المحددة ويطلون برؤوسهم داخل السيارات من خلال نوافذ السائقين وينظرون إلى الأجساد الجالسة والحلي الفارة من سواد العباءات السوداء والحقائب الجلدية الموضوعة فوق كل حجر، والرجال في المواقف المكشوفة للشمس ينتظرون ويدخنون ويقرؤون الصحف اليومية بدون شهوة، كنت منتظراً معهم، وأسأل نفسي: كم جميلة بداخل هذا المبنى؟ كم عاشقة خلف هذا السور؟ كم خائنة في قاعة المحاضرات تناقش بارتياح؟ كم حبلى واقفة في طابور الكافيتريا تمد يديها أمام بطنها تخشى الإجهاض؟ وكم..؟ وكم..؟ ". ولابد لنا قبل أن ننهي الحديث عن عناصر القصة القصيرة جداً وأركانها من الإشارة إلى أن ثمة خلافات في التصور حول هذه الأركان. فالدكتور أحمد جاسم الحسين يشير في كتابه عن القصة القصيرة جداً أن أركانها أربعة وهي: القصصية والجرأة والوحدة والتكثيف. ونرى هنا أن مصطلح الحكائية أكثر دقة وتعبيراً عما نريد، إذ إن القصصية تساوي الحكائية مضافاً إليها اللغة والزمن والمكان وغير ذلك. أما الجرأة التي يجعلها الدكتور أحمد عنصراً لا غنى عنه، فنحن لا نراها أكثر من تقنية ممكنة الاستخدام. وكم من القصص القصيرة الناجحة تفتقر إلى الجرأة؟! والدكتورة لبانة المشوح أشارت عدة مرات في مداخلاتها الشفوية اللامعة عن القصة القصيرة جداً إلى عنصر الإدهاش، ونحن نرى خلافاً لذلك، إذ إن الإدهاش في رأينا نتيجة للمفارقة، وليس عنصراً فاعلاً في النص. ولعل من المناسب أن نشير إلى أن الأستاذ نبيل المجلي - وهو أحد الذين اشتركوا في الملتتقيين الثالث والرابع – قام مؤخراً، بعد أن قرأ كل ما كُتب حول القصة القصيرة جداً، بنظم هذه العناصر من خلال أرجوزة تذكر بأراجيز النحو والحديث والعلوم المختلفة: سردٌ قصيرٌ متناهٍ في القِصـَرْ كالسَّهْم،بل كالشُّهْب تطلق الشَّرَرْ كَتَبـَها الأوائـلُ الكـبارُ وليسَ يُدرى مـَنْ هـوَ المغـوارُ قـَد ميزَتها خمسةُ الأركانِ حـكـايةٌ غـنـيـّةُ المعـاني وبعـدها يلزَمـُنا التكثيفُ ووحـدةٌ يحفَـظُها حصيـفُ واشـترطَ الناسُ لها المفارقهْ وأن تكونَ للحـدودِ فـارقـهْ وجمـلةٌ فعليـةٌ بها كمُلْ بناؤها.. وحقـُّهُ أنْ يكتـمـلْ * * * ويذكر أن هناك مجموعة من التقنيات اللغوية والفنية التي يمكن أن يستوعبها فن القصة القصيرة جداً كونه فناً قادراً على الإفادة من جميع منجزات السرد الحديث، وهذه التقنيات قد تُستخدَم – جزءاً لا كلاً - في نص، وقد تغيب في نص آخر، ووجودها ليس شرطاً من شروط القصة القصيرة جداً وليس ركناً من أركانها، بل هي محسّنات تسهم في رفع سوية النص الفنية. وعلى هذا الأساس فإن النص الذي تغيب عنه الحكائية أو الوحدة يخرج من النوع أما النص الذي تغيب عنه التقنيات، كلاً أو جزءاً فليس كذلك. وإن التقنيات التي تعمل على رفع سوية السرد كثيرة جداً، وهي تتقاطع في هذا مع كثير من الفنون الأدبية، كالتناص والتشخيص، ووضع العنوان في خدمة النص…إلخ ويمكن أن نفصل في التقنيات المستخدمة في هذا الفن من خلال البحث عن أثرها في نصوص القاصين: • فقد أفاد القاصون إفادة عظيمة من التناص، وثمة من استخدم الأمكنة، وأسماء الأعلام ذات الرصيد الثقافي والديني والتاريخي، وغير ذلك. وقد ظهر ذلك في نصوص الكتاب الشباب خاصة، إذ برز ليهم قاراقوش وغودو وعنترة وآخرون، ولعلنا نشير هنا إلى نص "غودو ينتظر" لمايا عز الدين عبارة الذي يشكله وعي ثقافي يؤمن بتطوير المفاهيم البالية: " كان غودو يأتي و يذهب دون أن يروه ...أو أنهم لم يتعرفوا عليه. و مرة قال لهم:أنا غودو ..تعالوا معي أيها المنتظرون، ووقف ينتظرهم، لكنّ أحدا لم يعره اهتماما. ظلوا يدورون في دوائرهم اللانهائية العبثية. تفاجأ غودو فهو كان قد سمع كثيرا عن انتظار أولئك البائسين و المعذبين له و سمع عن انتظار الأطفال المشردين له و سمع عن انتظار المحبين الذين لا يجدون مكانا للقاء على هذه الأرض إلى أن غادروا معه. فقال بصوت عال: أنا أتيت لأني قرأت في إحدى مسرحياتكم أنكم تنتظرونني بشدة و حين انصعت لأمانيكم ولبنات أفكاركم و جئت لأخلّصكم لا تردون على ندائي!! لكنهم كذبوه قائلين :أنت لست غودو . أنت كالراعي الكذّاب و نحن قرأنا هذه القصة و لن نصدقك . أقسمَ غودو بأنه غودو وإن تأخر بالقدوم ، لكنهم أنكروا قدومه و أقنعوه بأنه وهمٌ لا يستطيع إنقاذ أحدهم .. فاعتمادا على ذات المسرحية التي اعتمد عليها هو لن يأتي وإن أتى لن يروه. أشاحوا بوجوههم عنه بينما ظل غودو ينتظر الناس جميعا بعدما كانوا ينتظرونه وحده. و حين ملّ من الانتظار و شعر بالوحدة و العزلة .. انضم للناس و انصهر معهم في دوائرهم ." غير أن الذي خان القاصة في هذه القصة هو التكثيف إذ يمكن أن لها تقدّم هذه الدلالة عبر تراكيب أقل، ولاسيما أن مايا تكتب القصة القصيرة جداً منذ فترة وقد شاركت في ثلاثة ملتقيات حتى الآن. وللأمانة فإننا نشير إلى قصة تشبه هذه القصة من حيث دلالتها العامة وبعض تفاصيلها، للقاصة كوليت بهنا، بعنوان حديث خاص . ولا بد لنا أن نشير هنا إلى تجربة القاص بسام شلبي الذي أعد سلسلة من القصص المتتالية بعنوان "استنساخ" يستنسخ فيها القاص في كل قصة شخصية من الماضي البعيد أو القريب ويضعها في مواجهة الحاضر، فهو يستسخ آدم وجحا وطرزان وأبا ذر الغفاري، يقول في قصته "استنساخ4": "هرم عنترة، وشعر بالوهن يتسرب إلى شرايينه.. فقرر استنساخ رجل من إحدى خلايا صدره.. استعاد فتوته وهو ينظر إلى شعره الأسود الشعث وعضلاته المفتولة.. لكن نسيخه لم يخض أي حرب ولم يكسب أي معركة.. كل ما كان يجيده الاستعراض بالسيف أمام آلات التصوير والتشدق بأبيات الشعر الحماسية خلف مكبرا الصوت.. حزن عنترة الأصلي ومات كمداً، وعاش المزيف في الروايات والحكايات الشعبية. " وفيما يتعلق بالتشخيص فقد أجرى القاصون كثيراً من قصصهم على ألسنة الحيوانات والجمادات، كما استخدموا مثل هذه الجمادات والحيوانات داخل بنية النسج القصصي، ومن التجارب الشابة المميزة في هذا المجال تجربة أسامة الحويج العمر إذ إن كثيراً من قصصه تعتمد على المحاورات والمواقف التي تطورها شخصيات غير بشرية لتحصد دلالات إنسانية وارفة، ومن قصصه الكثيرة في هذا المجال نختار قصة "عندما سجن العصفور": " ما إن أدخل العصفور القفص حتى شعرت الحرية بأنها فقدت طاقة من نبضات قلبها، فسالت الدموع على وجنتيها ماسحة السعادة، وفي اللحظة ذاتها ارتفع القفص على مد الفرح العارم، وقد شعر بمعنى لحياته." وإذا كان أسامة في قصته السابقة قد جعل الشخصيتين اللتين قامت عليهما القصتان غير بشريتين، فإنه في قصة "الماس والفحم" يجعل البطلين من البشر ولكنه يستعيد منهما جدارة البطولة عبر شخصيات تنتمي هذه المرة إلى عالم الجمادات: "تجادل شابان ، الأول ثري و الثاني فقير حول مستقبل كلّ واحد منهما . فوضع الثّري قطعة ماس كبيرة على الطاولة و قال بحماسة: هذا هو مستقبلي. و وضع الفقير قطعة فحم حجري و قال بيأس: هذا هو مستقبلي . ثم خرج الاثنان كلٌّ في طريق ، لكن الماسة شعرتْ بالحنين إلى أصلها … فاقتربت من قطعة الفحم و التصقت بها بقوة ! ". • كما أفاد القاصون من إمكانات الإيقاع النحوي والتركيبي، والموضوعي، كما أفادوا من إيقاعات أخرى مثل إيقاع الطبيعة وإيقاع اللون، إذ رأينا استخدام الألوان في أكثر من قصة، وبشكل لا يخرج عامة عن المـألوف السردي. وربما نقرأ قصة تعطي الألوان اهتماماً لافتاً على نحو ما نجد عند هيمى المفتي التي أعطت أهمية بالغة للألوان في قصة حملت عنوان "ألوان": "لا تزال، ومنذ أن أبدى إعجابه الخجول بفمها البكر الممتلئ، تطلي شفتيها كل يوم بلون جديد... لونتهما بالأحمر القاني يوماً، وبالأرجواني يوماً، ثم رسمت خطوطاً قاتمة على حدود الشفاه لتبدو أكثر اكتنازاً، وطلتها بلون الرمان الشهي... جربت اللون الناري، المرجاني، الخمري، التوتي، البرتقالي، الزهري، الفوشيا... وحين انتهت التشكيلة المتوافرة في السوق، أخذت تمزج بين أصابع الشفاه المختلفة فتأتي بألوان جديدة لا اسم لها ولا تشبه غيرها... الألوان الصارخة في الشفتين تبهره بجديدها كل يوم، وتغتصب إعجابه الجريء السافر... أما كل ما تأتي به الشفتين من ابتسامات، وكل ما يصدر عنهما من كلمات أو قبلات، بل كل ما يحيط بهما من ملامح، فقد فقدَ لونه.." • ومن المعروف أن عنوان القصة يمكن أن يقوم بدور كبير جداً في فهم دلالاتها، ومن الطبيعي أن يزداد العنوان أهمية حين تكون مساحة النص أصغر. ولا شك أن امتحان العنوان كان من أصعب امتحانات القصة القصيرة جداً، وقلما ينجح الكاتب في إطلاق عنوان مثير على قصته، فقد يطلق عنواناً لا علاقة له بالقصة، وقد يطلق عنواناً يكشف نهاية القصة، وقد يترك قصته دون عنوان. ونشير هنا إلى تجربة حياة أبو فاضل في مجموعتها "حياة" وإلى الكثير من قصص ضياء قصبجي القصيرة جداً ونسأل لماذا غابت العناوين؟ أينبع هذا من عدم الشعور باستقلالية النص، أم أن ثمة سبباً آخر؟ كما حاولت بعض القصص على تفاوت في ذلك على أن تفيد من الحوار المشهدي الذي يعطي الحدث سرعته الزمنية الفيزيائية بشكل يطابق الواقع، وهنا لا بد منا الإشارة أن الحوار في القصة القصيرة جداً ليس قسرياً، ولكنه قد يفيد فائدة جمة، وقد تقوم بعض القصص على الحوار فقط، ونشير هنا إلى قصة "معاُ" لليلى العثمان، وهي قصة تجسد التعاون المنتج بين قطبي البشرية (الرجل والمرأة)، ذلك التعاون الذي يمنح الحياة روحها، والشجرة اخضرارها: "قال لها الشارع: - أنا طويل جداً. قالت: - سأمشيك. قال: -أنا وعر مليء بالحفر. قالت: - قوية ولن أتعثر. قال: - ليس بي حانوت لو جعت، ولا بيت لو تعبت، ولا موقد لو بردت، ولا مكتبة لو اشتهيت أن تقرئي. قالت: - سيوجد كلُّ هذا. قال: - كيف؟ قالت: - في نهايتكَ رجلٌ مثلي ينتظر." ومن الطريف أن هذا الاختلاط بين العناصر والتقنيات أخذ شكلاً لافتاً للنظر عند سليم عباسي، إذ جعل الغلاف الأخير من مجموعته القصصية (البيت بيتك) مسرحاً لتصوره النقدي الذي لا يميز ولا يعرّف بقدر ما يفتح الآفاق أمام التساؤلات جديدة. ومن خلال النظر في لوحة الغلاف الأخير تمكن ملاحظة ما يلي: • إن الكاتب لا يفرض نفسه ناقداً ووصياً، بل يرى أن ما قدمه هو "معالم في طريق القصة القصيرة جداً". • إنه يحدد أركان القص القصير جداً كما يلي: - الحكائية. - المفارقة والسخرية. - التكثيف الذي يشمل اللغة والحدث والوصف الشخصيات. • إنه يحدد تقنيات القص القصير جداً كما يلي: - اللجوء إلى الأنسنة (أحياناً). - استخدام الرمز والإيماء والتلميح والإيهام. - الاعتماد على الخاتمة المتوهجة الواخزة المحيرة. - طرافة اللقطة. - اختيار العنوان الذي يحفظ للخاتمة صدمتها. • إنه يخلط بين الأركان والتقنيات. ويبدو أن الخلط بين الأركان والتقنيات ليس مشكلة عباسي وحده بل هي مشكلة كتاب القصة القصيرة جداً ونقادها على حد سواء. * * * لقد أثبت كثير من القصص القصيرة جداً أن هذا النوع الأدبي قادر، بكفاءة، على حمل الهموم الكبيرة: الاجتماعية والوطنية والقومية والإنسانية، إذ إن المتابع لها يدرك مدى حضور قضية فلسطين، والصراع العربي الإسرائيلي، والموقف من سعي النظام العالمي الجديد إلى فرض هيمنته على العالم، وغير ذلك من القضايا، مما يثبت أن قصر القصة لا يعني بالضرورة قصر الرؤيا كما حاول بعض الكتاب أن يستنتج . لقد أدرك كثير من القاصين الذين يتعاملون مع هذا النوع الأدبي حجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم حين أدركوا ضرورة أخذ موقف من كل ما يجري حولهم، ولعل قصة "الناس" للدكتور أحمد زياد المحبك تبرهن أن القصة القصيرة جداً مشغولة بصياغة المواقف لأن من لا موقف له، فهو ليس إنساناً جديراً بالحياة: - كيف أنت والناس ياولدي؟ - كلهم أصدقائي يا جدي. - أنت إذن لا تقدر على تمييز عدوك من صديقك. - ليس لي عدو يا جدي. - إذن ليس لك رأي ولا قول ولا فعل. وتمكن هنا الإشارة، بشكل خاص، إلى قصص أسامة الحويج العمر التي طرحت كثيراً من الرؤى الإنسانية البديعة، يقول أسامة في قصة ( قصر من الضعف): "قام ثلاثة من الأولاد ببناء قصر رائع من الرمل على شاطئ البحر ثم تركوه ضاحكين، وبعد أقل من ساعة تقدم المدّ بإصرار محطماً القصر، وهو يقول: لا مكان للضعيف في هذا العالم" كما تمكن الإشارة إلى قصة "عراق" للقاصة وفاء خرما، وهي قصة تحكي بكثير من الشفافية وجع الشعب العراقي، وكبرياءه في آن: "دخلا دارتهما في بغداد. صاح الزوج: سرقوا كيس الرز! لطمت الزوجة خدها صارخة: بل سرقوا مصاغي.. خبأت مصاغي في كيس الرز! رن جرس الدارة، وقفت بالباب امرأة تمد يدها بصرّة، وهي تهمس في خجل: خذوا ذهبكم أطفالي جياع إلى الرز فقط ". وفي قصة "أمركة" تقدم عبير إسماعيل قصة ذات مدلولات وطنية وقومية، مستخدمة الغناء الشعبي الذي يبدو معادلاً نفسياً لغربة البطل الذي ظلّ رغم كل التذويب الذي عاشه عربي القلب: " لقد استطاعت أن تنتقم من قلبها الذي جعلها تحب عربياً، فعملت على أمركته. كان إكراماً لعينيها يرتدي الجينز، وينتاول غداءه في مطاعم ماكدونالدز، ويتكلم الإنكليزية باللكنة الأمريكية، ويرفع العلم الأمريكي على سارية فوق بيته كبقية المتعصبين. لكنه عندما أصيب بالحمى أثار دهشة زوجته وجميع الأطباء المتحلقين حول سريره، فقد كان يهذي ويغني بلغته، وبصوت قروي حزين: "بي بي الغربة.. الوطن حنونا ". لكن هذا لا ينفي وجود عدد من القصص ذات المضمونات الفارغة التي حولت القصة القصيرة جداً إلى ملحة أو طرفة لا هدف لها إلا الإضحاك، وقد تجلى ذلك في بعض قصص أحمد جميل الحسن، من مثل قصة "مانع" التي يقول فيها: "خطّت له رسالة طويلة جداً، ملأتها بالأشواق والقبل، والرموز والتصريحات، وختمتها: "حبيبي: من شدة حبي لك لم أستعمل حبوب منع الحمل معك، مثلما كنت أستعملها مع غيرك. " ومثل هذا السعي إلى الإضحاك الذي لا طائل وراءه نجده في قصص وفيق أسعد التي ألقاها في الملتقى الثاني للقصة القصيرة جداً، على الرغم من أن هذا القاص استطاع في نماذج قليلة أن يجيد غاية الإجادة مما يشي بإمكانية تطوره إلى قاص مبدع في حال ابتعاده عن الطرفة المجانية، يقول وفيق في واحدة من أجمل قصصه، وهي تحمل عنوان "لغة العصر": "أردت تعلّم النباح. أسكنت معي كلباً صوته جميل. بعد شهور طردته معلناً أنه معلم فاشل، لكن حين اضطررت للامتثال أمام أحد رؤسائي مرة… وجدت نفسي أنبح بإتقان وطلاقة". من هنا نرى أن القصة القصيرة جداً لها أركانها وتقنياتها، ولها موضوعاتها الكبيرة، وهي يمكن أن تؤثر مثل أي نوع أدبي آخر، إذا كتبها كتاب قادرون على رفع شأنها.