المبدع ذاك المُغَيَّبُ
تُعْرَفُ المدينة المتحضرة والمتجذرة في تربة القِدَمِ بسفرائها في مجالات عدة كالرياضة والثقافة
والدين والأدب وأمور أخرى, كما أن لهؤلاء همُّ التعريف والتمثيل الجيد والمُشَرِّفِ.
عبر كل الأزمنة كان للإبداع في مدينتنا شرف التمثيل وكثيرة هي الأسماء
والفرق والوجوه التي كانت شعلة وتعدَّى صوتها حدود المدينة..
الابداع بكل وجوهه الفنية والفكرية والعلمية والأدبية سمة من سيمات أبنائنا
,منهم من وصل حدًّا ورضي بذلك ومنهم من انطفأت جذوته وخبا وهجه مع أول ظهور ومنهم
من يحترق في صمت مجتهدا ومضيئا وكان للعلاقات الملتوية ولعقلية "حمارنا ولا عود " الناس دور
في ابراز اسم على اسم وفي قتل اسم على اسم..
عبر كل تلك المراحل من الظهور والانسحاب , بقيت حلقة التكريم للمبدع خاصة
في الأدب عندنا هي هي لم تتغير منذ أول مجلس تكوَّنَ ,فكان التعييب والتهميش
والرؤية العدائية بل اللامبالاة تسم علاقة الاثنين..
ربما فكرة الثقافة المنحصرة في الغناء وبعض التمظهرات تسيطر على مخيال
البعض فلا يتعدى تصوره إلى أبعد , وإلى
رؤية بعيدة المدى تصنع الأثر الدائم وتحدِّدُ وجه المبدع الحقيقي وتكرمه بما يناسب
عطاءه الذي يجب أن يُكالَ ويُثَمَّنَ بعيدا عن الحقد
والحسد والعقد فالابداع مِنَّة وعطاء من الله سبحانه وتعالى يهبه لمن يشاء
ولعدد قليل من عباده..
إنما المدينة بمبدعيها تُذْكَرُ وتُخلَّدُ ’وبملتقياتها الفكرية والثقافية
فأين نصيب هذه المدينة العريقة من كل هذا؟؟ لماذا يتعمد المارون على كرسي البلدية
والدائرة تهميش المبدعين علما أن عددهم لايتعدى أصابع اليد؟؟؟ هناك من أصدروا
مؤلفات ولم ترسل لهم حتى تهنئة شفوية؟؟ وهناك من مثلوا المدينة في محافل عدة ولا ذكر
لهم...هل السبب في الشخص أم في تركيبة المجتمع وعقلية المسؤول ؟؟؟ ثم أين نصيب
الكاتب المبدع من الأموال التي تصرف هنا وهناك وتمنح لبعض الجمعيات المعتمدة ورقيا
واللاهثة وراء الميزانيات..؟؟ألا يحق لشاعر مثلا أن يطبع له ديوانا ؟أم يجب أن يُنافق
ويلجأ لسلوكات لا تليق به كمبدع وكإنسان له كرامته’؟؟ ماضرَّ لو أن يطبع المجلس
عددا قليلا من الدواوين كل عام أو أعمالا لأبناء البلدة ؟؟؟؟؟
المتتبع للمجتمع الجلفاوي أو النائلي يلمس كرهه وعزوفه وحقده على كل ماله
صلة بالابداع وخاصة الأدب عدا بعض
الالتفات المحتشم للشعر الملحون بسبب التصاقه بالفكر البدوي وبسبب سهولة التواصل
والتعاطي مع الشاعر وحتى في هذه النقطة هناك فشل في طبع الدواوين وتنظيم المهرجانات
التي تليق بمبدعينا وبشعرائنا الكبار..
أصدقكم القول أني غاضب وغاضب كثيرا من كل من تقلدوا المسؤولية بدءا بالمجالس
البلدية ومرورا بالمنتخبين الولائين ووصولا للبرلمانيين من أبناء بلدتي , كل شيء
فعلوه إلا الالتفات لهذا المبدع المهمش ويحضرني هنا ما فعله مير حاسي بحبح السيد السبع
يوما تجاه مبدعي المدينة حيث منحهم شققا رغم كل ما تلقاه من انتقادات ممن يبطنون
السوء والحقد للمبدع..لست هنا بصدد طلب نفس الشيء ,طلبي بسيط وبسيط جدا –وكرامتي
هي من تمنعني أن أطلب هذا مباشرة من أي مسؤول رغم أنه حقي من دولتي الحبيبة – لدي
كما لدى زملائي المبدعين مخطوطات لدواوين وأعمال أدبية تنتظر الطبع وعندكم المال
والقدرة فلتبادروا من تلقاء أنفسكم وأنتم تعرفون جيدا الأسماء القليلة الصابرة
والمحتسبة والمنتظرة ..نعم انتظرنا كثيرا أن تفعلوها يوما ,الانتظار طال والحال
بقي دون تغيير..
لمن يريد أن يبقى أثرا تذكره الأجيال من المسؤولين أن يلتفت للمبدعين
الحقيقيين ,فالمتسلقون لهم أدواتهم ولهم علاقاتهم وأساليبهم لنيل مايريدون , عكس
المبدع الحقيقي والخجول ..ولا أظن أن من الصعب التمييز بين الغث والسمين وبين
المتسلق والمبدع الحقيقي خاصة حين يتجرد المرء من أحقاده وحسده وعقدة ومن سلبية
"حمارنا ولا عود الناس" ففي النهاية المدينة هي التي تنتصر وتنتفع
والابداع هو ما يضئ ويبيتهج والزمن المادي يتلاشى ويصبح نسيا منسيا إلا ما نُحِتَ بماء
الحرف والابداع...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق