الدجاجة والضابط
جمعتنا غديرة -وهو طعام الختان - صديق مشترك،كان متقاعدا ،وسيما حلو المجالسة ،تكلمنا في أمور كثيرة وشد انتباهي ثقافته.
اندهشت قليلا حين عرفت في آخر محادثتنا أنه كان ضابطا في الجيش ولكنه كان شديد التمسك بالعربية بل مدافعا شرسا عنها وشديد الإخلاص للمؤسسة العسكرية ومما حكاه لي هذه الحكاية الغريبة:
كنت مسؤولا على التمويل الغذائي لثكنات عديدة ،والحقيقة أنني كنت آخذ كل ما لذ وطاب إلى البيت من لحوم وخضروات وفواكه...
لكن وبالصدفة مررت على مطعم ،فشد انتباهي الدجاج المحمر-لم يكن البيت يخلو منه وكنت كل يوم احمل إلى البيت دجاجة أو أكثر،وبالصدفة أيضا ، كنت قد سحبت راتبي للتو من البريد ،فإذا بصوت داخلي يدعوني أن اشتري دجاجة لأولادي من حرِّ مالي وأمضي..وبالصدفة أيضا كانت تلك الدجاجة هي وجبة عذائنا يومذاك مع الخبز..
أكلنا كما لم نأكل من قبل بل كنا نتنافس وكأننا قدمنا من مناطق الجوع ولما انتهينا قال لي ابني وهو آخر العرجون:
-أبي لماذا هذه الدذاذة لذيذة لا تثبه أكلنا السابق؟(وهو يقلد ابنه كنا نضحك )
لما سمعت هذا السؤال ،كانت حياتي السابقة كمرآة تصورني كأغبى رجل ،فالآن الآن أدركت سرَّ المقولة التي تقول :
الحلال يرڨ يرڨ وما يتقطعش...
ومن يومها لم ألمس فُتاتا مما كنت مسؤولا عنه ، ومن يومها وأنا أحس بكل لقمة تدخل بيتي وجوفي..
رغم تلك السنوات التي انقضت إلا أن هذا الرجل وحكايته والدجاجة بقيت تلازمني وتفك شيفرة الكثير من النماذج أمامي...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق