المشاركات الشائعة

الجمعة، 27 فبراير 2015

لحبيب السايح.... حقيقة الكتابة في الرواية... الموهبة والصناعة..
من حوار بين لحبيب السايح والسعيد بوطاجين
=====
الكتابة، كما الفنون التي يتحكم فيها الشعور والبصر ويتضافر على تجسيدها العقل والخيال واليد، فعل ما فوق المدرَك. من أين تنبع، كيف تحدث ولما ذا تنحصر حيازتها لأولئك القليلين الذين تتكون منهم الصفوة في كل مرحل من مراحل تاريخ تطور المجتمعات؟
لابد أن علم الوراثة سيتوصل يوما إلى فك الشفرات التي تنظم الموهبة؛ أي القدرات الكامنة ويعمل على إثارتها. وربما استنسخها!
أمثل للموهبة، في الكتابة، بالمعدن الخام النفيس، لا شيء فيه يتطور ولا شيء منه يمكن تطويره: يقولون تنمية الموهبة أو صقلها؟ أقول امتلاك أدوات مناسبة لتشكيل المعدن بحسب ما يخرجه جميلا باهرا!
فالتلازم مرتهن بطبيعة المعدن وبأداء الوسائل؛ أي بالموهبة كعامل حيوي لكل كتابة وفن، وبالصنعة كوعي بمتطلبات التشكيل وكجهد عقلي وعصبي في الصياغة باستعمال تلك الأدوات التي تستلزم إدراكا مسبقا لوظائفها!
إنها، صناعة،، بمفهوم مصطلح محيل على مرجعية معرفية في تراث نقدنا العربي القديم، والتي أسمح لنفسي هنا بأن أؤولها بـ ،،تشكيل،،
فإني أجدني في حيرة الفقير أمام جملة من النصوص الروائية الجزائرية، التي سمحت لي ظروفي بأن أقرأها، تلك المكتوبة بالعربية خاصة، بدءا بالنماذج المؤسسة، أهي صناعة؟
لكني أجرؤ على الزعم بأنه إن كانت تلك النصوص التأسيسية، وهي قليلة جدا، اشتغلت على صناعة الموضوع وصياغة الخطاب ورسم الشخوص وتسييج المكان وحصر الزمن وضفر خيوط الحبكة، أكثر من انشغالها بأهمية التشكيل، فإن غالبية النصوص التي كتبت بعدها أو في ضوئها تبدو لي مفتقرة إلى تلك الصناعة نفسها؛ وإنه لم يعد إذا من المستساغ أبدا أن تتم عملية رسكلة لمواد الكتابة الروائية:
فإما أن يتم تبني مشروع كامل ترتسم طبيعته المختلفة في النصوص التجريبية، ولتكن هنا بالنسبة إلي الدخول في معركة طويلة النفس مع اللغة، كقدر مهيمن على الكاتب، والقيام خلال ذلك بعمليات تقويض منتظمة للخطية وللمحاكاة الذاتية والغيرية والتي ينتج عنها، لا محالة، ما أسميه التشكيل المنحرف عن الخط المؤدي إلى سوق اللغة، موطن الوهم، كمفهوم معبر عن الافتقار إلى حفر الخصوصية، (أتخيل أن هناك بورصة للغة. ولكن كم هو مزعج ذلك التلجلج بها!).
فصناعة الرواية، في تقديري، تفرض على الكاتب امتلاكه السلسلة الضرورية التي تتم بواسطة حلقاتها العمليات اللغوية في حدودها القاموسية والتركيبية والبنائية والمجازية والاستعارية. ولعل آخر حلقة وأهمها هي الحلقة المنجِزة للنظم؛ أي التوازن الإيقاعي للنص، في شعريته، في أُنطولوجياه: حمولة قيمه، في انفتاحه على التأويل وفي بنيته الناجزة.
وإما الاكتفاء بإعادة استنساخ ما تظهره النصوص الأصلية، أو استخراج مشتقات منها؛ فإنه يمكن إقامة مماثلة بين صناعة الرواية وبين صناعة الفن التشكيلي والنحت والموسيقى لتقريب مسألة كون الرواية إما أن تكون نسخة أصلية وإما أن تظل عملا مكرورا بصيغ أخرى توهم بأنها قد تكون الأصل!
وإذا، فصناعة الرواية في الجزائر ـ إذا ما قصدنا الخصوصية ـ لا تزال محل تجريب، ولم تكتمل لها بعد العناصر التي تميزها من الرواية العربية والعالمية؛ نظرا إلى ترددها أمام خيار الطريق الأشق (صناعة الظاهرة) وارتباكها بفعل الاستعجال الذي يقود حتما إلى الاستنساخ وهو ما يشوش بشكل مشين على الكتابة الروائية الأخرى التي تشتغل بوعي لضرورات التأسيس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق