نقطة ضوء/كل سبت
علي قوادري
حرية التعبير..حدودها وسلبياتها
..
قال جون ستيوارت ميل (1806-1873) منذ
قرن ونصف: إن السوق الحر للأفكار أمر ضروري حتى يتمكن المواطنون من الفصل بين
الأفكار الجيدة و السيئة
الحرية كلمة صغيرة تتسع لتكون الشغل الشاغل
للكثيرين شعوبا وأفرادا ,مجتمعات ومفكرين ..سؤال طالما راودني أين هي حدود الحرية
؟خاصة حرية التعبير ..يقال أنت حر مالم تضر وقيل أيضا حريتك تتوقف عند حرية الآخرين..
هل حرية التعبير هي حرية مطلقة تتعدى الأخلاق
وتتعدى الآخر فتصفه بأبشع الصور وتزيد اتساعا فيصبح كل شيئ مباح وأقصد هنا الدين
والأخلاق والعادات والتقاليد والمقدس؟؟
نعم لحرية التعبير دورها في بناء المجتمعات
وتفعيل الدور الديموقراطي بدءً بالعائلة ومرورا بالمؤسسات الرسمية منها وغير
الرسمية وهي ضرورة في تحسين عمل الصحافة التي تراقب وتكشف وتعمل
على التوعية وتكوين حس المواطنة..
هناك كتاب ومبدعون ومفكرون وسياسيون ومجرد
أفراد تجرأوا على المقدسات وحدث أن صنعوا شهرتهم على حساب كل هذا كالأخلاق والدين
وحتى الله نفسه والرسول صلى الله عليه وسلم كما فعل مؤخرا الرسام الدانماركي
والفيلم الذي انتج بعده..
كلنا مقتنعون أن للإسلام وللقرآن رب يحميه
ولن ينقصوا شيئا من هذا ولكن لماذا يتم التطاول باستمرار على المقدس/ الاسلام
بالأخص من الآخر ومن المسلم نفسه؟ هل هو ارضاء للوبي معين أم البحث عن الشهرة أم
هو عامل خالف تعرف؟؟؟؟؟
يتطلب الأمر بحثا طويلا تشترك فيه علوم
الاجتماع والنفس والفلسفة وأهل الفكر بعيدا عن كل تهويل واشهار مجاني ودون الدخول
في مزايدات يكثر فيها الهرج والمرج وتتشابك فيها الآراء بالأحقاد وينقسم المحللون
مع أو ضد ..
علينا بكل صراحة أن نتبني مبدأ اللامنتمي و
أقصد الايديولوجية سواء كانت يسارية أو دينية أو علمانية أو اسلاموية ..فالدفاع عن
قيمة ما وجودية هو بالأساس عمل يتطلب الحجة والتسلح بالصبر ..فحين ننتمي لفكر ما
يُغَيَّبُ العقل وتجري العاطفة مجرى يجعل من الرؤية مجرد غبش وتجاذب وتناحر لايسمن ولا
يغني من جوع..
الحقيقة أننا لم نعرف كيف ندافع عن قيمنا ولا
كيفية التمتع بنعمة حرية التعبير فقد اختلط كل شيئ بسب الكبت وبسب صراعات جانبية لها
تأثيرها في تشكيل الفكر الجمعوي خاصة للجزائري الذي يبحث عن ابراز هويته من خلال
تبني فكر لغوي هوياتي يعكس انتماءه الاثني كالأمازيغية وهي مطالب مشروعة لا يمكن
أن تحارب بل يجب ترسيخها كإتجاه وطني حتى لايستغلها ممن يتبنى مبدأ الغاية تبرر
الوسيلة ..
من انتاجات أو افرازات هذا الضغط هناك من تبنى
العداء للعربية والعروبة واستُحِل العداء حتى على الاسلام الدين المشترك واتخذ من
الفرنسية منفى بل وجودية يجب التباهي بها ومحاربة كل الأشكال الأخرى التي تمثل
الآخر هذا الأخير فيه من لم يتقبل ذاك المسكون بلغة المستعمر وراح يناصبه عداء
بعداء بل رفض كل أشكال التنوع اللغوي ولم يكلف نفسه البحث في نقاط الاشتراك وفي
جزائرية مشتركة تعترف بكل اللغات العربية والامازيغية والفرنسية التي يجيدها
مواطنه الجزائري..
نحن أمام مأزق هوياتي خطير أدى لبروز
العصبيات والتطرف وأدى للتخندق غير المعقلن الذي لايشكل جسر تواصل بل قطيعة ترسم
لكل جهة طريقا مختلفا والحوار وحده من يعيد خطوط التماس ويسمح لكل من الطرفين ابراز ذاته التي تكمِّلُ الآخر وليس الهروب والانزواء وراء خطوط امداد وتحريض
لاتخدمنا كوطن واحد تعايشنا فيه لقرون..
لا شك استطاع اللوبي اليهودي أن يشكل
عائقا أمام كل من يحاول أن ينتقد اليهودي عبر التاريخ واستطاع أن يرسم قوانينا
تغرِّمُ بل تسجن كل من يحاول أن يسائل الهولوكوست أو يتكلم عن جرائمهم في غزة وفلسطين
ولبنان وحاول-خاصة في فرنسا-أن يركز الزوم على فرانكوفونية تعمل بالأساس على
التشهير وتقديم كل من يتودد لهم ويكتب على الاسلام والجزائر والعربية والعرب وذلك
بدعوى حرية التعبير ويذهب بعيدا بمنح الجوائز لهذا الكاتب أو ذاك..نعم هناك سياسة
لتشجيع الكتابة بالفرنسية ولكن هناك كتاب رائعون يكتبون دون أن يمسوا بهوية الجزائر
ودون أن يتعاملوا مع الاسلام والعربية بعداء..هي سياسة تحاول رسم صورة سيئة للإسلام
ثم المسلم وتوصيل هاته الصورة النمطية للغرب حتى يبقى تأييدهم مستغلين في ذلك امبراطوريتهم الاعلامية
وسيطرتهم على عوامل تشكيل الرأي العام..
ماذا لو كتب أحدهم على تلك المسرحية التي
أسموها الهوليكوست أو عرى نفاق اللوبي اليهودي أو صور المجازر الكبرى لجيشهم في
غزة على أنه جرائم حرب أو تطرق لتحريفهم للتوراة ؟هل سيرحب به باسم حرية التعبير
طبعا لا ولنا مثال في الراحل جارودي فحين تكلم وقال أن الهولوكوست مجرد كذبة قامت
الدنيا ولم تقعد ووصفوه بالعدو للسامية
. -
للحرية حدودها وإن لم تستحي فافعل ماشئت ولكن للتاريخ غرباله وصيصفي كل شيئ والزبد سيذهب لمزبلة التاريخ مهما صفق له ومهما
أيده المؤيدون وواهم كل دونكوشوت يحاول أن يحارب الاسلام وهو الدين الذي قاوم كل
تلك القرون بل زاد اتساعا ..وواهم من يعتقد
أنه حر أو أن حرية التعبير هي التهجم على لآخر أي كان..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق