نقطة ضوء/كل سبت
علي قوادري
الربيع العربي: مفارقات وأراجيف
هلَّلَ الكثيرون للمتغيرات التي جاءت إثر ماسُمِيَّ
بالربيع العربي، وفرحوا أن عهد الديكتاتوريات ولَّى وسيحل عهد الديموقراطية والعدل
والتناوب على السلطة من خلال شفافية تعيد للمواطن العربي قيمته وتمنحه متنفسا لبعض
الممارسات التي يحددها القانون ويكفل له
حرية فقدها في ظل أنظمة بوليسية قمعية..
لكن بالمقابل انقسم آخرون داخليا وخارجيا
بماحمله هذا التغير ، فهناك من رحب وهناك من توجس خيفة وانتبذ مكانا قصيا يستقرئ
القادم ويطبق سياسة انظر وانتظر..
هذا الربيع العربي جاء بطريقتين في التغيير،
طريقة سلمية كما حدث في تونس ومصر ،حيث غادر الرؤساء الحكم ولكن بقيت الدولة
العميقة لتواصل حكمها وتستعيد سلطتها بعد أن تركت الصناديق تتكلم..ففي مصر لم تدم
فرحة الشعب الذي اختار الدكتور مرسي رئيسا شرعيا منتخبا فكان للخليجيين والاسرائيليين
والامريكيين قولهم وتم سجن الرئيس وفك أسر الديكتاتور وعودة حكم العسكر بفعل اعلام
ومال آل سعود وحلفائهم..
أما في تونس وبعد حكم قصير للنهضة تم عودة
الحرس القديم وذلك بفضل مال وإعلام الاماراتيين والسعوديين ،ولكن كان الانتقال
سلميا ولم يفرز قتلا وسجنا وتنكيلا كما في مصر مع تسجيل عمليات ارهابية قد تؤثر
على السياحة الدخل الرسمي للدولة..
الوجه الآخر للربيع العربي كان بشعا وقاسيا
وحمل الدمار والاقتتال كما هو الحال في ليبيا وسوريا..أما الأولى فكان لحلف الناتو
وفرنسا وقطر قولهم وتم قتل القذافي وقلب الحكم لصالح الثوار لينقلب بعدها آل سعود
والاماراتيين على هؤلاء الثوار ويصبحوا ارهابيين وتصبح هناك حرب بالوكالة بين قطر
الداعمة للإخوان وآل سعود والامارات فيبرز طرفان خفتر ومن سموهم سابقا الثوار
والمجاهدين ضد القذافي ،وتتيه ليبيا في دوامة الحرب..
تماما كما هو حادث في شقيقتها سوريا إلا أن
في الشام الأمر أخطر لأنه اتخذ صبغة طائفية خطيرة مزقت نسيج مجتمع عاش لقرون موحدا
ومتحدا..لاأحد ينكر أن النظام السوري نظاما بوليسيا قمعيا مثله مثل كل الأنظمة
العربية ولكن بفعل فاعل ومنتقم لمواقف بشار الأسد وبحكم قربه من اسرائيل كان
الربيع قاسيا وداميا ومدمرا..
أخيرا في العراق شاء الكل أن يتحد ضد السنة
ممن حاولوا تحرير مناطقهم من هيمنة نظام المالكي المجرم الذي جاء على إثر قتل صدام
ومن المفارقات أن يلتقي من يحاربون بشار ونظامه باسم الطائفية وأنه شيعي وأنهم
يساعدون السنة على قتال السنة المضطهدين من الشيعة فتلتقي السعودية والامارات وقطر
وأمريكا وتركيا واوروبا وايران والحشد الشعبي الشيعي والاكراد وربما حتى الحمير
والكلاب والقطط على قتال السنة باسم الحرب على داعش... وآخر المفارقات أن ترى آل
سعود يتكلمون عن الشرعية في اليمن وهم من سرقوا الشرعية من الشعب المصري..
قد يكون الربيع العربي حلما آخر من أحلام
المواطن العربي ولكن لا أحد يرضى أن يأتي الحلم محملا على دابة أوطائرة أمريكية
ولا دمويا ،فالربيع يبقى مرادفا لتجدد الحياة واخضرار الأرض وانتشار الأزهار مع
عبق النسيم النظيف وطيران فراشات الأمل.. وإلى مفارقات أخرى تحياتي للجميع...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق