المشاركات الشائعة

الأربعاء، 13 فبراير 2013

 
أسطورة "ڤرّة المعزة" …تعاقب للزمان وتَجَلّ لحدس الإنسان

image صورة من الأرشيف

بين التذكر والنسيان، تتبادر إلى أذهان الفلاحين هذه الأيام مناسبات تعلقت بالمعتقد البسيط الذي سايرته الأجيال على مر التاريخ، معتقدات جسدت الحياة العامة ببساطتها إبان فترة من المظهر والواقع والتاريخ وظلت عالقة بالعنصر البشري في بيئته وتنبؤاته رغم التطور العلمي الحاصل في مجالات الحياة.وهو مجال أكثر مايكون بالحيوي إذا ما تعلق بالطبيعة والأرض وشكل فسيفساء اسمها علاقة الوجود بالموجود ومدى التأثير الحاصل بينهما... إنهما الإنسان  والطبيعة ...المحاكاة و الفجاءة... التنبؤ والتحدي...ثم ركون الطبيعة في الأخير الى حيث انتهى التنبؤ، لتبدأ الحضارة الحقيقية من كوخ الفلاح في جذوتها الأولى تحلق في فضاء التسميات المتعددة لأيام السنة ولتعاقب الفصول وما بينهما من تناسق وتحضر. 
انها" قرة المعزة " تحضر-تصدق-في عز شتاء بارد اتسم بالقساوة تارة وبالرفق تارة أخرى ..وأنا أجالس أحد الفلاحين في وصفه لـ "ڤرّة المعزة" تجلى التفاؤل على محيّاه وهمّ بسرد تراجيدي حصل بين عنصرين في الوجود: إنهما "العنزة" بحيوانيّتها الأليفة وشهر "الناير" -جانفي- بسطوته الطبيعية، أين سخرت العنزة منه في آخر أيامه أقصد في اليوم الواحد والثلاثين ورددت طربا "ياالناير بوعباير ما عندك مادرت". وأخذت تتراقص وتردد ذلك لأنها أحست أن الشتاء انقضى لكن حدث مالم يكن في الحسبان إذ خاطبها بالقول "يا المعزة ياو جه النار، نسلفلك ليلة ونهار من فورار، نديرلك قرونك في النار"... انه تحدّ صارخ تتجلى فيه العلاقة الحقيقية بين الكائنات على اختلاف كينونتها، وان اتسمت الحكاية بروح الدعابة الحوارية الصادقة إلا أنها في الواقع من نسج الخيال المتفرغ حينذاك للرصد والحضور.
و يواصل جليسي قائلا "هذا اليوم -ڤرّةالمعزة- حدده الأوائل -الكبار على حد قوله- بتاريخ الثالث عشر من شهر فيفري. أي أن اليوم والليلة اللذين سيعيرهما شهر "الناير" للعنزة من شهر فورار سيكونان ليلة الثالث عشر واليوم الموالي له " ليلة 12 فيفري -الليل- ويوم 13 فيفري - النهار-". ليعاوده التفاؤل مرة أخرى فيقول "ڤرّةالمعزة أولها نار وأخرها نوار" بمعنى نحسب لها ألف حساب و نعدّ لها العدة من مأكل ومشرب وكل ماله علاقة بالتدفئة وحياة البراري.
الحديث عن "ڤرّة المعزة" يقودنا إلى التسمية، فكلمة "ڤرّة" بالمصطلح العامي المتداول تعني الأيام شديدة البرودة التي يتخللها هطول الأمطار وتساقط البرد والثلوج وانتشار الصقيع…هاته العوامل الطبيعية لها علاقة مباشرة بالإنسان والحيوان.  فالإنسان يحاول تطويع الظروف المناخية بإمكانياته المتوفرة والمتاحة له، في حين تتسبب مثل هكذا "ڤرّة" -عوامل طبيعية- في نفور بعض الحيوانات كحيوان الماعز الذي لا يقاوم شدة البرد. 
وإسقاطا على واقعنا هذه الأيام فقد تجلت العوامل الطبيعية المذكورة سلفا من أمطار وثلوج وصدق الأولون في ثقافتهم البسيطة وتحولت تلك الأسطورة إلى موروث اجتماعي تتداوله الأجيال كبطاقة هوية تمنح الإنسان درجة الامتياز التي أعطاه الله إياها كي يذلل بها كل عقبة في طريقه، مستخدما الأسطورة وأسلوب القصص ثم العلم والتنبؤ -الحدس- ولكن دائما بإرادة إلهية. 
جليسي يعاودني الحديث وكله أمل بسنة فلاحية تكون خيرا على الجميع ورحنا نتجاذب أطراف الكلام حول الموقد المشتعل ...
عدد القراءات : 683 | عدد قراءات اليوم : 264

التسجيل في تتبع التعليقات التعليقات :
(6 تعليقات سابقة)

سفيان 22 ساعة 58 دقيقة مضت
بعد التحية و السلام
تعايش الاباء و الاجداد و احتكاكهم بالطبيعة اكسبتهم خبرة و فهما فاق التكنولوجيا احيانا .
محمد 22 ساعة 14 دقيقة مضت
السلام عليكم شكرا جزيلا على كل هذاالوصف الرائع للمبدع الاستاذ عيسى خبيزي حقا ان ( قرة المعزة) مصطلح توارثناه ابا عن جد لكن لم تاتي الفرصة لسماع السبب الذي ادى الى هذه التسمية بالذات مرة اخرى نشكر الكاتب ونتمنى ان تكون هناك مقالات مماثلة لان تراثنا ثري جدا وفيه من الحكمة ما لا نجده في مكان اخر.
bahidz 21 ساعة 27 دقيقة مضت
موضوع في وقته
متابع 8 ساعة 32 دقيقة مضت
رووووووووووووعة وصف ولا أحلى بارك الله فيك أستاذنا عيسى
س ن 7 ساعة 52 دقيقة مضت
قال الشيخ مفتي الجلفة.أن السنة الشمسة فترة تستغرقهادورة الأرض حول الشمس ومدتها365 يوم و5 ساعات و48 دقيقةو46 ثانية،وقد حذفت الكسور وأضيفت إلى شهر فبراير من السنة الكبيسة لتصبح عددأيام السنه 366 يوم قال:وهي تاريخ عريق ثابت أقره الإسلام في بعض تشريعاته وهو تاريخ يعتمدوكان يشار إليه في اليوميات الورقيةوتحتفل به الساكنة العربية والأمازيقيةوالمصرية إلى الآن في البوادي والأرياف والمداشر والمدن.وهو تاريخ هام من حيث الفصول والاعتدال والانقلاب والكبس والغرس والحرث والتلقيح والزبير وجذاذالصوف والوبر والثمار.ومن حيث نجوم الأسعدوالنجوم والمرزم والثريةوالبدلة والشولة والنعايم والقرر والفطيرة والحسوم والنيسان والسمايم.ومن حيث الحل والترحال والبناءوالشروق والغروب ومواقيت أقدام الصلاة.ومواقيت مجيء الساعي.وقد كان مشايخنا يحفظون متن ما يسمى بـ"السوسي" وعليه شروح كما قد ألف ابن يونس والخوارزمي وابن الهيثم والمراكشي والطوسي وابن الشاطر وغيرهم فيه.قال:والعجيب أن يتنكر لهذا التأريخ كثير من فئات المجتمع وهو شيء موجودلابد من معرفته
نشكر جريدتنا الالكترونية الجلفة انفو وكل طاقمها على هذا العرض التفصيلي لاحدى التسميات السائدة في المنطقة فقط نذكر أقلام الجلفة انفو بضرورة تقصي كل الموروث الاجتماعي والثقافي الذي تزخر به بلدتنا ولما على المستوى الوطني لأن الجزائر قاطبة غنية بعناصر الهوية الحقيقية...شكرا مرة أخرى لأقلام الجلفة انفو
المجموع: 6 | عرض: 1 - 6

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق