المشاركات الشائعة

الأحد، 31 أغسطس 2014

هذا عتاب الحب للأحباب.. قصيدة فاروق جويدة

فاروق جويدة

هذا عتاب الحب للأحباب

لا تغْضَبي من ثوْرَتِي.. وعتابي

ما زالَ حُّبكِ محنتي وعذابي

ما زلتِ في العين الحزينةِ قبلةً

للعاشقين بسحْركِ الخَلاَّبِ

أحببتُ فيكِ العمرَ طفلاً باسما

جاءَ الحياةَ بأطهر الأثوابِ

أحببتُ فيكِ الليلَ حين يضمنا

دفءُ القلوبِ.. ورفقةُ الأصحابِ

أحببتُ فيكِ الأم تسْكنُ طفلهَا

مهما نأى.. تلقاهُ بالترْحَابِ

أحببتُ فيكِ الشمسَ تغسلُ شَعْرها

عندَ الغروبِ بدمعها المُنسَابِ

أحببتُ فيكِ النيلَ يجري صَاخبا

فيَهيمُ رَوْضٌ.. في عناقِ رَوَابِ

أحببتُ فيكِ شموخَ نهر جامحٍ

كم كان يُسكرني بغير شَرَابِ

أحببتُ فيكِ النيلَ يسْجُد خاشعِا

لله ربًا دون أي حسابِ

أحببتُ فيكِ صلاةَ شعبٍ مُؤْمن

رسمَ الوجودَ على هُدَى مِحْرَابِ

أحببتُ فيكِ زمانَ مجدٍ غَابرٍ

ضيَّعتهِ سفهًا على الأذنابِ

أحببتُ فِي الشرفاء عهدًا باقيا

وكرهتُ كلَّ مُقامرٍ كذابِ

إِنى أحبكِ رغم أَني عاشقٌ

سَئِم الطوافَ.. وضاق بالأعْتابِ

كم طاف قلبي في رحابكِ خاشعًا

لم تعرفي الأنقى.. من النصابِ

أسرفتُ في حبي.. وأنتِ بخيلةٌ

ضيّعتِ عمري.. واسْتبَحْتِ شَبَابي

شاخت على عينيكِ أحلامُ الصبا

وتناثرت دمعًا على الأهدابِ

من كان أولى بالوفاء ؟!.. عصابةٌ

نهبتكِ بالتدليس.. والإرهابِ ؟

أم قلبُ طفلٍ ذاب فيك صبابةً

ورميتهِ لحمًا على الأبوابِ ؟!

عمرٌ من الأحزان يمرح بيننا..

شبحٌ يطوف بوجههِ المُرْتابِ

لا النيلُ نيلكِ.. لا الضفافُ ضفافهُ

حتى نخيلك تاهَ في الأعشابِ !

باعُوكِ في صخبِ المزادِ.. ولم أجد

في صدركِ المهجور غيرَ عذابي

قد روَّضُوا النهرَ المكابرَ فانحنى

للغاصبين.. وَلاذ بالأغْرَابِ

كم جئتُ يحملني حَنِينٌ جارفٌ

فأراكِ.. والجلادُ خلفَ البَابِ

تترَاقصين على الموائد فرحةً

ودَمِي المراقُ يسيل في الأنخابِ

وأراكِ في صخب المزاد وليمةً

يلهو بها الأفاقُ.. والمُتصابي

قد كنتُ أولى بالحنانِ.. ولم أجدْ

في ليلِ صدرك غيرَ ضوءٍ خابِ

في قِمة الهَرَمِ الحزينِ عصابةٌ

ما بين سيفٍ عاجزٍ.. ومُرَابِ

يتعَبَّدُون لكل نجمٍ سَاطِعٍ

فإذا هَوَى صاحُوا: «نذيرَ خَرَابِ»

هرمٌ بلونِ الموتِ.. نيلٌ ساكنٌ

أسْدٌ محنطةٌ بلا أنيَابِ

سافرتُ عنكِ وفي الجوانح وحشةٌ

فالحزنُ كأسِي.. والحَنِينُ شَرَابي

صوتُ البلابلِ غابَ عن أوكاره

لم تعبئي بتشردي.. وغيابي

كلُّ الرفاق رأيتهم في غربتي

أطلالَ حُلمٍ.. في تلالِ ترَابِ

قد هاجروا حُزْنًا.. وماتوا لوعةً

بين الحنينِ.. وفُرقةِ الأصحابِ

بيني وبينك ألفُ ميلٍ.. بينما

أحضانك الخضراءُ للأغْرَابِ !

تبنين للسفهاء عشًا هادئا

وأنا أموتُ على صقيع شبابي !

في عتمةِ الليلِ الطويلِ يشدني

قلبي إليكِ.. أحِنُّ رغم عذابي

أهفو إليكِ.. وفي عُيُونِكِ أحتمي

من سجن طاغيةٍ وقصفِ رقابِ

***

هل كان عدلاً أن حبَّكِ قاتلي

كيف استبحتِ القتلَ للأحبابِ ؟!

ما بين جلادٍ.. وذئبٍ حاقدٍ

وعصابةٍ نهبتْ بغيرِ حسابِ

وقوافلٍ للبُؤسِ ترتعُ حولنا

وأنينِ طفلٍ غاص في أعصابي

وحكايةٍ عن قلبِ شيخ عاجز

قد مات مصلوبًا على المحرابِ

قد كان يصرخ: “لي إلهٌ واحدٌ

هو خالق الدنيا.. وأعلمُ ما بي”

يا ربِّ سطَّرت الخلائقَ كلهَّا

وبكل سطرٍ أمةٌ بكتابِ

الجالسونَ على العروش توحَّشُوا

ولكل طاغيةٍ قطيعُ ذئابِ

قد قلتُ: إن الله ربٌّ واحدٌ

صاحوا: “ونحن” كفرتَ بالأرْبَابِ ؟

قد مزَّقوا جسدي.. وداسُوا أعظمي

ورأيتُ أشلائي على الأبوابِ

***

ماعدتُ أعرفُ أيْنَ تهدأ رحلتي

وبأي أرضٍ تستريح ركابي

غابت وجوهٌ.. كيفَ أخفتْ سرَّها ؟

هرَبَ السؤالُ.. وعز فيه جوابي

لو أن طيفًا عاد بعد غيابه

لأرى حقيقة رحلتي ومآبي

لكنه طيفٌ بعيدٌ.. غامضٌ

يأتي إلينا من وراء حجابِ

رحل الربيعُ.. وسافرت أطيارُه

ما عاد يُجدي في الخريفِ عتابي

في آخر المشوار تبدُو صورتي

وسْطَ الذئاب بمحنتي وعذابي

ويطل وجهُك خلفَ أمواجِ الأسى

شمسًا تلوِّحُ في وداعِ سحابِ

هذا زمانٌ خانني في غفلةٍ

مني.. وأدْمى بالجحودِ شبابي

شيَّعتُ أوهامي.. وقلتُ لعَلني

يوما أعودُ لحكمتي وصوابي

كيف ارْتضيتُ ضلالَ عَهْدٍ فاجر

وفسادَ طاغيةٍ.. وغدرَ كِلابِ ؟!

ما بين أحلامٍ توارى سحْرُها

وبريقِ عُمرٍ صارَ طيفَ سَرَابِ

شاختْ ليالي العُمر مني فجأةً

في زيف حلمٍ خادعٍ كذابِ

لم يبق غيرُ الفقر يسْتر عَوْرَتي

والفقرُ ملعونٌ بكل كِتابِ

سِربُ النخيلِ على الشواطئ ينحَني

وتسيلُ في فزعٍ دِماءُ رقابِ

ما كان ظني أن تكونَ نهايتي

في آخر المشوارِ دَمْعَ عتابِ !

ويضيعُ عمري في دروبَ مدينتي

ما بين نار القهرِ.. والإرْهابِ

ويكون آخرَ ما يُطلُّ على المدى

شعبٌ يُهرْولُ في سوادِ نقابِ

وطنٌ بعَرضِ الكونِ يبدو لعبةً

للوارثين العرشَ بالأنسابِ

قتلاكِ يا أمَّ البلادِ تفرقوا

وتشردُوا شِيَعًا على الأبْوَابِ

رَسَمُوكِ حُلما.. ثم ماتوا وَحشةً

ما بين ظلمِ الأهلِ.. والأصْحَابِ

لا تخجلي إن جئتُ بابَكِ عاريا

ورأيتِني شَبَحا بغير ثيابِ

يَخْبُو ضياءُ الشمسِ.. يَصغُر بيننا

ويصيرُ في عَيْني.. كعُودِ ثقابِ

والريحُ تزأرُ.. والنجومُ شحيحةٌ

وأنا وراءَ الأفقِ ضوءُ شهابِ

غضبٌ بلون العشقِ.. سخطٌ يائسٌ

ونزيفُ عمرٍ.. في سُطور كتابِ

رغْمَ انطفاءِ الحُلِم بين عيوننا

سيعودُ فجرُكِ بعدَ طول غيابِ

فلترحمي ضعْفِي.. وقلةَ حِيلتي

هذا عِتابُ الحُبِّ.. للأَحْبابِ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق