المشاركات الشائعة

الاثنين، 25 فبراير 2013


 شاهقة الاسوار
د. سمير العمري

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
تِلكَ الرُّبَى فِي بُرُوجِ الشَّوقِ لَمْ تَعُجِ=تَدُورُ بَينَ الرُّؤَى نَضَّاحَةَ الأَرَجِ
ضَمَمْتُهَا فِي عُيُونِ الحُبِّ مُبْتَسِمًا=وَفِي الشِّغَافِ شَظَايَا القَلْبِ فِي نَشَجِ
هَاجَتْ حَمَائِمُ مَفْؤُودِ الهَوَى فَهَجَتْ=أَسْبَاطَ شَوْقٍ فَلَمْ يَهْجُوا وَلَمْ يَهِجِ
وَمَا اهْتِيَاجُ فُؤَادٍ أَوْ هِجَاءُ نُهَى=إِنْ كَانَ أَوهَى الأَسَى بِالوَجْدِ قَلْبَ شَجِي
وَدَّعْتُ قَبْلَ النَّوَى رُوحِي وَقُلْتُ لَهَا=يَا رُوحُ كُونِي هُنَا مَا غِبْتُ وَابْتَهِجِي
كُونِي هُنَا فِي رُبَى الأَحْبَابِ حَائِمَةً=حَوْلَ المَنَازِلِ فِي صَفْوٍ وَفِي رَهَجِ
إِيَّاكِ أَنْ تَهْجُرِي دَارَ العُلا جَزَعًا=وَإِنْ تَحُزُّ بِسِكِّينٍ عَلَى الوَدَجِ
فَمَا الحَيَاةُ مَعَ الأَحْرَارِ فِي مِقَةٍ=كَمَا الحَيَاةُ مَعَ الأَشْرَارِ وَالهَمَجِ
هُنَا الْتَقَينَا بِأَسْبَابِ السُّرُورِ عَلَى=أَرَائِكِ البِرِّ وَالإِيثَارِ وَالبَلَجِ
نُرَوِّحُ الجِدَّ هَزْلا غَيرَ مُبْتَذَلٍ=وَنَشْرَبُ الوُدَّ كَأْسًا غَيرَ مُمْتَزجِ
فِي خَانِيُونُسَ فِي الزَّيتُونِ فِي رَفَحٍ =فِي الشَّيخِ رِضْوَانَ فِي التُّفَاحِ فِي الدَّرَجِ
فِي شَاطِئِ العِزِّ فِي عَبْسَانَ فِي مَعَنٍ =فِي كُلِّ حَيٍّ وَإِقْلِيمٍ وَمُنْعَرَجِ
لَمَّا سَرَيْتُ أُرِيدُ المعْبَرَ اغْتَرَبَتْ=عَنِّي الوُجُوهُ وَغَارَ الدَّرْبُ بِالدَّلَجِ
أَمْسَيتُ فِيهِ كَمَا أَصْبَحْتُ مُنْتَظِرًا=صَكَّ الخُرُوجِ فَمَا نلْنَا سِوَى الحَدَجِ
فِي بِضْعِ مِتْرٍ قَضَينَا اليَومَ فِي عَنَتٍ=مِنْ غَيرِ عُذْرٍ سِوَى الإِذْلالِ وَالنَّفَجِ
كَأَنَّ شَاهِقَةَ الأَسْوَارِ قَدْ أَمِنَتْ=نَصْلَ العَدُوِّ وَخَافَتْ وَصْلَ ذِي وَشَجِ
تُشَيِّدُ السُّورَ بِالفُولاذِ فِي هَلَعٍ=وَتَسْتَعِينُ بِمَاءِ البَحْرِ فِي الفُرَجِ
وَتَبْقُرُ الأَرْضَ أَمْتَارًا عَلَى حَرَضٍ=لِتَنْسِفَ النُّورَ فِي الأَنْفَاقِ وَالسُّرُجِ
فِيمَ الحِصَارُ وَفِيمَ الخَوفُ فِيمَ دَمٌ=يُرَاقُ ظُلْمًا بِزَعْمٍ كَاذِبٍ ثَبِجِ
إِنْ كَانَ حُوصِرَ حَقُّ النُّورِ فِي مُقَلٍ=فَلَنْ يُحَاصَرَ نُورُ الحَقِّ فِي المُهَجِ
وَمَا يُبَلَّغُ بِالتَّدْلِيسِ دَرْبُ هُدَى=وَمَا تُسَوَّغُ كَفُّ الغَدْرِ بِالحُجَجِ
وَقَدْ عَلِمْتُمْ لَوِ البَوَّابَةُ انْفَرَجَتْ=لَمْ يَبْقَ مِنْ نَفَقٍ يُرْجَى وَلَمْ يَرُجِ
يَا مَنْ يُصَادِرُ حَتَّى العَذْلَ عَنْ شَفَةٍ=وَيَدَّعِي البَوْنَ بَينَ الرَّحْمِ وَالمَشَجِ
لا يُدْرِكُ الرَّغْدُ قَدْرَ المَاءِ فِي قُلَلٍ=حَتَّى يُجَرِّبَ لَفْحَ الحَرِّ وَالأَمَجِ
لَمْ يَفْسُدِ المِلْحُ لَكِنَّ التِي فَسَدَتْ=كَفٌّ تَدُسُّ جُحُودَ المِلْحِ فِي الضَرَجِ
مَا نَفْعُ خَائِبَةِ الآمَالِ إِنْ لَطَمَتْ=خَدًّا وَشَقَّتْ جُيُوبَ العَجْزِ وَالزَّعَجِ
وَمَا مَعَانِي اعْتِبَارِ الأُخْتِ إِنْ رَقَصَتْ=عَلَى الجِرَاحِ وَخَانَتْ سَاعَةَ الحَرَجِ
وَمَا اجْتِهَادُ حَكِيمٍ قَالَ مَوْعِظَةً=لِمَنْ يُوَافِقُ مَجْذُوبًا عَلَى لَحَجِ
وَخَائِضٍ فَوْقَ عَرْشٍ غَيرَ مُنْتَخَبٍ=سَاسَ البِلادَ بِلأْيِ الرَّأْيِ وَالهَرَجِ
تَرَاهُ يَعْبِسُ كَي تَخْفَى سَفَاهَتُهُ=فَإِنْ تَحَدَّثَ بَانَتْ سَحْنَةُ الهَوَجِ
مَا انْفَكَّ يَكْذِبُ حَتَّى ظَنَّ أَنَّ لَهُ=حُكْمًا وَعِلْمًا وَرَأْيًا غَيرَ ذِي عِوَجِ
فَلَيسَ أَرْذَل عِنْدَ النَّفْسِ مِنْ وَقِحٍ=وَلَيسَ أَثْقَل مِنْ مُسْتَظْرِفٍ سَمِجِ
يَقُولُ: إِنَّ السَّلامَ اليَوْمَ مَنْهَجُنَا=وَبِالتَّفَاوِضِ كُلُّ الحَقِّ سَوْفَ يَجِي
فَاخْفِضْ جَنَاحَكَ وَاكْسِرْ صَاغِرًا قَدَمًا=تُرْضِ العَدُوَّ وَتُبْطِلْ عَدْوَةَ الحِجَجِ
يَا فِتْنَةً مِنْ شَرَابِ المَينِ مَا ثَمِلَتْ=وَهَلْ جَنَيْتَ مِنَ التَّسْلِيمِ وَاللَجَجِ؟!
إِنْ كَانَ يُخْفِقُ ذُو السَّاقَينِ فِي أَرَبٍ=فَكَيفَ يَسْبِقُ فِي المِضْمَارِ ذُو عَرَجِ؟
وَإِنْ هَجَوتَ أُبَاةً قَاوَمُوا وَرَمَوا=فَكَمْ أَبِيٍّ عَلَى حُسْنِ الفِعَالِ هُجِي
لِيَهْنَ قَوْمٌ سَرَوا لِلفَجْرِ فِي ثِقَةٍ=وَأَبْحَرُوا ضِدَ عَصْفِ الرِّيحِ وَاللُجَجِ
زَوَاهِرٌ فِي الوَرَى جَلَّتْ فَلاحَ لَهَا=فِي مَفْرِقِ النَّصْرِ مَعْنَى غَيرَ مُخْتَلِجِ
خُذِ الأَدَاةَ وَدَعْ مَنْ لاتَ لَيسَ لَنَا=إِلا الثَّبَات وَيَأْتِي اللهُ بِالفَرَجِ

الخميس، 21 فبراير 2013



ياسردون ..كنا هنا

شعر /علي قوادري

"سردون" يا فخر الألى يا مَعْلَما=كنّا هنا  نتلوا الجهاد عوالما
كنّا هنا نروي الثرى شهْد الدما=كنّا هنا نُهْدِي الزمان ملاحما
فلتسألوا عنّا رصاص نفمبرا=ولتسألوا عنّا العِدى سلوا السما
والشيح والسدرة الفيحاء في ال=غاب الصديق وبعض مِسْكٍ قد همى

نحن الأسود بواسل جئنا الردى=نشتاقه جئنا الخلود مواسما
كنا هنا "سردون" معطفنا وكا=ن رصاصُنا لحنا سرى وتمائما
أرواحنا فُلْكٌ تهادى واثقا=نحو الخلود وسار عزّا دائما
فغدا جنون الموت عشقا واصبا= وغدا صليل السيف عطرا ناعما
يا ليلة شهد الصقيع عناقها=كتب السلاح صدى قتالٍ حالما
ينثال في الأجواء صوتا هادرا=الله أكبر حصد الشهيد جواجما
ولتشهد الأزمان أنّا نقتفي =عِطْرَ الشهادة  فِتْنَةً ومغانما
" سردون" جئنا نلتقي تاريخنا= فعلام يبقى في حضورك صائما 
وعلام يمضي جيلنا وترابنا=ينزاح عن شهداء أمْسٍ نائما؟

"سردون" يا جبلا ينوء برحلة= احك(ي) لنا كمْ كان علج واهما
واحك(ي) لنا فجر المعارك مَشْهَدًا=وخسارة العدوان أفضى نادما
كانوا هنا صلّوا هنا ماتوا هنا=فضحوا فرنسا في الدنا وجرائما
كانوا هنا فحماهم ربّ العلا=كانوا هنا ما بدلوا أبدا وما
خافوا وما وهنوا رجال في الوغى=عَشِقوا البطولة حِرْفَةً ومكارما

سبحان من أهدى قلوبا نَفْرَةً= سبحان من كان النصير العاصما
سبحان ربي كنت في البلوى هدى=يا واهبا سرّ البقا يا راحما
حمدا كثيرا لست أنسى نصرة=حمدا هزمنا الاحتلال الظالما
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سردون =اسم جبل بالقرب من الادريسية وقعت فيه معركة بين مجاهدي الولاية السادسة والجيش الفرنسي يوم 19 فيفري 1959


الاثنين، 18 فبراير 2013

جمعية الأدارسة للفن و التراث بالادريسية تحيي الذكرى المزدوجة ليوم الشهيد ومعركة سردون18/19 فيفري
ارتأت جمعية الأدارسة بقيادة رئيسها السيد سعدي مصطفى والمكتب المصاحب له إحياء لهذه الذكرى الخالدة تسطير برنامجا ثريا تميز بما يلي
الاثنين 18 فيفري
8 صباحا التوجة إلى مقبر الشهداء لقراءة الفاتحة على ارواح شهدائنا البررة.
8.30 التوجة برفقة السلطات المحلية إلى المكتبة البلدية قصد
*التعريف بذكرى يوم الشهيد ومعركة سردون(معركة محلية حدثت بالقرب من مدينة الادريسة في جبل سردون)
*تكريم بعض أبناء الشهداء في المنطقة.
بالموازاة كان هناك معرضا تقليديا تعريفيا بماتزخر به المنطقة من تراث من تنظيم لجنة المرأة التابعة للجمعية ومن أهدافها تشجيع المرأة على ابراز مواهبها وتحدثنا مع نائبة الرئيس فكان طموحهن كبيرا حيث أعربن عن رغبتهن بالحصول على مقر مناسب يتلائم ونشاطهن واهدافهن وطالبن بالدعم المعنوي والمادي في خطوة لارساء تقاليد تشجعهن على الانتاج والحفاظ على الموروث الثقافي النائلي

ومن المشاريع مشروع متحف يحافظ على تراث المنطقة وكما كان لنا حديث مع الرئيس السيد سعدي وحدثنا عن أهداف الجمعية ومنها
ترقية النشاطات الثقافية والمسرحية باقامة معارض وعروض وأمسيات شعرية وندوات ثقافية والأهم كما قال الحفاظ على التراث الشعبي..وكانت لنا جولة في المعرض شد انتباهنا تلك المعدات التي لم نعد نستعملها وقد كانت في الماضي من الأثاث ومكونات البيت النائلي والأكثر الصناعات التقليدية ..ونترك الصور تتكلم






























بالنسبة ليوم الثلاثاء 19 فيفري تم تسطير الآتي
*9 إلى 13 ملتقى شعري قراءات شعرية بقاعة الحفلات
*تكريم الشعراء
*معرض لصور ومعلقات لبعض مجاهدي المنطقة
في الأخير تحية تليق لهاته الجمعية ولأعضائها المميزين بأفكارهم وحيوتهم ونتمنى لهم كل الدعم المعنوي والمادي وأن لاتتوقف مسيرة نشاطاتهم.

الخميس، 14 فبراير 2013

 
الطريق إلى عالم مالك بن نبي الفكري

بقلم: الأستاذ الطيب برغوث
منذ فترة ليست طويلة دخلت الساحة الثقافية الإسلامية الحركية المعاصرة بالخصوص، أسماء فكرية لامعة، ومفاهيم فكرية جديدة، بعد أن ظلت تعاني من التهميش والإقصاء والتغييب، بأساليب مختلفة ووسائل متعددة، وقد كان لذلك أثره السلبي الكبير على بعض نواحي حركة التغيير والإصلاح والتجديد الذي حاولت حركات الإصلاح والتجديد المعاصرة القيام به في أقطار إسلامية مختلفة.
وكان دخول هذه الأسماء والأفكار المهمشة إلى الساحة الثقافية عامة والحركية منها خاصة، إيذانا بتطور نوعي في غاية الأهمية، بالنسبة لعمليات:
* التأصيل الفكري التكاملي: المنفتح على الخبرات المعرفية المختلفة في الثقافة الإسلامية، التي ظلت مستقطبة بحدة، بالخبرة الفقهية المذهبية المنكفئة على نفسها، وبالخبرة الصوفية المستغرقة في الذوقية الذاتية السائلة، وبالخبرة الفكرية والسياسية الإقصائية المستلبة، التي انفصل بعضها عن بعض، ولم يتمكن من مكاملة مجاله مع بقية المجالات المعرفية الأخرى.
فبعض هذه الأسماء والأفكار التي دخلت الساحة الثقافية الإسلامية المعاصرة، لم تكن تعيش أو تعاني من هذه الانفصامية أو الازدواجية المتنافرة، بل كان فكرها منفتحا على كل ما في هذه الخبرات من رشد وحكمة، فأعطت للتأصيل الفكري شموليته وتكامليته وتوازنه المطلوب، باعتبار التأصيل يعني محاولة مطابقة الفكر والسلوك والأداء، مع سن الله في الآفاق والأنفس والهداية والتأييد، وليس سننه في الهداية فقط كما هو شائع في ثقافتنا التراثية أو السلفية عامة، أو سننه في الآفاق أو الأنفس، وحدها كما هو سائد في ثقافتنا المحدثة أو العقلانية كما يحلو لممثليها أن ينعتوا بها أنفسهم.
* والوعي الحضاري: المنفتح على رشد وحكمة الخبرات البشرية في حقولها المعرفية والوظيفية المختلفة، واعتبار ذلك كسبا بشريا مشتركا، وميزانية تسخيرية عامة، من حق، بل قد يكون من واجب كل إنسان أو مجتمع، أن يستثمرها في تلبية حاجاته، وتعزيز قدراته على المواكبة أو المنافسة أو الريادة الحضارية من ناحية، وعلى التواصل التكاملي مع بقية اهتمامات وهموم البشر الآخرين المعاصرين له.
* والتأهيل المنهجي: الذي يمنح تفكير المسلم وسلوكه وأداءه منطقية سننية منسجمة مع سنن الله في الآفاق والأنفس والهداية والتأييد، ولا تصادمها، باعتبار سننية التفكير والسلوك والأداء، أساسا وشرطا ضروريا لأصالته وفعاليته واطراديته.
* والفعالية الإنجازية: التي تمنح أداء الفرد والمجتمع والأمة، قدرات تنفيذية عالية متجددة، على مباشرة أداء مهام تدبير شئون المجتمع، ورفع وتيرة فعالية الدفع الاجتماعي والحضاري للأمة إلى مستوياتها النموذجية التي تمكن الأمة من تحقيق ذاتها، والتكفل بحاجاتها، ومواجهة التحديات والأخطار التي تحيط بها.
* والوعي الوقائي الاستراتيجي: الذي يستشرف الأخطار، ويستبقها بالوقاية المبكرة، ولا يمنحها أية فرصة للكمون أو الاستفحال المرضي المنهك أو القاتل.
مالك بن نبي نموذجا
ومن بين هذه الأسماء اللامعة التي دخلت الساحة الثقافية الإسلامية المعاصرة، وأدخلت معها منظومة مفاهيمية ومنهجية كاملة، الأستاذ " مالك بن نبي" رحمه الله. الذي ظل فترة طويلة من الزمن يعاني التهميش والإقصاء والتغييب، سواء على مستوى الحركة الإسلامية، أو الحركة التحديثية كما يحلو لأصحابها أن ينعتوا بها أنفسهم.
وكما هي سنة الله دائما، فإن الصواب و الصحيح والحق لا بد أن يظهر، ويكتب له الذيوع والتمكين و الخلود و لو بعد حين، كما قال تعالى: {فأما الزبد فيذهب جفاء و أما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض} (الرعد: 17).
فمالك بن نبي بعد هذا التهميش والإقصاء والتغييب، أخذت أفكاره تحتل موقعها الحيوي في الساحة الثقافية الإسلامية المعاصرة، وتعرف طريقها تدريجيا إلى الأجيال الجديدة في العالم الإسلامي، التي تزداد تجاوبا معها، ووعيا بأهميتها الإستراتيجية، وتحمسا إلى تبنيها، ومراجعتها، وتطويرها، بل ومحاولة تجاوزها، والانتفاع بها في تأصيل الوعي الرسالي، وتحسين أداء حركة البناء الحضاري للأمة، و مواجهة تحديات بعض جوانب الانحطاط المعاصر في أبعاده الذاتية والإنسانية.
ونحن نعتبر أن دخول منظومة مالك بن نبي الفكرية إلى الساحة الثقافية الإسلامية المعاصرة، مكسبا استراتيجيا كبيرا لحركة البناء الحضاري للأمة، سيكون له ما بعده على صعيد:
التأصيل الفكري
والوعي الحضاري
والتأهيل المنهجي
والفعالية الإنجازية
والوعي الوقائي
كمقدمات شرطية، وآليات فكرية ومنهجية ضرورية، لإنقاذ جهود التجديد الحضاري للأمة، من الدوامات المهلكة، التي أدخلته فيها مشاريع الأزمة، وسياسات تنمية التخلف، والعقلية المستلبة تراثيا، التي تستأنس بالأموات و تستغرق في خوض المعارك معهم أو ضدهم، أكثر مما تستأنس بالأحياء و تحسن محاورتهم و محاولة استيعابهم، ومساعدتهم على الانخراط في إنجاز مشروع التجديد الحضاري للأمة.
خصوصيات التجربة الفكرية لمالك بن نبي
فما أنضجه مالك بن نبي من مفاهيم فكرية، وأرساه من منهج تفكير، وطرحه من إشكاليات في فقه التخلف والانحطاط الحضاري من جهة، وفي فقه النهضة والبناء والتجديد الحضاري من جهة أخرى، لم يكن في مجمله من نوع ردود الأفعال المتسمة بالظرفية والجزئية والاستعجالية والسطحية.. بل كان من النوع الاستثنائي في عبقريته، الذي يتجاوز كل هذه الضغوطات والعوائق الموضوعية، إلى استيعاب حركة البناء الحضاري في أبعادها الشاملة؛ التاريخية منها والآنية والمستقبلية.
فمالك بن نبي وبالرغم من ارتباطه الشديد بواقع المجتمع والأمة، وانطلاقه في دراساته وتطلعاته، من همومهما واهتماماتهما، إلا أن ذلك لم يغرقه في الجزئية الإجرائية اليومية، أو التبريرية المخدرة، أو الانتقادية الأيديولوجية المتحيزة، بل ظل اهتمامه منشدا إلى التأصيل الفكري والمنهجي، ومحاولة استخلاص السنن الفاعلة في الظاهرة الحضارية، في حالة قوتها وامتدادها وتألقها، وفي حالة ضعفها وانحسارها وأفولها، ولا يكتفي بالوقوف عند مجرد رصد مساراتها، و تسجيل مآلاتها، بطريقة وصفية تقريرية ساكنة، كما هو شأن الكثير من الدراسات والبحوث الإسلامية القديمة و الحديثة، التي استغرقها المنهج الوصفي التسجيلي على حساب المنهج النقدي التحليلي، والمنطق التبعيضي أو التجزيئي الذري على حساب المنطق التكاملي الشمولي المستخلِص للسنن والقواعد الكلية الناظمة لمفردات حركة الحياة الاجتماعية.
لقد تمكن مالك بن نبي بعبقريته الفذة أن يتجاوز عقبات الظرفية والجزئية، والتبسيطية الفجة والسطحية العائمة، ومنطق الأيديولوجيا والبوليتيك، لينفذ إلى أعماق الظاهرة الحضارية، ويدركها في إطارها الشمولي، وينظر إلى مكوناتها في سياقها التكاملي العضوي، ويستخلص منها القوانين والسنن العامة، التي تحكم حركة نشوئها و توازنها وضعفها واختلالها، ويفحص من خلالها تاريخ الأمة والإنسانية، في تألقهما وتقهقرهما، و يدرس على ضوئها، بعمق وموضوعية، حركة النهضة الإسلامية الحديثة ويقيِّمها، ليصل في نهاية المطاف إلى ملاحظات واستنتاجات دقيقة في غاية الأهمية، ما انفك الواقع الإسلامي يؤكد الكثير منها مع مرور الزمن.

نماذج من تأثير مالك بن نبي في مسار الصحوة الإسلامية المعاصرة
هذا المنهج المتميز في التعاطي مع هموم المجتمع والأمة والإنسان، كانت له أهميته البالغة وتأثيره الكبير في أجيال من النخبة المثقفة في بلاد إسلامية شتى، نود أن نشير هنا إلى ثلاثة نماذج فكرية متميزة منها، من نماذج فكرية كثيرة جدا، تأثرت بفكر مالك بن نبي وتبنت منهجيته العامة في تحليل الظواهر الثقافية والاجتماعية والحضارية وتفسيرها.
وهم الأستاذ جودت سعيد، والشيخ راشد الغنوشي، والدكتور حسن دسوقي، وكيف حدث التحول الفكري في حياتهم، على طريق " المدرسة المقاصدية السننية التكاملية " في الفكر الإسلامي، التي يعد مالك بن نبي بحق أحد أهم روادها المعاصرين بعد ابن خلدون.
وقبل أن نشرع في استعراض شهادات هؤلاء المفكرين الثلاثة، ينبغي لنا أن نشير إلى دور أستاذنا الكبير الدكتور عبد السلام الهراس الذي يعتبر جسرا أساسيا إن لم يكن فعلا الجسر الأساس الذي عبر عليه فكر مالك بن نبي نحو أجيال الصحوة ابتداء من منتصف الخمسينات من القرن الماضي، حينما تمكن من اكتشاف مالك بن نبي في القاهرة، ونجح في جمع بعض الطلبة من أقطار عربية وإسلامية مختلفة حوله، فكان ذلك سببا مباشرا لترجمة كتب مالك بن نبي وانتشارها في العالم العربي، ومنها إلى بقية العالم الإسلامي.
كما لا بد أن نشير كذلك باقتضاب، إلى التأثير المباشر لمالك بن نبي في جيل كامل من النخبة الجامعية في الجزائر، وفي مقدمة هؤلاء د. عمار طالبي، ورشيد بن عيسى، ود. سعيد شيبان، وعبد الوهاب حمودة، ود. محمد جاب الله، ود. محمد بوجلخة، ود. عبد اللطيف عبادة، والشيخ محمد السعيد، ود. سعيد مولاي ود.مصطفى براهمي.. وغيرهم كثير، ممن كانت لهم علاقة مباشرة بمالك بن نبي، وحضور مستمر في ندواته الفكرية، وتأثير في أجيال تالية من النخبة الجامعية الجزائرية التي لم تحظ باللقاء والأخذ المباشر من مالك بن نبي.
فالأستاذ جودت سعيد
المفكر الإسلامي السوري الكبير، الذي أثرت كتاباته في قطاعات واسعة من حركة الصحوة الإسلامية المعاصرة، ولا زالت تؤثر، يذكر بأن تحولا فكريا ومنهجيا كبيرا حدث في حياته، عندما وقع في يده كتاب " شروط النهضة " لمالك بن نبي، بعد تخرجه من الأزهر، فكان ذلك المحطة الكبرى في مسيرته الفكرية كما يقول: " أول مرة لم أفهم جيداً ماذا يريد، ولكن أحسست بنموذج جديد للفهم والتحليل. فقرأت وقرأت ودرست. بعد ذلك كنت أقرأ كل كتاب كان يصدر له بتأمل حرفاً حرفاً، سطراً سطراً، أجمع المتماثلات المبعثرة في كتبه من أماكنها وأقربها للنظر، ثم أبعدها وأتأمل فيها. ربما قرأت كتاب الأفريقية الآسيوية أكثر من ثلاثين مرة، وكنت أبدأ عند تدريسه بالفصل الخاص بالأفريسيوية والعالم الإسلامي، وأعظم ما أثر فيَّ فكرة " القابلية للاستعمار". هذا المفهوم كبير وينبغي أن يكبر أكثر مما عند مالك.
إنه المفهوم القرآني {ما أصابك من سيئة فمن نفسك}. إن مالكاً شذ عن النغم الذي كنا تعودنا سماعه عند الأفغاني وعبده وحتى إقبال. كم صدمني هذا حين حول نظره عن لوم الأعداء: الاستعمار، الإمبريالية، الصليبية، الصهيونية، الماسونية، وكل الأعداء. حيث لم يكن متدين أو علماني يقف على منبر إلا ويلقي اللوم والتبعية على الآخرين المذكورين كلهم. ولكن ما أشد خفوت الصوت والكلام عن سيئاتنا التي تمكن الآخرين من التلاعب بنا- هذا إن وجد صوت وكلام عن سيئاتنا. هذه فكرة عملاقة.. إنها تغيير في توجيه المسؤولية، وكم كان مفاجئاً لي لما قال : إن العالم الإسلامي حين يلتقي في المؤتمرات يجعل المشكلة الفلسطينية هي المشكلة الأولى للعالم الإسلامي، وهذا خطأ لأن القابلية للاستعمار والتخلف الذي نعيشه هو المرض الحقيقي، وما فلسطين وكشمير و أريتيريا و و…إلا أعراضاً للمرض الأساسي،
وكم كان مؤلماً لي حين قال: إن القابلية للاستعمار تكونت عندنا قبل أن يخطر في بال الاستعمار أن يستعمرنا. وكم كان المخطط الذي رسمه لمسيرة الفكرة الإسلامية في كتابه " شروط النهضة " معبراً، حين جعل المنطلق من غار حراء إلى صفين إلى ابن خلدون ثم إتمام الانحدار إلى الاستعمار والتخلف. وكم كان صادقاً ومفاجئاً حين قال: إن القابلية للاستعمار لم تصنع في باريس ولندن وواشنطن وموسكو، وإنما صنعت وتكونت تحت قباب جوامع العالم الإسلامي ومساجده من بخارى وسمرقند ودهلي وطهران وبغداد ودمشق والقاهرة والقيروان، محور طنجة، جاكرتا.
وكم كان محدقاً بعمق للمشكلات حين قال أيضاً: إن إنساناً يجهل إضافات القرن العشرين للمعرفة الإنسانية لا يمكن إلا أن يجلب السخرية والتشنيع إلى نفسه ".
وقد بلغ تجاوب الأستاذ جودت سعيد مع أفكار مالك بن نبي ومنهجه التحليلي النقدي التكاملي، أنه كان يدرِّس كتب مالك بن نبي في حلقات لفترات طويلة، كانت تحضرها نخبة متميزة من رجالات ونساء الصحوة.
راشد الغنوشي
أما الأستاذ راشد الغنوشي المفكر الإسلامي التونسي الجريء، صاحب الأطروحات المتميزة في الفكر والحركة الاجتماعية والسياسية، فيذكر بدوره كيف كان تكوينه الفكري منجذبا نحو الفكر المشرقي عامة والإخواني منه خاصة، ولكنه بعد اكتشافه لمالك بن نبي، واتصاله به، تأثر به كثيرا، وأضاف بذلك بعدا أساسيا لتجربته الفكرية والحركية، يقول: " .. التقيت بمالك بن نبي، وكنت أمني نفسي بلقائه، بما عرف به من عقلانية وقدرة على التحليل الاجتماعي والتاريخي، وقد قرأت له ما شوقني لمقابلته، ، وكان للقائي به تأثير كبير في نفسي وفي مجموعتنا التي ستنشأ.
وستتكرر رحلتي إلى الجزائر في السنوات الموالية مع جمع من الإخوة ثلاث مرات، لحضور ملتقيات الفكر الإسلامي، وأساسا لحضور ندوات مالك بن نبي التي كان يعقدها في بيته رحمه الله. وقد كان لذلك أثر بالغ على الحركة الإسلامية التونسية، التي ربما تكون قد افادت من إرث الرجل أوفر من أختها الجزائرية التي ربما تكون قد تمشرقت أكثر من اللازم ".
استدراك بين قوسين
ننبه هنا، تعقيبا على ما أسماه الأستاذ الغنوشي بتمشرق الحركة الإسلامية الجزائرية أكثر من اللازم، وضآلة استفادتها من فكر مالك بن نبي ومنهجه، بالمقارنة مع استفادة الحركة في تونس منه ! إلى أن قوله هذا لا ينطبق في عمومه إلا على المدرسة الإخوانية بشقيها العضوي والفكري، التي استصحبت معها مواقف بعض الشخصيات أو الاتجاهات الإخوانية من مالك بن نبي، كاختلافه مثلا مع سيد قطب حول منهج دراسة إشكالية تخلف الأمة وسبل النهوض بها، كما وردت الإشارة إلى ذلك في كتاب : "فكرة الإفريقية الآسيوية في ضوء مؤتمر باندونج" بالنسبة لرأي مالك بن نبي، الذي يؤكد على أهمية فهم واقع التخلف وجذوره وسننه للارتقاء به تدريجيا نحو المثال أو النموذج الحضاري الذي يرسمه الإسلام، وفي كتاب: "معالم في الطريق" بالنسبة لرأي سيد قطب الذي رد فيه على مالك بن نبي، وانطلق في تصوره لأزمة الأمة وحلها، من أولوية فهم المثال أو النموذج أولا وبداية استئناف واقع إسلامي جديد على ضوئه بعد ذلك، بعيدا عن الواقع الجاهلي القائم، الذي تعد أية محاولة لإصلاح داخلي له، ترقيعا لا جدوى منه، ومضيعة للوقت والجهد، بل تمديدا في عمر الجاهلية وتكريسا له.
أما حركة البناء الحضاري الإسلامية في الجزائر فقد نشأت أصلا في أحضان حلقات مالك بن نبي، وعلى الهيكلية الفكرية لنظريته العامة في نشوء الحضارة ومناهج الصراع الفكري وآليات التدافع الاجتماعي المرتبطة بذلك، دون توجيه مباشر منه طبعا، فقد استفادت كثيرا من فكره وخبرته، بحكم ملازمة الكثير من إطاراتها لحلقاته مدة غير يسيرة، بل لقد كان العديد منهم يحرسه وينام عنده في بيته في أواخر حياته، عندما كانت أطراف من الحركة الشيوعية خاصة، بمختلف تلويناتها، تتحرش به وتحرِّش عليه!
فحركة البناء الحضاري التي تعتبر نفسها امتدادا طبيعيا متجددا للحركة الإصلاحية التي نهضت بها جمعية العلماء المسلمين الجزائريين خاصة، تمكنت من الجمع بين الأطروحتين والاستفادة من الخبرتين معا، ولم تتورط في منطق أو منهجية الاصطفاف التنافري الإهتلاكي وراء أي من الأطروحتين على حدة، فاستفادت كثيرا من التنظير القطبي وذخيرته الفكرية والروحية والتربوية العالية، ومن مجمل الفكر الإخواني المتوازن، وأطَّرت ذلك على الصعيد المنهجي، بفكر مالك بن نبي الواقعي وتنظيره السنني العالي خاصة، وبتجربة الحركة الإصلاحية العلمائية وخبرتها الناضجة بصفة عامة.
وقد كان لهذه المزاوجة وهذه التركيبية التكاملية المتوازنة بين الأطروحتين والخبرتين الهامتين، أثرهما الكبير في توازن تجربة حركة البناء الحضاري، وانسيابها السلس في عمق المجتمع دون أية مشكلات أو صدامات جدية تذكر، سواء على مستوى المجتمع، أو على مستوى الدولة، أو على مستوى الصحوة بصفة عامة، وكانت جل المشكلات أو الصدامات التي واجهتها حركة البناء الحضاري منذ نشأتها، تأتي من خارجها.
لقد ساهمت هذه المزاوجة التركيبية التكاملية بين المدرستين، في تمكين حركة البناء الحضاري من تجاوز الكثير من المضاعفات السلبية التي طرحتها أفكار ومفاهيم جاهلية المجتمع، والمفاصلة الاجتماعية، والولاء والبراء، والعزلة النفسية والفكرية، والتكفير، والاستعلاء، واحتكار الحقيقة، وإعمال فكرة التبديع في كل مستجد في المجتمع.. وما إلى هنالك من المفاهيم المركبة التي كانت رائجة ومؤثرة جدا في مرحلة السبعينات من القرن الماضي، وما تلاها من مراحل بعد ذلك.
الدكتور سيد حسن دسوقي
أما الدكتور سيد حسن دسوقي المفكر الإسلامي المصري المبدع في مجال دراسات الفقه الحضاري، فيذكر بدوره كيف أضاف اكتشافه لفكر مالك بن نبي بعدا أساسيا في تفكيره ورؤيته ومنهجيته، فيقول: " لم يُقدَّر لي أن أقترب من الأستاذ مالك بن نبي شخصا أو فكرا حتى خريف عام 1968م. في ذلك الوقت كنت أعمل أستاذا مساعدا في إحدى جامعات تكساس بالولايات المتحدة الأمريكية، وكنت في ندوة في الشرق الأمريكي والتقيت بأخ سوداني أعطاني نسخة من كتاب "شروط النهضة"، ووضعته في الحقيبة حتى أقرأه لاحقا.
وفي الطائرة.. بدأت أنظر في صفحاته، ولكن الرحلة كلها مضت بساعاتها الأربع أو الخمس في صحبة مالك، لا أكاد أرفع بصري عن الكتاب إلا لضرورة. شعرت بأنني أعرف الأستاذ مالكًا من قبل، وبأن هذه الأفكار كأنما تنبع من نفسي بعد أن حركتها كلماته في أعمق الأعماق. والحقيقة أن هناك ديناميكية للقاء الأفكار والأفئدة، وأضرب مثلاً لذلك: إنك إن ذهبت تتحدث عن معاني الإيثار والإنفاق في سبيل الله في مجتمع سيطرت عليه الأنانية واستغرق في ترف مهلك، فإن الأفكار لا تكاد تخدش سطح الأنفس. إن استعداد الأفئدة لتلقي الأفكار يحتاج إلى معاناة قلبية وأسئلة حيرى، وقلق إنساني بالغ، فإذا هبت رياح الأفكار على هذه الأفئدة فإنها سرعان ما تتلاقح وتنبت بسرعة هائلة.
وهذا ما حدث لي في لقائي مع "شروط النهضة"؛ لقد تفاعلت معها تفاعلا قويا، حدد لي كثيرا من المعطيات الثقافية في حياتي المقبلة، وفي هذه الفترة كانت الهيمنة الثقافية في الحركة الإسلامية لفكر أستاذنا سيد قطب رحمه الله، خاصة كتبه الأخيرة، مثل: "معالم في الطريق" و"في ظلال القرآن"، وكان القارئ لهذا الفكر يشحن بطاقة إيمانية هائلة ويجد نفسه مستعدا للتضحية في سبيل عقيدته بكل ما يملك، ولكن السبيل غير واضحة، والرؤية مضببة، وقد ننزلق إلى أهداف أعدائنا دون أن ندري، ونحن نحسب أننا نحسن صنعا. وربما يشارك الاستعمار في هذه اللعبة الخبيثة بتخليق أهداف ثانوية تبدو براقة للناظرين، فتتجه إليها القلوب المشحونة بالرغبة الجهادية العاطفية لتكتشف بعد قليل أنها في دائرة الصفر لم تتقدم خطوة واحدة.
ومن هذه الأهداف البراقة تحويل الشحنة الجهادية إلى قنابل وصواريخ كلامية باسم الرأي والرأي الآخر، وإنشاء مئات المنابر التي يعتليها المتكلمون والمتكلمات في عمليات طحن للكلام المزوق الذي يلهينا عن المعارك الجهادية الحقيقية في المزارع والمصانع ودور التعليم وساحات الجهاد المتعددة ".
وفي اتجاه مقارن وتقييمي، يرى د. دسوقي بأن مالك بن نبي كان علامة بارزة ونقلة ذات وزن كبير في الفكر الإسلامي المعاصر، فيقول وهو يتحدث عن تأثير الإمام حسن البنا في الحركة الإسلامية المعاصرة: " .. فلا علامة مميزة في الطريق بعد " تحويلة " حسن البنا، إلا علامة مالك بن نبي، وهي كانت مكمّلة؛ فالأستاذ مالك - باعتباري قد نشأت بثقافة إخوانية - حينما قرأتُ لأول مرة أحد كتبه، وجدته يضيف أبعاداً أخرى، مثل البعد الاجتماعي؛ فالبنا كان اهتمامه منصباً على الشخصية الإسلامية، والقضايا الإسلامية العامة، والقضايا النهائية كالاستقلال السياسي والاقتصادي.
أما مالك بن نبي فرأى أن هناك جذوراً اجتماعية لكل هذا، وأن التخلف ما هو إلا ظاهرة اجتماعية لابد أن نقاتله في نفوسنا، وكان هو - مالك بن نبي - أول من تحدث مكملاً رسالة حسن البنا، حينما تحدث عن الاستعمار والقابلية له، ورأى أن الذي ينبغي أن يُحارب - بداية - إنما هو القابلية لذلك الاستعمار، قبل الحديث عن الاستعمار نفسه. وضع الأستاذ مالك - أيضاً - المعادلة الشهيرة، وهي أن الإنسان يتفاعل مع الوقت، فكل الأمور تحتاج إلى وقت، كما أنها تحتاج إلى بيئة، والدين في ذلك كله هو العامل المساعد الذي يُشرف على التفاعل ولا يتأثر به. وهو يعني بذلك أن هناك أركاناً ثابتة للإسلام لا تتغير من وقت إلى آخر، فهي ثابتة طوال الوقت، وهو صاغ من ذلك معادلة جميلة: ( الإنسان + التراث + الزمن) / الدين = الحضارة".
هكذا إذن يبدو تأثير فكر مالك بن نبي في أجيال من الصحوة المعاصرة، وهو ماضي في طريقه إلى التعمق والاتساع والإشعاع، وإن كان ذلك يتحرك ببطئ كما يبدو، انسجاما مع منطق وسننية المكابدة التي يخضع لها انتشار وتمكن الأفكار الكبيرة في النفوس والمجتمعات عادة. فالفكر النوعي الأصيل كثيرا ما تغطي عليه الأفكار الاستهلاكية الطافية على سطح الحياة، ولا يتيسر لعامة الناس النفاذ إليه، والإمساك به، إلا عبر صبر ومجالدة يقتضيهما منطق تحصيل كل ما هو نفيس.

بالرغم من التعتيم على فكر مالك بن نبي حينا من الزمن، فإن أصالة هذا الفكر، ورسالية صاحبه المتميزة، تمكنتا من فتح الطريق أمامه ليصل إشعاعه إلى قطاعات معتبرة من أجيال النخبة في المجتمعات الإسلامية، فتتجاوب معه، وتتبناه وتعمل على نشره والاستفادة منه في ترشيد مسيرة حركة نهضة الأمة.
نماذج من التهميش والحرمان
ونقصد بالحرمان هنا، حرمان حركة هذه الاتجاهات خاصة وحركة الصحوة، المساهمين في تأطيرها بصفة عامة، من الاستفادة من الأطروحات الفكرية والمنهجية الهامة التي غذى بها مالك بن نبي الفكر الإسلامي المعاصر. فمحاصرة وتهميش العديد من هذه الاتجاهات لفكره، حرمها من مغذي فكري هام، يفتح أمامها آفاقا جديدة في الوعي الحضاري والخبرة السننية الإنسانية، التي كانت دراسات مالك بن نبي تؤكد عليها كثيرا.
النموذج الأول: وأذكر هنا بالمناسبة وعلى سبيل المثال، أننا عندما كنا طلبة في الجامعة في منتصف السبعينات من القرن الماضي، كانت بعض الاتجاهات الحركية الإسلامية توزع علينا كتاب الأستاذ غازي التوبة " الفكر الإسلامي المعاصر دراسة وتقويم " ، وترغبنا في قراءته، لما فيه من محاولة نقدية لمالك بن نبي، والتنفير من فكره بطريقة منهجية ينقصها الكثير من الموضوعية والنظرة التكاملية المطلوبة في مثل هذه الدراسات أو العناوين الكبيرة ! وقد كان لذلك أثره غير المحمود في تأخير استفادة كثير من منتسبي هذه الاتجاهات الحركية الإسلامية من فكر مالك بن نبي ومنهجيته في دراسة وتقييم حركة الاستخلاف البشري وقوانين صيروراته الحضارية، وتكريس انحباسها في دائرة الثقافة الحركية الحزبية المغلقة.
النموذج الثاني: كما أذكر أننا كنا يوما في بيت أحد المعيدين في الجامعة، ودخل علينا معيد جامعي آخر، كان له صيت معتبر في حركة الصحوة، لسعة اطلاعه وتحكمه في اللغة العربية، وأقدميته في حركة الصحوة، وكنا ولا زلنا نقدر له ذلك، ونحرص على الاستفادة منه، فلما جلس وجد على الطاولة كتاب مالك بن نبي " المسلم في عالم الاقتصاد " ، وكان حديث الصدور، إذ يعتبر من آخر ما كتب مالك بن نبي، فرفعه ثم رماه على الطاولة وقال لصاحبه المعيد الآخر: أنت كذلك تقرأ هذه الخردة !! دعك منه، لا تضيع وقتك فيه !
النموذج الثالث: كما أذكر كذلك في سياق مضاعفات هذا الحصار لفكر مالك بن نبي والتعتيم عليه عندنا في الجزائر على الأقل. أننا ذهبنا مرة إلى عميد جامعة قسنطينة لنطلب منه المساعدة في تزويد مكتبة مسجد الطلبة ببعض الكتب، وكانت معنا قائمة طويلة، وفيها بعض كتب مالك بن نبي، فسمع بذلك أحد النشطاء الإسلاميين البارزين يومها في الجامعة، والذي سيكون له وزنه المعتبر وجهده المقدر في الساحة السياسية بعد ذلك بسنوات، فالتحق بنا ليحضر معنا مقابلة مدير الجامعة، فلما اطلع على قائمة الكتب المقترحة، لم يرقه اقتراح بعض كتب مالك بن نبي، بل احتج على ذلك، وطلب شطبها لأنها لا تدخل في دائرة الفكر الإسلامي، بل يدخل جلها في دائرة تزييف الوعي الإسلامي وتمويه حقائقه وتمييعها، وتسويق الفكر الجاهلي !؟ وكان موقفه هذا طبعا ترجمة مباشرة لأطروحات الكتاب المذكور أنفا، والذي كان له تأثير غير عادي في تكوين بعض الاتجاهات الحركية الإسلامية في هذه الفترة التأسيسية بالخصوص.
وذكرنا هنا بعض النماذج من داخل حركة الصحوة، ولا نريد أن نثقل هذه المقدمة بنماذج الحصار الذي تعرض له فكر مالك بن نبي خارج الصحوة، لأن الحصار كان معلوما وتقوده بعض الدوائر المختلفة في السلطة، وفي المجتمع العلمي، وفي الساحة الثقافية، وفي ما يسمى بالمجتمع المدني، والتي كانت تجمع بينها جميعا الرؤية المستلبة للنموذج الغربي، وترى في فكر مالك بن نبي فكرا أصوليا سلفيا متلبسا بمظهرية علمية ! أو كما أطلق عليه العروي مرة: الشيخ العصري ! لا لشيء إلا لأنه لم يكن مستقطبا بالمركزية الثقافية والحضارية الغربية أو مستلبا لأي اتجاه من اتجاهاتها، وكان معتزا بالهوية الثقافية والحضارية للأمة الإسلامية، وحريصا على شق طريق مستقلة لها، بل ومجاهدا صلبا من أجل ذلك، كما يؤكد على ذلك في كتاباته دائما، ويجعله شرطا أساسا للنهضة، كما نلمس ذلك على سبيل المثال في هذه الفقرة: " فلكي نتغلب على مرضنا، ينبغي أن نكتشف طريق الأمة المرشدة، أعني الطريق الذي لم تترسمه أمة قبلها ". ولتحقيق ذلك يتجه اهتمامه إلى العناية بالأجيال القادمة، ويؤكد على ضرورة غرس هذا الطموح وهذه الهوية فيها، فيقول: " فعلى المربين في البلاد العربية والإسلامية أن يعلموا الشبيبة أن تكتشف طريقا تتصدر فيه موكب الإنسانية، لا أن يعلموها كيف تواكب الروس أو الأمريكيين في طريقهم، أو كيف تتبعهم " .
الظلم الذي لحق بالرجل
بالرغم من أصالة وجدية وسننية ما طرحه مالك بن نبي من أفكار في مشروعه الفكري النهضوي الكبير، وبالرغم من الجهاد الرسالي الممتد من أجل ذلك، فإن أفكاره ظلت تعيش التهميش والإقصاء والهدر فترة طويلة من الزمن، وظل هو يعيش " الغربة الثقافية " القاسية، فلا فكره قُبِل في مشروع الحركة الإصلاحية أو الصحوة الإسلامية، وأندمج فيها، وعرف طريقه إلى الدراسة والتقييم والتطبيق والاستثمار، ولا هو قُبِلَ من طرف المشروع الحداثي واندمج فيه، وعرف طريقه إلى الدراسة والتقييم والتطبيق والاستثمار كذلك، بل ظل معلقا بينهما ومعرضا عنه من الطرفين، وأحيانا كثيرة مرفوضا من قبلهما ومحاربا ! لأن أطرافا عدة في حركات الإصلاح والصحوة تعتبره مفكرا حداثيا علمانيا أو أقرب إلى العلمانية منه إلى الإسلامية، والحركات الحداثية تعتبره أصوليا سلفيا من دعاة الإسلامية، وتاهت أفكاره وضاع مشروعه التجديدي الكبير بين هذين الموقفين المتطرفين.
وقد كان رحمه الله يشعر بهذا الحيف، ويقاسي آلام غفلة الحركة والمجتمع والأمة عامة، عما وصل إليه من نظريات في فلسفة التاريخ وفقه الاستخلاف الحضاري، وما أنضجه من وعي في شروط النهضة الحضارية، كما يتجلى ذلك في كتاباته العديدة، وفي مساررته لبعض أصدقائه بذلك، كما سمعت ذلك شخصيا مرة من ناشر جزائري كان مقيما بلبنان لفترة طويلة، وهو السيد شريفي صاحب مكتبة النهضة بالجزائر العاصمة، الذي قال بأن مالك بن نبي كان كثيرا ما يشتكي له من بطئ استجابة المجتمع لأفكاره، وأنه – أي الأستاذ شريفي - كثيرا ما كان يقول له على سبيل النكتة والدعابة: " عندما تموت سينتبه الناس إلى أفكارك ويقبلون على مشروعك النهضوي، ولذلك من الأحسن لك أن تموت.. " !
وكما هي سنة الله في التمكين للصواب والخير والرشد، فقد أخذت أفكاره طريقها إلى العقول والقلوب تدريجيا، وأقبلت عليها أجيال من المثقفين، ليس في الجزائر أو تونس أو المغرب العربي الكبير فحسب، بل في العالم الإسلامي كله.
نماذج من أصالة وجدية الأطروحات الفكرية والمنهجية لمالك بن نبي
ويكفي هنا أن نتأمل بعض مفردات المنظومة الفكرية لمالك بن نبي، لندرك مغزى وحقيقة قولنا: بأن دخول إنتاج الرجل الساحة الثقافية الإسلامية المعاصرة، يعد مكسبا استراتيجيا وحيويا كبيرا لحركة البناء الحضاري الجديد للأمة، سيكون له ما بعده – إن شاء الله تعالى – سواء على مستوى الوعي الرسالي، أو على مستوى فعالية الإنجاز الحضاري، أو على مستوى فقه الاستشراف والوقاية الحضارية لمكاسب حركة النهوض الحضاري الإسلامي المعاصر، لما أصله مالك بن نبي من سنن كلية أساسية على كل مستوى من هذه المستويات، وأنضجه من وعي فكري ومنهجي فيها.
* الرأسمال الاجتماعي للأمة هو باستمرار؛ الإنسان والتراب والوقت والفكرة المركبة.
* الدين ظاهرة كونية تحكم فكر الإنسان وحضارته كما تحكم الجاذبية المادة و تتحكم في تطورها.
* البناء الحضاري ناتج تفاعل تكاملي لعالم الأفكار وعالم الأشخاص وعالم الأشياء وعالم العلاقات الاجتماعية.
* وفاعلية الأفكار تخضع لتماسك وحيوية العلاقات الاجتماعية داخل المجتمع.
* إن قوة التماسك الضرورية للمجتمع الإسلامي موجودة بكل وضوح في الإسلام المتحرك في عقولنا وسلوكنا، والمنبعث في صورة إسلام اجتماعي.
* المسلم لم يتخل عن عقيدته، ولكن عقيدته تجردت من فاعليتها. وليس المهم أن نعلم المسلم عقيدة يملكها، بل المهم أن نرد إلى تلك العقيدة فاعليتها.
* إن أزمة العالم الإسلامي منذ زمن طويل لم تكن أزمة في الوسائل، وإنما في الأفكار الأصيلة. إن أدواءنا القاتلة تكمن في عالم أفكارنا.
* الحضارة هي التي تلد منتجاتها، ولا يمكن بناء حضارة بشراء منتجات حضارية أخرى.
* الحضارة حركة بناء تراكمي متكامل وليست عملا تكديسيا.
* المرحلة الروحية في الحضارة هي أرقى مراحل تطورها ونضجها .
* المرحلة الغرائزية في الحضارة هي أحط مراحل ضعفها وتقهقرها.
* الإنسان هو منبع المشكلة الإسلامية كلها في مجتمع ما بعد الموحدين.
* هناك فروق جوهرية هامة بين إنسان ما قبل الحضارة وإنسان ما بعد الحضارة.
* الرجل والمرأة قطبا الإنسانية، و لا معنى لأحدهما بغير الآخر.
* أي تفكير في مشكلة الإنسان هو في الأساس تفكير في مشكلة الحضارة.
* وأي تفكير في مشكلة الحضارة هو في الأساس تفكير في مشكلة الثقافة.
* وأي تفكير في مشكلة الثقافة هو في الأساس تفكير في مشكلة التربية.
* وأي تفكير في مشكلة التربية هو في الأساس تفكير في مشكلة المنهج.
* كل فراغ إيديولوجي لا تملأه أفكارنا ينتظر أفكارا قد تكون معادية لنا.
* إن ما ينوب المجتمع من مخاطر، ليس من قلة أشيائه بل من فقر أفكاره.
* وغنى المجتمع لا يقاس بكمية ما يملك من أشياء بل بمقدار ما فيه من أفكار.
* الاستقلال السياسي والاقتصادي للمجتمع مرهون بالاستقلال في مجال الأفكار.
* إن الاستعمار هو نكسة في تاريخ الإنسانية، لأنه أينما حل يلوث الإنسان.
* وإن تصفية الإنسان من القابلية للاستعمار تشرط تصفيته في الأرض، ويجب أن تتقدمها.
* الحضارة لا تصنع بالاندفاع في دروب سبق السير فيها، بل بفتح دروب جديدة.
* طريق الأمة المرشدة، يستلزم تعليم الأجيال الإسلامية، كيف تستطيع أن تكتشف طرقا تتصدر بها موكب الإنسانية، والابتعاد بها عن طرق مواكبة أو اتباع الآخرين.
* حركة البناء الحضاري لا يمكنها أن تنجح، إلا إذا كانت قواها جميعا في حركة تكاملية، وهذه الحركة في اتجاه صاعد.
* من ثوابت التاريخ: أن نهضة أي مجتمع لا تتم إلا من خلال نفس الظروف العامة التي تم فيها ميلاده.
* إن مقياس نجاح أو فشل أية حركة تغييرية هو بقدر ما تحافظ على محتواها أو تضيعه في الطريق.
* إن التغيير الاجتماعي الذي لا ينفذ إلى تغيير النفوس، لا قيمة له. وإنها لشرعة السماء: غير نفسك تغير التاريخ.
* السلطة في أي مجتمع ما هي إلا آلة اجتماعية تتغير تبعا للوسط الذي تعيش فيه وتتنوع معه.
* الطريق غير المنهجي هو أطول الطرق في عملية البناء الحضاري.
* إن جهودنا التجديدية فيها حسن النية وليس فيها رائحة منهج.
* المنهج العلمي مصل واقي ضد مرض الثرثرة.
* الروح الجماعية من المقومات الأساسية التي فقدها المجتمع الإسلامي.
* الإقلاع الحضاري مرتبط بمعادلة تقدم الواجبات على الحقوق بل وتفوقها عليها.
* إن التاريخ لا يصنع بانتظار الساعات الخطيرة، و المعجزات الكبيرة، بل يبدأ من مرحلة الواجبات المتواضعة الخاصة بكل يوم، و كل ساعة، و كل دقيقة.
* النقد الذاتي عامل تطهير جوهري للنفس والمجتمع من أسباب الضعف والاختلال، يجب أن ينطلق إلى أبعد مدى في حياتنا، وأي تعطيل له، يعد خدمة للاستعمار والاستبداد.
* الثورة أو السياسة التي لا تستطيع إصلاح أخطائها وتتستر عليها تنتحر.
* إن وقتنا الزاحف نحو التاريخ، لا يجب أن يضيع هباء، كما يهرب الماء من الساقية الخربة.
* إن الشعب الثرثار يصعب عليه أن يسمع الصوت الصامت لخطا الوقت الهارب.

لا نريد أن نسترسل في سرد المزيد من مفردات منظومة مالك بن نبي الفكرية والمنهجية، فهي أوسع مما تتيحه هذه المقدمة، و لكن نضيف فقط بعض المفاهيم المفتاحية، ذات الدلالة العميقة في هذا السياق مثل:
* معاملا الاستعمار والقابلية للاستعمار.
* صراع الفكرة والوثن.
* السياسة والفكرة
* الطاقة الحيوية والأفكار.
* جدلية العالم الثقافي.
* جدلية الفكرة والشيء
* عالم الأشخاص وعالم الأفكار وعالم الأشياء.
* الأفكار المطبوعة والأفكار الموضوعة.
* أصالة الأفكار وفعاليتها.
* البناء والتكديس.
* الأفكار الميتة، والأفكار القاتلة.
* الحرفية في الثقافة.
* الذوق الجمالي والمنطق العملي.
* الفنون الجميلة ومشكلة الزي.
* السياسة والبوليتيك.
* محور طانجة جاكرتا
* المعادلة الاجتماعية و حركة التغيير.
* انتقام الأفكار المخذولة.
* ذهان السهولة والاستحالة
* الرشاد و التيه في حركة التغيير.
* ازدواجية اللغة وانقسام المجتمع.
* الفعالية الاجتماعية ومصداقية النموذج الاجتماعي.
* صلاح الفكرة وصلاحيتها.
* الأفكار واطراد التغيير
* إنسان ما بعد الموحدين
* مجتمع ما بعد الموحدين
فالمتأمل لهذه المفاهيم على ضوء النظرة الشمولية المتكاملة لإنتاج الرجل، يلاحظ أمرين أساسيين في غاية الأهمية:
القيمة الذاتية المتميزة لكل مفهوم من هذه المفاهيم على حدة. سواء على مستوى البنية التعبيرية، أو المضمون الفكري. إذ لو أخذت كل فكرة من هذه الأفكار الكثيرة على حدة، لكانت ذات قيمة فكرية كبيرة، في ميزان فقه السنن الحضارية، والاستفادة منها في تأطير عملية التغيير، وتوجيه حركة البناء، ووقاية منجزاتها الاجتماعية. فكل مفهوم من هذه المفاهيم، يختزن مضمونا فكريا مكثفا وعميقا، ويتضمن بعدا منهجيا مركزا، بالإضافة إلى تميزه من حيث البنية التعبيرية، المتسمة بالدقة و الجدة والأناقة والحيوية.
والأمر الثاني المهم أو الجديد الملفت للانتباه في إنتاج مالك بن نبي، بالإضافة إلى ما سبق، هو "المنهج" الذي أعطى لهذه المفاهيم الفكرية أبعادها الاستراتيجية الحيوية، من خلال عملية التركيب والتأليف بين هذه المفردات، والارتقاء بها إلى مستوى منظومة فكرية متكاملة، أصبحت تشكل إطارا مرجعيا ونموذجا منهجيا في فقه سنن الله في صيرورات الظواهر الحضارية.
دون أن ننسى أمرين أساسيين في خبرة مالك بن نبي وتجربته الغنية كذلك، وهما الشعور الحاد بالمسئولية الرسالية، تجاه الأمة، وتجاه دينها ورسالتها في العالم والكون، وروح المكابدة الرسالية المستميتة، التي جعلته يصمد أمام التحديات والمغريات التي أحاطت به في كل مراحل حياته، وينتصر عليها، ويكفينا هنا أن نتذكر كلماته الأخيرة التي سجلها وهو يتأهب لمفارقة عالم الدنيا واستقبال عالم الآخرة، حيث كتب يقول: " إنني أشعر أكثر فأكثر، في هذه السنة التاسعة والستين من حياتي بشعور ارتياح. وإني كرجل على ظهره حمل ثقيل، يشكر المولى تعالى أن وفقه على نقل الحمل أبعد وأطول ما يمكن، ولكنه ينتظر وقت وضعه. إنّ حياتي كانت ثقيلة الحمل، وقرب السبعين من عمري فإني أستشف نهايتي بارتياح ".
مالك بن نبي نقطة التقاء رافدي حركة التجديد المعاصر
ومن هنا تأتي أهمية دراسة تراث مالك بن نبي بالنسبة للمسلم المعاصر، في أي موقع من مواقع المسؤولية الاجتماعية كان، وخاصة الأجيال الجديدة، سواء كانت من دعاة الإسلامية والتأصيل الحضاري، أو من أنصار الحداثة والتناسخ الحضاري.
فمالك بن نبي من خلال هذه المنظومة الفكرية الأصيلة، وهذا النموذج المنهجي المتميز، أرسى أسسا وقواعد متينة لإخراج حركة التجديد الحضاري للأمة من مأزق الإزدواجية والتلاغي والإهتلاك، الذي نجم عن العلاقة التنافرية بين جناحي هذه الحركة التجديدية، وخاصة في مرحلة " الدولة الوطنية "، التي انفرد فيها دعاة الحداثة والعصرنة بأزمَّة الأمور، وأمعنوا في إبعاد وتهميش دعاة التأصيل والعودة إلى الذات، واضطروا بعضهم إلى الدخول في الصف، وبعضهم الآخر إلى الدخول في المواجهات بكافة أشكالها المنهكة بل والمهلكة.
وكانت نتيجة عدم التقاء هذين التيارين الأساسيين في حركة التجديد الحضاري الحديث للأمة، وخيمة العواقب، كما يفصح عن ذلك واقع البلاد الإسلامية؛ في فوضاه الفكرية، وفي اضطرابه الاجتماعي، وتمزقه السياسي، وغثائيته وتبعيته الحضارية المحكمة.
ومن أجل تجاوز هذه الوضعية، والتخلص من الإزدواجية المهلكة، وتحقيق التكامل المطلوب بين الأجيال والقوى الفاعلة في الواقع الإسلامي المعاصر، ليس هناك بديل عن إفساح المجال أمام الاتجاه الحضاري في الفكر الإسلامي المعاصر، الذي يعد مالك بن نبي رائده بجدارة، ليجسر العلاقة بين القوى المتنافرة، ويمتص أسباب التنافر والجفوة بينها، ويكامل بين جهودها.
ومن يتأمل فكر مالك بن نبي وحياته، يرى كيف يتجاوز هذا الاتجاه الحضاري إشكالية الإزدواجية التنافرية الخطيرة، في الفكر والممارسة، ويحقق التكامل المنشود في جهود البناء، من خلال تأسيس الوعي الحضاري، المبني على الثقافة السننية، التي تجعل الإنسان ينظر إلى الظواهر الحضارية لا على أنها سلسلة من الأحداث يعطينا التاريخ قصتها، بل كظواهر يرشدنا التحليل إلى جوهرها، أي إلى " قوانينها " وسنن الله فيها، ولا شك أن من يمتلك ناصية القوانين الاجتماعية، فإنه يمتلك أسرار النهضة الحضارية ويتحكم في شروطها الحاسمة.
والاتجاه الحضاري في الفكر الإسلامي المعاصر الذي يعود الفضل إلى مالك بن نبي في بلورته وتطويره بعد ابن خلدون، متمحور حول تأسيس هذا الوعي الحضاري، وبناء هذه الثقافة السننية التكاملية، التي إذا ما كتب للأجيال الإسلامية الجديدة، أن تستوعبها و تلتقي عليها، وتلتزم بها في تفكيرها، وفي مواجهتها لتحديات البناء الحضاري، ستحدث في حياتها نقلة عميقة وشاملة على طريق الخروج من الدوامات المهلكة، وتجاوز الأفعال المعتلة والمنقوصة والمنهوكة، إلى الأفعال الأصيلة والفعالة والمطردة، التي تراكم وتطور المكاسب والتجارب والخبرات على طريق النهوض والتجديد الحضاري المتكامل للأمة.
وفي هذا السياق، ومن أجل تأسيس هذا الوعي، وبناء هذه الثقافة، يندرج وجود "جمعية مالك بن نبي للدراسات والآفاق الإسلامية" ويدخل جهدها بحول الله تعالى.
وإدراكا منها بالموقع الحيوي لمنظومة مالك بن نبي الفكرية والمنهجية من الاتجاه الحضاري في الفكر الإسلامي المعاصر، تعمل على تيسير طريق الاتصال بعالمه الثقافي الخصب، للأجيال الجديدة، التي ستجد فيه ما يؤسس وعيها الحضاري، و يمدها بالآليات المنهجية التي تضمن لها سلامة الفهم وفعالية الإنجاز، وديمومة حيوية الاندفاع بحركة التغيير والإصلاح والتجديد نحو الأفضل باستمرار.
ومن أجل تحقيق هذا الاتصال الخصب بعالم مالك بن نبي الثقافي، والاستفادة منه وتطويره، تقدم "الجمعية" هذا العمل "الببلوغرافي الأولي" المتواضع، للأجيال الجديدة في العالم الإسلامي، راجية من كل الباحثين والمثقفين وأصدقاء مالك بن نبي وتلامذته، وكل من لديه معلومات عنه، مهما كانت قيمتها، أن يزود بها الجمعية، مساهمة منه في إنجاز هذا المشروع الحيوي الهام.
كما نؤكد كذلك، بأن هذا العمل الذي تقدمه الجمعية اليوم، ما هو في الحقيقة إلا عمل أولي، قصد به كسر حاجز الانتظار، لإدراكنا أن مثل هذا العمل يكتمل وينضج من خلال مساهمات المهتمين بالفكر الحضاري عامة، والواعين بالدور الحيوي المتميز لتراث مالك بن نبي في هذا المجال خاصة.
وعليه فإن "الجمعية" لا تعتبر نفسها معنية وحدها بالمشروع، بل تعتبر ذلك من مسؤوليات كل الذين يعنيهم أمر تجديد الفكر الإسلامي المعاصر، ويؤرقهم وضع الأمة، ويريدون المساهمة في إحداث نقلة نوعية في الوعي والأداء الإسلامي المعاصر، على طريق الأصالة الفكرية والفعالية الإنجازية النموذجية.
وفي خاتمة هذه المقدمة نود أن نؤكد بأن اهتمامنا بمالك بن نبي، ورغبتنا في المساهمة بالتعريف بفكره ومدرسته في فقه الحضارة والصراع أو التدافع الحضاري، ليس القصد منه التمجيدية أو التبجيلية الفارغة، أو الإمعية البليدة، أو التعصب الجهول له، أو الانحباس عنده، والإصرار على التغاضي عن نواقص تجربته، وإنما الإنصاف له، وتمكين أجيال الأمة من الاستفادة من تجربته، واستكمال حلقات القوة والرشد فيها، وتجاوز حلقات الضعف والقصور فيها، على طريق النهضة الحضارية الإسلامية العالمية الإنسانية الكونية، التي لا تقف عند شخص أو جماعة أو حزب أو طبقة أو قطر أو جيل، ولا تتوقف على أي منها منفردا أو ترتهن به أو له، بل هي مسار بنائي تراكمي تكاملي متواصل، يساهم في تأصيله وتفعيل حركيته ووقاية منجزاته، الجميع .
وفي هذه البنائية التراكمية التكاملية الممتدة، يقول رحمه الله: "إن من الواجب ألا توقفنا أخطاؤنا عن السير حثيثا نحو الحضارة الأصيلة.. فإن الحياة تدعونا أن نسير دائما إلى الأمام، وإنما لا يجوز لنا أن يظل سيرنا نحو الحضارة فوضويا، يستغله الرجل الوحيد، أو يضلله الشيء الوحيد، بل ليكن سيرنا علميا عقليا، حتى نرى أن الحضارة ليست أجزاء مبعثرة ملفقة، ولا مظاهر خلابة، وليست الشيء الوحيد، بل هي جوهر ينتظم جميع أشيائها، وقطب يتجه نحوه تاريخ الإنسانية".
{وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون} (التوبة: 105).
الجزائر في : 20 صفر 1414هـ
الموافق 09 أوت 1993 م
عن جمعية مالك بن نبي للدراسات والآفاق الإسلامية
(فرع دراسة ونشر فكر مالك بن نبي).


الأربعاء، 13 فبراير 2013

 
أسطورة "ڤرّة المعزة" …تعاقب للزمان وتَجَلّ لحدس الإنسان

image صورة من الأرشيف

بين التذكر والنسيان، تتبادر إلى أذهان الفلاحين هذه الأيام مناسبات تعلقت بالمعتقد البسيط الذي سايرته الأجيال على مر التاريخ، معتقدات جسدت الحياة العامة ببساطتها إبان فترة من المظهر والواقع والتاريخ وظلت عالقة بالعنصر البشري في بيئته وتنبؤاته رغم التطور العلمي الحاصل في مجالات الحياة.وهو مجال أكثر مايكون بالحيوي إذا ما تعلق بالطبيعة والأرض وشكل فسيفساء اسمها علاقة الوجود بالموجود ومدى التأثير الحاصل بينهما... إنهما الإنسان  والطبيعة ...المحاكاة و الفجاءة... التنبؤ والتحدي...ثم ركون الطبيعة في الأخير الى حيث انتهى التنبؤ، لتبدأ الحضارة الحقيقية من كوخ الفلاح في جذوتها الأولى تحلق في فضاء التسميات المتعددة لأيام السنة ولتعاقب الفصول وما بينهما من تناسق وتحضر. 
انها" قرة المعزة " تحضر-تصدق-في عز شتاء بارد اتسم بالقساوة تارة وبالرفق تارة أخرى ..وأنا أجالس أحد الفلاحين في وصفه لـ "ڤرّة المعزة" تجلى التفاؤل على محيّاه وهمّ بسرد تراجيدي حصل بين عنصرين في الوجود: إنهما "العنزة" بحيوانيّتها الأليفة وشهر "الناير" -جانفي- بسطوته الطبيعية، أين سخرت العنزة منه في آخر أيامه أقصد في اليوم الواحد والثلاثين ورددت طربا "ياالناير بوعباير ما عندك مادرت". وأخذت تتراقص وتردد ذلك لأنها أحست أن الشتاء انقضى لكن حدث مالم يكن في الحسبان إذ خاطبها بالقول "يا المعزة ياو جه النار، نسلفلك ليلة ونهار من فورار، نديرلك قرونك في النار"... انه تحدّ صارخ تتجلى فيه العلاقة الحقيقية بين الكائنات على اختلاف كينونتها، وان اتسمت الحكاية بروح الدعابة الحوارية الصادقة إلا أنها في الواقع من نسج الخيال المتفرغ حينذاك للرصد والحضور.
و يواصل جليسي قائلا "هذا اليوم -ڤرّةالمعزة- حدده الأوائل -الكبار على حد قوله- بتاريخ الثالث عشر من شهر فيفري. أي أن اليوم والليلة اللذين سيعيرهما شهر "الناير" للعنزة من شهر فورار سيكونان ليلة الثالث عشر واليوم الموالي له " ليلة 12 فيفري -الليل- ويوم 13 فيفري - النهار-". ليعاوده التفاؤل مرة أخرى فيقول "ڤرّةالمعزة أولها نار وأخرها نوار" بمعنى نحسب لها ألف حساب و نعدّ لها العدة من مأكل ومشرب وكل ماله علاقة بالتدفئة وحياة البراري.
الحديث عن "ڤرّة المعزة" يقودنا إلى التسمية، فكلمة "ڤرّة" بالمصطلح العامي المتداول تعني الأيام شديدة البرودة التي يتخللها هطول الأمطار وتساقط البرد والثلوج وانتشار الصقيع…هاته العوامل الطبيعية لها علاقة مباشرة بالإنسان والحيوان.  فالإنسان يحاول تطويع الظروف المناخية بإمكانياته المتوفرة والمتاحة له، في حين تتسبب مثل هكذا "ڤرّة" -عوامل طبيعية- في نفور بعض الحيوانات كحيوان الماعز الذي لا يقاوم شدة البرد. 
وإسقاطا على واقعنا هذه الأيام فقد تجلت العوامل الطبيعية المذكورة سلفا من أمطار وثلوج وصدق الأولون في ثقافتهم البسيطة وتحولت تلك الأسطورة إلى موروث اجتماعي تتداوله الأجيال كبطاقة هوية تمنح الإنسان درجة الامتياز التي أعطاه الله إياها كي يذلل بها كل عقبة في طريقه، مستخدما الأسطورة وأسلوب القصص ثم العلم والتنبؤ -الحدس- ولكن دائما بإرادة إلهية. 
جليسي يعاودني الحديث وكله أمل بسنة فلاحية تكون خيرا على الجميع ورحنا نتجاذب أطراف الكلام حول الموقد المشتعل ...
عدد القراءات : 683 | عدد قراءات اليوم : 264

التسجيل في تتبع التعليقات التعليقات :
(6 تعليقات سابقة)

سفيان 22 ساعة 58 دقيقة مضت
بعد التحية و السلام
تعايش الاباء و الاجداد و احتكاكهم بالطبيعة اكسبتهم خبرة و فهما فاق التكنولوجيا احيانا .
محمد 22 ساعة 14 دقيقة مضت
السلام عليكم شكرا جزيلا على كل هذاالوصف الرائع للمبدع الاستاذ عيسى خبيزي حقا ان ( قرة المعزة) مصطلح توارثناه ابا عن جد لكن لم تاتي الفرصة لسماع السبب الذي ادى الى هذه التسمية بالذات مرة اخرى نشكر الكاتب ونتمنى ان تكون هناك مقالات مماثلة لان تراثنا ثري جدا وفيه من الحكمة ما لا نجده في مكان اخر.
bahidz 21 ساعة 27 دقيقة مضت
موضوع في وقته
متابع 8 ساعة 32 دقيقة مضت
رووووووووووووعة وصف ولا أحلى بارك الله فيك أستاذنا عيسى
س ن 7 ساعة 52 دقيقة مضت
قال الشيخ مفتي الجلفة.أن السنة الشمسة فترة تستغرقهادورة الأرض حول الشمس ومدتها365 يوم و5 ساعات و48 دقيقةو46 ثانية،وقد حذفت الكسور وأضيفت إلى شهر فبراير من السنة الكبيسة لتصبح عددأيام السنه 366 يوم قال:وهي تاريخ عريق ثابت أقره الإسلام في بعض تشريعاته وهو تاريخ يعتمدوكان يشار إليه في اليوميات الورقيةوتحتفل به الساكنة العربية والأمازيقيةوالمصرية إلى الآن في البوادي والأرياف والمداشر والمدن.وهو تاريخ هام من حيث الفصول والاعتدال والانقلاب والكبس والغرس والحرث والتلقيح والزبير وجذاذالصوف والوبر والثمار.ومن حيث نجوم الأسعدوالنجوم والمرزم والثريةوالبدلة والشولة والنعايم والقرر والفطيرة والحسوم والنيسان والسمايم.ومن حيث الحل والترحال والبناءوالشروق والغروب ومواقيت أقدام الصلاة.ومواقيت مجيء الساعي.وقد كان مشايخنا يحفظون متن ما يسمى بـ"السوسي" وعليه شروح كما قد ألف ابن يونس والخوارزمي وابن الهيثم والمراكشي والطوسي وابن الشاطر وغيرهم فيه.قال:والعجيب أن يتنكر لهذا التأريخ كثير من فئات المجتمع وهو شيء موجودلابد من معرفته
نشكر جريدتنا الالكترونية الجلفة انفو وكل طاقمها على هذا العرض التفصيلي لاحدى التسميات السائدة في المنطقة فقط نذكر أقلام الجلفة انفو بضرورة تقصي كل الموروث الاجتماعي والثقافي الذي تزخر به بلدتنا ولما على المستوى الوطني لأن الجزائر قاطبة غنية بعناصر الهوية الحقيقية...شكرا مرة أخرى لأقلام الجلفة انفو
المجموع: 6 | عرض: 1 - 6

الأحد، 10 فبراير 2013



جماليات الإخراج المسرحي وتجليات الفاعل الحضارى - دراسة في تحليل العرض المسرحي

دراسة بقلم/صادق ابراهيم صادق عضو اتحاد كتاب مصر

مهاد نظري :
مرت الإنسانية عبر تاريخها الطويل بضربات علمية خمس زلزلت ثوابتها وهي ( ضربة كوبرنيكوس – ضربة داروين – ضربة ماركس – ضربة نيتشه – ضربة فرويد) وقد أثرت تلك الضربات الموجهة إلى الثوابت على مسيرة الفكر .

أولاً : ضربة كوبرنيكوس :
المضادة للفكرة التي كانت تزعم ، بل هي تؤمن بأن الإنسان هو مركز الكون ، أو أن الأرض هي مركز الكون ، وكل الكواكب تدور حولها ؛ فأثبت بأن الأرض هي إحدى الكواكب التابعة للشمس ، وأنها مجرد كوكب صغير بالقياس إلى الكواكب الأخرى ؛ فهدم بذلك فكرة الإيمان المطلق بنظرية أرسطو طاليس ، تلك التي استماتت الكنيسة في الدفاع عنها ، وأحرق الكهنة كل مفكر أو عالم قال بما هو ناقض لها.

ثانياً : ضربة داروين :
التي تمثلت في نظرية النشوء والارتقاء ، تلك التي تهدم نظرية الخلق وفق التصورات الدينية (آدم وحواء) ، وتصل إلى أن أصل الإنسان قرد ، وأن الحياة بدأت من البحر ، مدللاً على صحة فرضه بالعديد من الشواهد المادية ، فيما كتب حول أصل الأنواع ودورها في النشوء والارتقاء .

ثالثاً : ضربة ماركس :
التي تمثلت في نظريته حول المادية التاريخية والجدل المادي ودوره في حركة التطور التاريخي ارتكازاً على فكرة صراع الطبقات ، والتي تفرع عنها نظرية فائض القيمة ونظرية فيض الإنتاج متنبئاً بدورهما في تفاعلهما مع نضال البروليتاريا ضد الرأسمالية العالمية في دحر المجتمع الطبقي وتحقيق العدالة الاقتصادية والاجتماعية على الأرض.

رابعاً : ضربة نيتشه :
وقد تمثلت في نظرته الفلسفية حول فكرة الخلق التي أصابت فكرة الخالق في مقتل ، وحضت كل من اعتنقها على الإيمان بأنه خالق فعله ؛ بل أنه الكون ذاته في ذاته ، فأنتجت النسبية والبنيوية والتفكيكية ، وفكرة موت المؤلف في الأدب والفن ، وعكست فكرة تداخل النصوص وتعدد دلالات المعنى الواحد ، وفكرة انتفاء الدلالة التامة ، تبعاً لفكرة إساءة القراءة وتفكيك أنساق خطاب النص أو الإبداع .
خامسا: ضربة فرويد:
حيث قامت علي التحليل النفسى مدخلا للكشف عن إمتطاء الروا سب اللإرادية لطفولة الإنسان ؛لإرادة سلوكه كبيرا، واعتبار الجنس محركا للتاريخ.
وقد أثرت تلك الضربات العلمية والفلسفية في الإبداع الأدبي والإبداع الفني تأثيراً غير محدود.
وقد انعكس ذلك في البداية على القليل من إبداعات عصر النهضة التي جسدت اهتزاز فكرة اليقين كما صورها شكسبير في (هاملت) إلاّ أن تأثيرات تلك الضربات العلمية قد تجسدت في إبداعات فناني القرن العشرين وأدبائه سواء في الفن التشكيلي أو في فن المسرح نصاً وعرضاً، إخراجاً وسينوغرافيا ونقداً . ليس هذا فحسب ، بل إن الأمر قد اتسع بحيث يعكس تعدد النظرة إلى فكرة الفاعل المسرحي من المخرج الذي سبق له انتزاعها من مؤلف النص المسرحي ونازعه فيها الممثل حتى عرفت كل مرحلة تحول بمرحلة الفاعل فيها ؛ إلى أن انتزع الفنان التشكيلي الذي تحول إلى عملية الإخراج المسرحي صفة الفاعل المسرحي الذي تقوم عليه فعالية العرض المسرحي ، حتى جاء الدور على مصمم الرقصات المسرحية الذي ينسج عرضه المسرحي اعتماداً على لغة الجسد والسينوغرافيا في محاولة خلق معادل موضوعي عن طريق الصور المسرحية المتجاورة أحياناً ، والمتشظية في أغلب الأحيان . وهنا يمكننا القول بتعدد صور التعبير المسرحي ما بين عرض مسرحي وعرض مسرحي آخر تبعاً لتعدد الفاعل المسرحي الذي يمكن رصده فيما بين فعالية فرجوية أو فاعل مسرحي فرجوي ، وفاعل مسرحي تاريخي وفاعل مسرحي فلسفي وفاعل مسرحي أنثروبولوجي ، وفاعل مسرحي إثنولوجي ، وفاعل مسرحي نفسي (سيكولوجي) .
ولاشك أن هذا التأرجح ما بين فعالية التجلي في نظرية الفاعل المسرحي هو نتاج تلك الضربات العلمية التي أسقط بها أولئك العلماء الخمسة ثوابت معرفية واعتقادية ورثتها الإنسانية عبر تاريخها الطويل ؛ فلولا تلك الضربات التي واجه بها كل عالم منهم موروثاً معرفياً أو علمياً مستقراً في أفهام البشرية منذ القدم ، ما تقدمت البشرية . حيث جعل ذلك الموروث موضوع فحص ومراجعة ومواجهة ورأه معوقاً لتقدم الحياة البشرية الإنسانية فشرع في منازلته بأسلحة العقل والمنهج التجريبي ، بعد أن رفض التوحد مع ذلك الموروث المعرفي. وقياساً على ما تقدم فقد وجد المبدع الحداثي نفسه في مواجهة حاسمة مع ذلك الموروث وتيقن من أن فناناً جديداً لن يوجد إذا ما توحد الفنان مع موروثات عصره وثوابت مجتمعه . من هنا يجوز لنا القول إن المخرج المسرحي إذا ما توحد مع النص الذي يخرجه فلن يقول شيئاً غير الذي قاله المؤلف .
وإذا توحد الممثل مع الشخصية التي يمثلها فلن يبدع لنا غير صورة الشخصية التي رسمها المؤلف . ولئن توحد الناقد المسرحي مع العرض الذي ينقده فلن يرى غير الذي رأه المخرج وبذلك ينتفي الإبداع ويصبح مجرد لون من ألوان الأداء الاستعاري التابع للنص تمثيلاً أو إخراجاً وينتفي النقد ويصبح تأريخاً فنياً للعرض المسرحي ، ونقد المسرح شيء وتاريخه شيء آخر .
إن عملية التوحد في الإبداع تحقق فحسب مصداقية المطابقة بين الصورة والأصل . والفن يحقق مصداقيته بصدق كذبه ، فجودة الانتحال بطاقة الخيال تخلق هوية الإبداع والمبدعين .
إن الفيلسوف لا يتوحد مع عصره ، ولو كان قد فعل لما أتى للبشرية بفكر جديد . والعالم لا يتوحد مع ما هو معلوم ، وإلاّ لما أصبح لدينا علم جديد ، وكذلك أديب المسرح وفنانه ممثلاً كان أم مخرجاً أم مؤلفاًَ موسيقياً أم سينوجراف لا يتوحد أي منهم مع ما شرع في إبداعه . وكما ينازل الفيلسوف الحق بفكره فكر من سبقوه. والعالم الحق ينازل علم من سبقوه . والأديب الحق فإن الفنان الحق ينازل الإبداع السابق على إبداعه .
إن المواجهة فن لا غنى عنه لمن يسعى إلى كل جديد في العلم وفي الفلسفة وفي الأدب وفي الفن . والمواجهة مرحلة من مراحل فن صناعة الأعداء . ولا تجديد ولا جديد بغير عداء مع القديم . فلو لم يقف كل من داروين وكوبرنيكوس وماركس ونيتشه وفرويد موقف عداء مع الموروث المعرفي والعلمي المستقر الذي استراح له ناس عصره لما تمكن من هدمه أو تصحيحه بالعلم ، وهل العلم إلا ما يقبل التخطئة؟! وهل هناك جديد لا ينبع من القديم ويجبه في الوقت نفسه؟! فالجديد لا يخرج إلاّ من نقيضه . هكذا ينبلج الصبح من عتمة الليل .
فما الذي في نص (مس جوليا) من أثر هذي الضربات الموجعة؟! تلك هي إشكالية المنهج عند الإقدام على إخراج النص المسرحي (مس جوليا) أو الإقدام على تمثيل دور (جوليا) نفسه أو الإقدام على معارضة مخرج مسرحي لعرض مسرحي سبق له منه موقف ما .
إن سؤالاً كهذا يتطلب أولاً وقوف المخرج والممثل أو الممثلة على عدد من المحاور منها :
صور الاكتمال الفكري في النص بشكل عام وعند كل شخصية بصفة خاصة وفق قدراتها
صور الاكتمال الوجداني عند كل شخصية - على حدة - لتأسيس المهاد النظري للتعبير الصوتي والحركي عن الدور عبر رحلة التحليل وعن جمالياته.
صور الاكتمال الاتصالي بين الشخصيات تأسيساً على تحليل منظومة العلاقات ومنظومة الدوافع حتى يمكن تحديد تصوري لضبط إيقاع الدور وتناغمه مع إيقاعات الأدوار الأخرى في الصورة المسرحية.
صور الاكتمال الجمالي في تناغم التعبير الصوتي مع التعبير الحركي عن الدور – أولاً – وفي تناغم ذلك مع تعبيرات الشخصيات مجتمعه .
ويتطلب ثانياً – حالة معارضة المخرج لعرض (مس جوليا) تحديداً – دراسة ثقافة سلوك الطبقتين : الطبقة العليا والطبقة الدنيا ، دراسة إطارية -أولاً- ثم دراسة خاصة بفئة الخدم وبشواشي النخبة المالكة والمسيطرة سيطرة مطلقة على مجتمعاتها – ثانياً- وهو أمر يدفع التحليل الأدائي دفعاً نحو فهم العلاقة ما بين الطبقتين (العليا ، والدنيا) وما بينهما من جدل مادي تأسس على جدل سابق وقائم داخل كل طبقة منهما على حدة . وهنا تتبدى الحاجة إلى الاكتمال الفكري للكشف عن جذور الصراع ومستوياته الاستراتيجية والمرحلية.
كذلك يدفع التحليل الأدائي دفعاً نحو فهم الدافع الذاتي للأنا العامة لكل طبقة منهما : (هويتها). يتلوه فهم الدافع الذاتي الخاص بأنا الفردية عند هذه الشخصية أو تلك : (جوليا) ثم (جان). وهنا تتبدى حاجة أداء الممثل إلى محور الاكتمال الوجداني؛ وما يتطلبه من غوص في أعماق الشخصية لاقتناص غرائزها من ناحية ومكتسباتها الشعورية من ناحية أخرى ، حتى يتمكن عندها من تطبيع مشاعره مع مشاعر الشخصية في محاولاته التجريبية الأولية نحو تطبيع مظاهر تعبيرها الصوتي والحركي مع مظاهر تعبير الشخصية المحتمل تصديقه وفق المصادر التي توصل إليها المخرج والممثل حول الشخصية ووسطها الاجتماعي وثقافة العصر وهو في مرحلة الوصول إلى الاكتمال الوجداني للدور يتماس بالضرورة في المسيرة الوجدانية مع مسيرة الاكتمال الاتصالي للشخصية ، لأن الوجدان المحوط بسياج الاكتمال الفكري ضروري في فهم الممثل والمخرج كليهما للأبعاد الإدراكية للدور ؛ ارتكازاً على الخطوط الفكرية التي رسمها المؤلف في نصه اقتباساً من مصادرها المشار إليها عند الكلام عن الضربات الخمس التي أصاب بها العلماء الخمسة مسيرة الإنسانية المعرفية الظنية ، وآثار رسوبياتها الثقافية المعوقة لمسيرة التطور الإنساني الحضارية والمدنية.
ولا يتبقى أمام الممثل المتفرد ، إلاّ تحقق الاكتمال الجمالي . وهو المدخل الرئيسي إلى المتلقي، باعتبار الأدب والفن كليهما إبداعاً، والإبداع يمتع قبل أن يقنع فيؤثر.

مصادر النص المسرحي
من الضرورة بمكان إلمام المخرج والممثل بمصادر النص شأنهما شأن الناقد المسرحي ، وشأن المؤرخ المسرحي – على اختلاف الحقلين- فالإلمام بالمصادر يؤسس لعملية الاكتمال الفكري ؛ ولعملية الاكتمال النفسي؛ بوصفهما أساساً لا غناء عنه لعملية الاكتمال الاتصالي بين الإخراج والتمثيل والتأليف تجسيداً للأدوار في إعادة إنتاج النص عرضاً مسرحياً . يقول باتريس بافيس : " إن المعرفة التاريخية لإنتاج النص وتلقيه تمهد لتحليله الدرامي والتعرف على العناصر التي تخص النص والعرض في آن واحد وبالذات :
- تحديد الحدث والعوامل
- بنى الفضاء ، الزمن ، الإيقاع
- ربط الحكاية وإرسائها "
ويضيف : " إن التحليل الدرامي للنص - في الأصل- وفي خضم الإخراج المسرحي هو أول انعكاس لتحليل العرض؛ إنه يوضح وينظم منهجياً معظم المدركات المنعزلة عن بعضها ويعرفنا بالطريقة التي يؤثر فيها النص والعرض كل منهما في الآخر على نحو مستمر" ؛ لذلك لابد من مخطط منهجي لمحاور إعادة النص بإنتاج إبداعي في عرض مسرحي .
فكرة النص : تدور حول صراع الطبقات وأثره على الذات الفردية .
مغزى النص : نقد طبقة الرأسمالية العليا والتأكيد على استحالة تحقق فكرة التزاوج بين الطبقة العليا والطبقة الدنيا.
المصادر الفكرية : النظريات العلمية والفلسفية والنفسية الحديثة التي غيرت مسيرة المعرفة الإنسانية عبر رحلتها العلمية على أرض الواقع بدءاً من النصف الأخير من القرن السادس عشر ، اتصالاً مع القرن التاسع عشر .
المصادر الاجتماعية : الصراع بين الطبقة العليا الرأسمالية وفلول الإقطاع وطبقة العمال.
المصادر النفسية : نظرية (فرويد) حول اللاوعي الذاتي للأنا الفردية، ودور المرأة بوصفها المحرك الرئيسي لعجلة التاريخ بالطاقة الجنسية.
المصادر الفلسفية : نظرية ماركس حول فائض القيمة وفيض الإنتاج ودورهما في حسم الصراع لصالح العمال.
المصادر الذاتية : تتمثل في هذه العبارة التي كتبها سترندبرج نفسه في كتابه (ابن خادمة) وهو يتناول سيرته الذاتية فيقول :
" ما أشبه الرجال جميعاً في الحياة المزدوجة التي يحيونها : الحياة الظاهرة والحياة الباطنة ، حياة الحديث وحياة الفكر "

أقنعة التجسيد الإبداعي في تمثيل (مس جوليا)
تتداخل أقنعة جوليا عبر عدد من المراحل على مدار الحدث المسرحي ما بين قناع السادة وقناع الخدم (الطبقة المتدنية) قناع الأنوثة ، وتظل في حالة هبوط منقاد لتيار الشعور المدفوع دفعاً برغبة غير واعية وجامحة نحو السقوط ، حتى يتحقق وعندئذ تسقط كل أقنعتها.
وهنا يجب ملاحظة رحلة جوليا النفسية عبر أربع مراحل مرت بها هذه الأنثى التي تستشعر الوحدة بفقدانها حنان الأم في حياة الأم وبعد مماتها ، وبفقدانها عطف الأب في حضوره المفترض ، الذي لا نلمسه طوال مسيرة الحدث المسرحي إلاّ في النهاية – دون أن يراه أحد – فهو السيد المتعالي الحاضر في غيابه والغائب في حضوره الذي ينوب فيه الحذاء والجرس وأنبوب الحديث عنه . فحالة الفقد تلك تدفع جوليا دفعاً خارجياً إلى التعويض بالاتصال والتفاعل مع المحيطين بها من خدم والدها الكونت أو السيد الذي يبدو مجرداً كما لو كان مجرد فكرة للأنا العليا التي خلقت وجوداً أو نموذجاً لوجود متضاد ، أو طبقي ، أحده سيد والآخر مسود. وهو وجود جبري ، في حيز مكاني وزماني جبري أيضاً ، وفي حالة احتفال بذلك الوجود أو هو احتفال بإعادة تخليق هوية ذلك الوجود الجبري. وتلك دلالة إعادة صنع الوجود الطبقي ، في المطبخ الذي أصبح – وفق هذا التأويل النقدي – رمزاً يتم فيه إعداد صيغة مغايرة للتقسيم الطبقي الجبري . وهنا يصبح السيد (الكونت) هو سيد ذلك الوجود وربه الأعلى ، وهو الأنا العليا التي تعيش تحت كنفها وبأمرها الأنا الصغرى بصفتيها (السيد والمسود) لحلحلة المواقف وخلخلة المواقع الطبقية ، وتعديل ذلك الوجود الجبري وهدم الحاجز الطبقي ، الذي يتيح للموجود العالي (جوليا) أن يهبط ، وللموجود الواطئ (جان) أن يصعد ليلتقيا في المنتصف ما بين المستويين الطبقيين ، وهنا تتبدى تجليات نظرية الصراع الطبقي وفق النظرية الماركسية .
ولأن التحول قد يحدث عن غير قصد أو على غير ما يتوقع اللاعب على ملعبه أو أرضه ذلك " إذا كان الشخص في غمامة إزاء ما يفعله ويعمى عن أن يرى واقعه ، فإنه يندمج في نوع من الخداع الذاتي لكي يخفي ما راه حتى تتفق رؤيته مع ما يتوق إليه "
وهو حال جوليا التي قصدت العبث والتلهي ، بتابع من توابع طبقتها العليا وفق التقسيم الطبقي الجبري ، في طقس احتفالي سنوي هو واحد من أبرز التفاعلات الثقافية الأوروبية التي تتخلخل فيها الثوابت الثقافية المجسدة للفروق الطبقية إذ تتفاعل الثقافتان الطبقيتان ما بين طبقة الإقطاع والطبقة الدنيا .
ولأن للتحول مظاهراً ، لكل مظهر منها بواعثه، فإن مظاهر تحول الشخصية الدرامية يتجسد على المسرح بوساطة التعبير التمثيلي الذي يتأسس على التعبير الحواري في النص المسرحي أو الذي يتأسس على التصوير الموازي الذي يتضمن الإرشادات حول المكان الخيالي والشخصية والحكاية المروية " وهو ما يعرف اصطلاحياً بالفضاء الدرامي الذي يتداخل باستمرار مع الفضاء المسرحي ليكشف عن طبيعة التداخل بين أيقونية الفضاء المادية ورمزية الكلام وهنا يكون على المتفرج التمييز بين ما يراه بعينيه وما يدركه بعين عقله in the mind s eye
والمثال التطبيقي لذلك هو عصفور جوليا في القفص في أحد العروض التي تناولت نص (مس جوليا) وفق تصور إخراجي حيث شكل جزءاً من صورة في فضاء المنظر المسرحي بداخل المطبخ ووجوده في القفص على إحدى الطاولات ، يشكل علامة أيقونية ، غير أنه يتحول من علامة أيقونية إلى علامة رمزية عندما تنحني (مس جوليا) نحوه ليرى المتفرج وجهها من خلف قفص العصفور ، حيث تكشف دلالة المسكوت عنه عن نفسها فيفك المتفرج الشفرة العلاماتية بربط صورة وجه (مس جوليا) من خلف الشبكة المعدنية للقفص مع صورة العصفور المحبوس بداخله ، ليصل إلى الدلالة التي تقنعه بأن جوليا والعصفور حبيسان في القفص أو أن العصفور هو رمز لجوليا نفسها وأن ذبح جان له في النهاية هو علامة إشارية تمهد أو تشي بذبح جوليا بعد ذلك بقليل لنفسها لأنها عاشت سجينة فكرة العبث بما حولها وبمن حولها : خطيبها السابق ، كلبتها ، عصفورها ، خادمتها ، وأخيراً خادمها جان . وفي ذلك تأكيد على أن الرسالة اللفظية لا يمكن إدراكها إلاّ من خلال الدلالات غير اللفظية المصاحبة لها في الحدث الاتصالي فمظاهرنا الخارجية وإيماءاتنا الجسدية وحركات الأيدي والأعين ودرجة الخطوات والجهر في الصوت جميعها تقوم بأدوار مساندة في تفسيرنا وفهمنا لكلمات وعبارات كل منها في الموقف الاتصالي ، بل يصل الأمر ببعض المهتمين بالاتصال غير اللفظي إلى الجزم بأهميته في مقابل الاتصالي اللفظي. فمعظمهم يعدونه في منزلة أسمى من نظيره اللفظي بل إنه قد يكون أكثر دلالة ومعنى منه في بعض الأحيان "

الممثل والتعبير بوصفه مظهراً للتحول الدرامي : التعبير في فن الممثل هو دون شك أهم عناصر تجسيد حالات التحول الدرامي لدى الشخصية الدرامية إلى جانب أدوار التعبير التمثيلي (الدال) في إنتاج الدلالة ارتكازاً على ركيزتين: القابلية والإنجاز .
الركيزة الأولى : قابلية الممثل للتعبير عن الحالة بالتجسيد أو بالشخيص الأدائي (قدرته الكامنة)
الركيزة الثانية : إنجازه للتعبير عن اللحظة الشعورية وسواء اتخذ التعبير المظهر اللغوي (الحوار/ السرد) أو المظهر الحركي أو التحريكي أو الإيمائي أو الإشاري للدلالة عن اللحظات الشعورية المهيئة لحالات التحول على تباينها أو تلك التي تجسد ردود الأفعال على حالات الاكتشاف أو التحولات الدرامية ، فإن التعبير هو المعادل للمضمون (المدلول الدرامي). والتعبير في علم اللغة بوصفه خطاباً إنسانياً هو "عبارة عن سلسلة منظمة من الأصوات المميزة ، ويطلق التعبير على المظهر المحسوس الذي للغة كنظام دال ، ويقابله المضمون .
وفي نظر هلمسليف هو كل رسالة إبلاغية تتضمن في نفس الوقت تعبيراًَ ومضموناً .. أى أنها يمكن أن تعالج من زاوية الدال (التعبير) أو من زاوية المدلول (المضمون ) على اختلافه .
أنواع التعبير:
التعبير المبدل للقواعد – التعبير المحكوم بالقواعد
أ)التعبير المبدل للقواعد :
صور التعبير ونظمه ومنها خلخلة تسلسل المواقف والصور فى النص أو العرض المسرحى وكذلك البناء المتطقى والمتداخل للحدث الدرامى وصوره .

ب)التعبير المحكوم بالقواعد:
وهو تعبير قائم على النظام والقواعد المتعارف عليها مثل البناء الدرامى التقليدى القائم على الأزمة فالذروة انتهاء بالانفراجة أو اتباع النسق الدرامى والفنى لنزعة ما فى العمل المسرحى .
ولأن شخصية (مس جوليا) فى نص سترندبرج هى مجرد شخصية افتراضية ، شأن كل شخصية درامية فى اى نص مسرحى ، فهى لا تخرج من سجنها الافتراضى (النص المسرحى) إلا بتحرير الممثل لها بطاقته التعبيرية يقول بارت تأكيد لعرضه لهذا الرأى " فالمؤلف لا ينشئ أبدا إلا افتراضات معنى أو اشكالا يعود فيملأها العالم "
وهكذا الأمر بالنسبة لكل من الممثل والمخرج والمصمم والناقد المسرحى ، فكل منهم يستعيد الكاتب بطريقته يقول سارتر " لا يكون الكاتب فنانا لمجرد أنه اختار لنفسه ان يكتب عن قضية ، بل يصبح كذلك من خلال الطريقة التى يكتب بها عن قضية ، وكل محاولة من جانب الكاتب الى استعباد العقائدى خطر .. رده فى فنه ذاته "
إن شخصية (مس جوليا) شأنها شأن كل شخصية درامية تظل إفتراضا بالنسبة للمتلقى (بالقراءة أو بالفرجة المسرحية) وبالنسبة للناقد أيضا لأن تجيد الممثلة لها بالأداء المسرحى قائم على الحقيقة الفنية وهى إفتراضية أيضا تقول اليزابيث بيرنز(Elizabeth Burns) "فيما بين الممثلين والتفرجين توجد اتفاقية ضمنيه مستترة بأن الممثلين سيسمح لهم بأن يستحضروا فى أذهانهم وفى مخيلاتهم هذا العالم الخيالى الروائى .. وهذه الاتفاقية تزيل أدوات العرض وأجهزته وتمكن النظارة من فهم المسرحية ويمكن وصف هذه الاعراف والعادات بأنها بلاغية "
هذا نفسه الذى قال به الفريد فرج حول اتفاق العرض المسرحى مع الجمهور على أن يوهم المسرح جمهوره ويقبل الجمهور ذلك بقناعه فالشخصية تخضع بطاقة الإبداع الأدائى للممثلة لسلسلة من الاكراهات الحتمية طبقا لطاقة الابداع التأليفى بما تنطوى عليه من وعى المؤلف نفسه وتظل شخصية جوليا ككل شخصية درامية افتراضا بالنسبة للممثلة كما هى بالنسبة للمخرج المسرحى المشتغل على النص المسرحى ، مع اختلاف هيئتها الافتراضية أو تباينها بالضرورة ما بين تصورها فى نص المؤلف وتصورها فى رؤية المخرج وتصورها فى أداء الممثلة وتصورها فى حالة المتلقى ( المتفرج) ذلك لاختلاف الوعى مابين تصور كل حالة من تلك الحالات التى تعرض عليها حالة الشخصية الافتراضية واداء ممثلة (مس جوليا) عليها أن تعى طبيعة جوليا بوصفها شخصية رافضة لواقعها وذاتها فالشخص "الرافض لذاته يستجيب للآخرين بطريقة عدوانية" يقول ريتشارد " كل اداء يشتمل على وعى " ويقول رولان بارت " كل ملكية للكلام مستحيلة " والأمر نفسه فيما رأى ينسحب على الصورة ، فكل ملكية للصورة مستحيلة أيضا لاختلاف ثقافة كل متلق لها عن ثقافة غيره ممن تلقوا الصورة ، كل تصور للكلمة أو للصورة خاضع لسلسلة من الاكراهات التى تفرضها تفاعلات ذات المتلقى لها مع وسطه الاجتماعى والثقافى المتوافق مع الإطار الثقافى للعصر الذى يتعايشان فيه لذا يؤكد بارت على "أن الأدب ذاته يخضع لسلسلة الاكراهات الحتمية"
وبذلك يصبح من الحق أن تقول إن فن العرض المسرحى يكمن فيما نريد أن نريه للجمهور لا ما يريد المخرج أو المممثل أو المصمم أن يقوله ، ذلك أن الفنان المسرحى محبوس البيان عما تريد الأنا الخاصة به أن تقوله . واذا كانت " الكتابة على كل المستويات هى كلام الآخر" – وفقما يرى بارت فإن العرض المسرحى بكل منظومته (تأليفا وتمثيلا وسينوجرافيا، وغناء ومصاحبات أو حيل) هو كلام الآخر.. ذلك أن "أنا" فنان المسرح كامنه فيما لا يقوله؛ مثلها مثل (أنا الناقد) إذ "ليست أنا الناقد كامنه فيما يقوله بل فيما لا يقوله"
فمع أن تيمة الشر أو تيمه الحب أو التسلط واحدة عند أى منا إلا أن نظرة الممثل المصرى " محمد الطوخى" للشر غير نظرة شخصية (ياجو) التى جسدها الطوخى نفسه فى عرض (عطيل) لشكسبير على المسرح المصرى فى الستينيات بإخراج حمدى غيث وكذلك الأمر بالنسبة للغيرة ، حمدى غيث أو ( لورانس أولفييه ) لا يجسد كل منها فى تمثيله لدور عطيل الأنا الغيورة الخاصة به ، وإنما يجتهد كل منهما فى تجسيد الغيرة الافتراضية الخاصة لعطيل تبعاً لتصور كل منها وجهد تمثله للحالة الشعورية ، فكل منها يعطينا صورة جديدة مغايرة لحالة من حالات الغيرة مدفوعاً ببواعث الشخصية التى يجسدها على المسرح ، وكل منهما يغيب صورة الشر التى تخص الأنا الخاصة به ويستحضر صورة الشر التى يفترضها فى الشخصية التى يقوم بتمثيلها وفق الشروط الذاتية للشخصية متفاعلة مع الظروف الموضوعية التى تتداخل مع شروطها الذاتية.
وحتى مع النظر إلى أن فكرة الشر من أجل الشر ظاهريا عند كل من " ياجو" فى مسرحية ( عطيل ) و " إدموند" فى مسرحية ( الملك لير) إلا أنها متقاربة من حيث المظهر عندهما وليست متطابقة إلا من حيث بشاعة أثرها ، وذلك لاختلاف الأسباب والدوافع الذاتية والموضوعية مجتمعة عند كل منهما ، فى حين نجد الشر عند " شايلوك" فى مسرحية (تاجر البندقية ) هو شر من أجل قضية تتعلق بأمة بأسرها ، هى قضية إنثربولوجية أكثر من كونها قضية سيكلوجية ، وهنا يختلف إطار تصنيف الفعل الشرير عند كل من (ياجو فى " عطيل " / إدموند فى " لير") و (جان) فى مسرحية (مس جوليا) عنه عند (شايلوك) فى (تاجر البندقية)
حتى مع النظرة المقاربة فى تقدير فعل كل من (لير) بشكسبير والسيد (عمر مكرم) فى مسرحية (رجل القلعة) لمحمد أبو العلا السلامونى ذلك التقدير الحائر ما بين الحكم على فعل تنازل كل منهما عن الحكم الأول لبنتيه الكبرى والوسطى والثانى لجندى أجنبى هو (محمد على) هل هو فعل نبيل أم هو طيش وحماقة ؟! فإن الميل الأدائى التمثيلى لإحدى الصفتين (النبل) أو (الحماقة) لا يخص (أنا) الممثل ، بل هو تجسيد إفتراضى لصفة الفعل الصادر عن ذات (لير) نفسه أو (عمر مكرم) نفسه مدفوعاً ببواعث (حقيقية / متخيلة) حسب رؤية المخرج وتصورات الممثل ، التى تكتسب المصداقية – الافتراضية / الإيهامية – من جمهور متفرجى العرض حالة تحقيق المعادل الموضوعى للأداء حيث تتعادل فى الأداء التمثيلى (الإثارة مع المثير ) أو ( الموضوع / الفعل مع إحساس الممثل به ) أو يكشف عن غياب المعادل الموضوعى فى إحساس الشخصية الدرامية التى يمثلها كما هو الحال عند شخصية (هاملت) الذى طغت الإثارة عنده على المثير الذى تمثل فى (إحساسه) الذى فاق موضوع التأثر لمقتل أبيه غيلة بيد عمه .
وهى مشكلة ايضاً عند شخصية (لير) إذ تكمن الاثارة عنده فى أنه أراد بعد ترك العرش من تلقاء نفسه لبنتيه أن تظل له امتيازات الملك ، دون أن يكون لأحد غيره (بنتيه جونريل – ريحان – زوجيهما) الحق فى تغيير أى شئ عما كان حينما كان ملكاً متوجاً ، المشكلة هى فى ردود أفعاله (الاثارة) على مظاهر اعتبار نفسه صاحب الحق فى كل ما يدور فى المملكة (المثير) هو ما يزال يشعر بأنه صاحب الحق الإلهى ، لم يشعر أنه من الهرم بحيث لا يستطيع الاكتفاء من اللعب بإرادات الآخرين المطلقة التى آلت إليهم بعد تنازله الطوعى لبنتيه عن عرش البلاد.
ومع ذلك فإن أداء ممثل دور (لير) فى حالة أدائه للدور أداء قائماً على التغريب (تشخيصه أو إعادة تصويره للشخصية) لا يكتفى بتنحية (أنا الممثل) بل هو ينحى (أنا الشخصية ) بوصفها ذاتا يحمل فعلها صفات ذاتية ليعيد تصوير فعلها كصفة اجتماعية ، عند ذلك لا يجسد ممثل (لير) فعل شخصية (لير) بصفته فعلاً ذاتياً نابعاً من ذاته ، بل يعيد تجسيد فعل الشخصية بوصفها صفة اجتماعية خاصة بنخبة الملوك والنبلاء لأن (لير) هو رأس النظام الاقطاعى ، الذى أنيط به – وفق فكرة التفويض الإلهى للملوك – الحفاظ على سلامة وحدة النظام الاقطاعى الذى هو المفوض الإلهى – وفق ثقافة النظام الاقطاعى – عليه ، غير أنه فككه وفتته ، لذلك يرى بريخت فى مسرحية ( مأساة الملك لير ) أنها ليست مأساة ، لأن بريخت وفق معتقدة المادى التاريخى مع زوال النظام الاقطاعى بداية للإزاحة المادية التاريخية للأنظمة الطبقية على التوالى وصولاً إلى المجتمع اللاطبقى ، لذلك فإن المأساة فى نظرة قائمة فى عدم إقدام لير على ما قام به من تفكيك لنظامه الاقطاعى ، والمخرج وفق هذه الرؤية البريخيتية يبنى عرضه لمسرحية ( الملك لير ) بناء قائماً على الفرضية البريختية ، ومن ثم يتأسس الأداء التمثيلى والرؤية السينوغرافية على تلك الفرضية التغريبية نفسها من هنا فإن الأداء التمثيلى للدور ينحو نحو التلخيص ، والتلخيص عمل من أعمال النقد ، لانه يحمل رأى الملخص أو وجهة نظره التى غالباً ما تكون تأويلية " ينحو التشخيص دائماً نحو التلخيص لأنه نوع من محاولة تقليد بعض فعل للغير أو تقليد بعض صوته خلال صوت المقلد وحركته"
ولا يخرج ذلك كله سواء فى ( الملك لير ) أو ( مس جوليا ) عن محور الفاعل التاريخى الذى يؤجج حركة الصراع الطبقى ولا يخرج فعل ( مس جوليا ) عن محور الفاعل السيكولوجى أيضاً ، بوصفها نموذج لطبقتها . إن صراع الطبقات حتمى فى ( مس جوليا ) كما فى ( القاعدة والاستثناء ) كما فى ( دائرة الطباشير القوقازية) كما فى ( جواز على ورقة طلاق ) وكما فى ( ليلة زفاف اليكترا ) حيث لا مجال لحدوث تزاوج طبقى .
علماً بأن أثر الدارونية فى المسرح ، ظاهر فى مسرحية ( ميراث الربح ) وفى مسرحية ( انتهى الدرس يا غبى ) وفى مسرحية ( يا طالع الشجرة ) فميراث الريح تتعرض لقضية المدرس الأمريكى الذى يدرس نظرية أصل الأنواع لطلابه وتلاميذه ، حيث يتعرض لأصل الإنسان الأول بوصفه فرداً ، ومن ثم يقدم المدرس إلى المحاكمة ، وتتعرض مسرحية ( انتهى الدرس يا غبى ) للينين الرملى ومحمد صبحى لقصة (الإنسان الفرد) الذى يتم تدريبه وتعليمه تعليماً موازياً للتعليم النظامى بجهود عالم متخصص ، وفى الجانب الآخر الموازى لهذه الفكرة تشكل مسرحية الحكيم ( يا طالع الشجرة ) بعداً آخر يسير فى المسار نفسه ولكن بطريق غير مباشر حيث تنقض خطاب المعرفة الظنية المتصلة بقضية خلق أدم وحواء والخطيئة التى تولدت على إثرها قدرة آدم وحواء ( الإنسان فى الحصول على المعرفة التى ترتب عليها معاقبتهما الالهية بالهبوط إلى الأرض .
فإذا نظرنا من منظور سيميولوجى وتفكيكى إلى بنية النص سوف نرى الشجرة رمزاً للمعرفة والسحلية رمزاً للحية " وبهادر" رمزا لآدم استناداً إلى أن اسمه يبدأ بحرف الباء رمزاً للبداية الأولى غير المسبوقة لخلق أو وجود الرجل و( بهانة ) رمزا لحواء بداية جنس المرأة، فبهانة فى الدلالة المعجمية من ( بهن ) بمعنى تبختر ، و( بهادر ) من ( بهر ) فهذه المتبخترة ( العايقة ) وذلك (المتخايل المبهر) كلاهما يعكس صفته على الآخر . فهى ( الزوجة وهو الزوج – الرجل – مفتش القطار ) فى آن واحد . وما تلك الشجرة التى تثمر كل موسم من مواسم العام الواحد أربعة أنواع مختلفة من الفاكهة سوى شجرة المعرفة ، وما السحلية التى ان اختفت فى باطن الشجرة اختفت معها ( بهانة / الزوجة ) أول امرأة فى تاريخ البشرية ، وما اختفاؤهما سوى اختفاء المعرفة التراثية الظنية التى تحدثت عن (آدم وحواء والحية وشجرة المعرفة ) فالخطاب إذن مساوٍ لخطاب المسرحيتين السابقتين فى تبنيهما لطرح قضية الخلق التراثية حول أصل الإنسان الأول ، ولكن طرح الحكيم إبداع يحمل من المراوغة الفكرية والأسلوبية ما يجعله ممتنع على غير قادر على امتلاك رية حداثية وتفكيكية ومقدرة على تفعيل علم العلامات.
يلجأ الإخراج الاستعارى إلى السير تحت مظلة النص تجسيدا لمقولته؛ فيكون على المخرج البحث عن المقولة المسرحية ( خطاب النص ) الذى يتهيأ لإخراجه ومن ثم تجسيدها وتوكيدها عبر اسلوب التمثيل المتوافق مع أسلوب النص متفاعلاً مع عناصر العرض المسرحى ودورها فى نسج اللغات غير الكلامية مع الأداء التمثيلى الحوارى فى تعبير يحقق حالة الاكتمال الدرامى والجمالى المجسد لحياة ذلك النص ، فإذا شرع فى إخراج ( اوديب ) فعليه العمل على تأكيد الدعوة للحفاظ على الأعراف والالتزام بها ولفت نظر المتفرج إلى أن من يخالف ذلك من الحكام سيعرض البلاد للإصابة بالطاعون . وإذا شرع في إخراج "أنتيجوني" فإنه مطالب بكسب تأييد الجمهور لإقامة قانون السماء ضد قانون الحاكم المطلق؛ لأن من ينصر قانون البشر على قانون السماء يهلك قومه ويهلك نفسه . فإذا كان إخراج مسرحية ( أجاممنون) مبتغاه فعليه تأكيد أن فعل المرء فى قوته يجنى رده فى ضعفه ( دان تدان ) وأن الخيانة تجلب الخيانة .
أما إذا ذهب إلى إخراج ( الكترا ) إخراجاً استعاريا فهو ملزم بالحرص على التوكيد بأن الانتقام يولد الانتقام فإن تصدى لاخراج ( الملك لير ) فهو يحرص على توكيد ضرورة الحفاظ على النظام الاقطاعى ووحدة البلاد والتحذير من مخالفة ذلك ، لأن من يخالف قانون الطبيعة فى تدرجها وسنن تحولها يغضب الطبيعة ، ويأتى بالخراب العاجل للبلاد الموحدة . وعند تصدره لاخراج ( مس جوليا ) عليه التأكيد على فكرة استحالة التزاوج الطبقى ، وكذلك الحال إذا تصدى لمسرحيات (جواز على ورقة طلاق ) أو مسرحية ( ليلة زفاف الكترا ) لمهدى بندق . أما تصديه لإخراج مسرحية ( الأب ) لسترنبرج ؛ فيلزمه بتأكيد الفكرة التى ترى أن الأم هى الأكثر حرصاً على الأسرة من الأب.
وإذا تصدى لإخراج ( بيت دمية ) فهو مطالب بتأكيد الدعوة إلى تحرر المرأة من سيطرة الرجل وسلطاته فى اتجاه فساد مقولة ( الرجال قوامون على النساء ) على إطلاقها.
وفى اخراجه لمسرحية ( أهل الكهف ) لتوفيق الحكيم؛ فهو يؤكد أن الزمن كفيل بحل أكثر المشكلات المستعصية على الحل وأن الماضى لا يصلح لتسيير الحاضر ، بالإضافة إلى استحالة عودته.

المخرج المسرحى وتجليات النهج الاستعارى فى تجسيد دلالة الصورة المسرحية

لما كان على المخرج المسرحى المبدع ان يكون مفكراً قبل أن يكون مبدعاً ، ولابد وأن يتبع منهجاً فى تحليل النص أحداثاً وأدواراً وصوراً مع امتلاك المنهج الذى يدفعه دفعاً نحو الإمساك بإشكالية التيمة التى ينبغى عليها كل مشهد أو موقف درامي وصولاً إلى الخيط الدرامى الذى يربط دلالات الأحداث على تباينها بالدلالة الكبرى ( التامة ) للمسرحية بأن يعمل على كشف توافق دلالات النص لتصب فى مصب تلك الدلالة التامة.

فعن طريق المسيرة المنهجية المتتبعة لدلالة الموت فى صوره المختلفة والمتباينة والمتلاحقة فى البنية الكبرى للحدث فى مسرحية ( هاملت ) ، يكون على المخرج وضع العديد من التساؤلات حول دلالة موت كل من ( هاملت – كلوديوس – جرترود – بولونيوس – لايرتس – جلدنشترن – روزنكرانتز – أوفيليا ) .
ثم يمايز بين دلالة وأخرى عن طريق إثارة العديد من التساؤلات
هل تكشف دلالة موت هاملت عن انتصار الخير كما تكشف دلالة موت كلوديوس عن موت الشر؟
وهل تكشف دلالة موت جرترود عن موت الخيانة وتكشف دلالة موت بولونيوس عن موت التلصص والتجسس والتآمر؟
وهل تكشف دلالة موت جلد نشترن وروزنكرانتز عن موت البلادة والتطفل والبلاهة. بينما تكشف دلالة موت لايرتس عن موت الرعونة والاندفاع والحماقة وعدم التروى؟
كما تشكف دلالة موت أوفيليا عن موت البراءة والطهارة والحب والعذرى والنقاء.
كما تشكف دلالة ظهور جمجمة ( يورك ) مهرج الملك القتيل (والدهاملت) عن موت المرح واللهو والترفيه مبكراً مع توقيت ميلاد الأمير هاملت بما يشي بأن ميلاده اقترن بولادة الحزن والخيانة والفساد وروح التآمر .
هنا يمكن للمخرج أن يبلور فى النهاية التحليلية المتدرعة بمنهج فكرى الدلالة الكبرى أو معنى النص ليحقق معنى العرض انطلاقا من ذلك المعنى الذى قام على المواجهة الدامية لصفة الطهارة مع صفة الدنس والفساد والتآمر والخيانة التى فشت فى البلاد ، وبذلك الطريق وحده يصبح لدينا المخرج المسرحى المفكر ، حتى وإن أدى تتبعه المنهجى عبر التحليل الأدائى للنص إلى المنهج الاستعارى الذى يجسد مقولة النص ؟

الاخراج الاستعارى اذن يستخدم خشبة المسرح بوصفها استعارة للنص الدرامى الذى يقوم بتنفيذه وتصويره بأساليب ووسائل مسرحية ، وهذه الطريقة هى الأقرب إلى عمل المخرجين الهواة الذين تمثل لهم خشبة المسرح مجرد حيز لتصوير ما استعاروه أو ترجموه من معنى النص.

تجليات الفكر في الإخراج المسرحى "الأيديو"

إذا اتبع المخرج منهج التفكيك ، ونحّى منهج تحليل النص جانباً ، وأطلق التساؤلات السابقة نفسها ، فإن هناك تساؤلا اعتراضيا واجب الطرح ( هل انتصر الخير فى نهاية الأمر؟) بالقياس الأخلاقى؟!
وعندها سوف يكتشف امامه تناقض لنهاية النص وعجزها عن بلوغ السعى نحو استبدال الفساد والدنس بالطهارة وذلك عندما يتوقف متسائلاً للمرة الثانية :
أليس الغريب الأجنبى الغازى هو المنتصر فى نهاية المطاف ؟ فهل فى ذلك خير؟! وهنا قد يصح عنده ما صح عند بريخت الذى اتهم هاملت بالخيانة العظمى ، وقد لا يصح إذا طور سؤاله : هل هاملت كان محقاً فى رضائه عن عبور فورتنبراس بقواته عبر أراضى الدانمرك ليعتدى على بلد مجاور لها ، ليست بينها ويلاده عداوة وهى النرويج ؟ هنا تتضح الاشكالية التى يكون على المخرج تجسيدها وفق منهج (الايديو) الاخراجى وهو المنهج الذى قاد المخرج محمد صبحى فى إخراجه لمسرحية هاملت إلى إنهاء عرضه للمسرحية عند وصية هاملت وهو يحتضر لهوراشيو بحفظ سيرته وسيرة ما جرى ليعطى صبحى بذلك معنى للمعنى مغايراً الذى انتهى اليه النص الشيكسبيرى ، فإنتهاء الحدث عند هوراشيو يكشف عن دلالة مؤداها أن البلاد آلت فى النهاية إلى واحد من أبناء الطبقة الدنيا او الوسطى على أقل تقدير ، ولم تقع فريسة فورتنبراس الدخيل الاجنبى – وفق النهاية الشيكبيرية

يمثل هذا التلاعب بمعنى النص مغايرة لما أراده شكسبير من نهاية مسرحيته بما شكل انحرافا نحو ما يعرفه ابيراشد Abirached 1 فى تصنيفه لمناهج الاخراج بالاخراج الايدكيو ( الايديولوجى ) وقد شغل مخرجونا منذ الستينات بهذا النهج الاخراجى

فقد وظف سعد اردش مجموعة من التماثيل فى مقدمة المسرح فى عرض (القاتل خارج السجن ) لمحمد سلماوى ، وجعلها تمتد على جانبى المقدمة حتى تكاد تصل إلى درجى الصعود إلى المنصة يميناً ويساراً ، حتى لتكاد تلتحم بالصالة حيث جلوس الجمهور فى مسرح السلام بالقاهرة ، ليوحى بأن الجمهور هو أيضاً مجموعة من التماثيل ، لانهم لا يتحركون ضد ما يجرى من مظالم ومفاسد في واقعهم المعيش . وهذا قريب من فكر المخرج والفنان التشكيلى البولندى ( شاينا) ،وهو واحد من جيل المخرجين التشكيليون في الأساس؛ الذين ساعدت أفكارهم التشكيلية على وجود جيل من المخرجين البولنديين الذين دخلوا الاخراج من باب السينوغرافيا ، حيث التركيز على القيم التشكيلية للعرض المسرحى ، كذلك الاهتمام بالطاقة الشاعرية الميتافيزيقية الصادرة من العرض المسرحى ، في تخليق دلالة تأويلية؛ للتأثير فى المتفرج بشكل يمس إدراكه وصولا إلي أعماقه.

وهذه الصورة التأويلية التجريدية وإن تداخلت مع أ سلوب التجسيد الأدائى ، إلا أنها تحمل وراءها بعدا نقديا ايديولوجيا ، فهى من حيث المضمون والأثر المعنوى تدخل فى إطار إثارة وعى المتفرج والكشف عن الصفة الاجتماعية .

تجليات التصور الاخراج المسرحى التناصى : " وهو الاخراج الذى يؤمّن همزة وصل ضرورية ولازمة فيما بين الاستقلالية النصية للمناط الأول والمرجعية الايديولوجية ، حيث يندرج داخل مجموعة التفسيرات والرغبة فى التميز جدلياً". وهو أيضاً الاخراج الذى يتناقص مع عروض مسرحية سابقة . وقد مارسه فى مصر مخرجون؛ أعاد بعضهم إنتاج عرض مسرحى إخراج مغاير؛ ومنهم ( محمد صبحى) الذى أعاد إنتاج عرض مسرحية" نجيب الريحانى" ( حكاية كل يوم ) التى أخرجت للسينما تحت عنوان (لعبة الست) وكان عنوان عرض محمد صبحى ( لعبة الست) حيث تلاعب فى موقف تنازل الخواجة ( إيزاك ) عن محلاته للموظف المصرى البسيط البائع فى محلاته ( حسن أبو طبق ) مركزاً على تيمه هجرة الجالية اليهودية من مصرإلى فلسكين بضغوط جمعية صهيونية .

مع تصوير شخصية ( إيزاك ) مصريا صميما محباً لمصر وللمصريين على الرغم من إلحاح واحدة من اليهوديات الصهاينة عضوة عن المنظمة الصهيونية فى مصر ، والتى تتمكن فى النهاية من اقناعه بالتنازل عن محلاته ( الحسن ابو طبق ) والهجرة ، وللتأكيد على الدلالة الوطنية بين عناصر الامة المصرية ( تصاحب هذا الموقف خلفية غنائية مسجلة بصوت فنان الشعب(سيد درويش) :
"قوم يا مصرى مصر دايما بتناديك خد بناصرى نصرى دين واجب عليك"
وهى تشيد بوحدة المصريين مسلمين ونصارى ويهود

هذا بالاضافة إلى بعض الاسقاطات البيرلسكية( التهكمية) ذات الملمح السياسى ، كما فى الإطار المعلق على حائط غرفة سكن (حسن ابو طبق ) والذى يؤطر فى وجه منه صورة فتاة بملابسها الداخلية وفى خلفيتها صورة (الملك فاروق) مع تعليق صبحى ( ممثل دور حسن أبو طبق ) موجها قوله المتهكم لصورة الملك فاروق : " أنت ما بتعتقش ؟!"
إلى جانب إعادة انتاجه لعرض ( سكة السلامة ) برؤية جديدة مغايرة من حيث وجهة المركبة التى تأسس عليها الحدث من الاتجاه غرباً نحو الاسكندرية وتضليل رجل الاعلام لقائدها ليتجه نحومدينة( مرسى مطروح) -وجهة الصحافى في الأساس- إلى الاتجاه شرقاً نحو سيناء وتضليل الاعلامى ( الصحافى ) لقائد السيارة ليدخل الأرض المحتلة ؛ ليكشف عن توجه بعض الإعلاميين ضعاف النفوس وميلهم للتطبيع الثقافي مع دولة اسرائيل ( ولايغيب عنا أن صبحي ربما أراد بذلك إدانة موقف الكاتب المسرحي المصرى (علي سالم) الذى زار الدولة الصهيونية وعاد ليذم موقف المفكرين والمثقفين من عدم التطبيع ). والعرض بذلك ينحو فى إخراجه نحو ما يعرف فى تصنيف ( ابيراشد) بـ ( الاخراج الايديو ) إذ يلمح الإخراج إلى الواقع الاجتماعى؛ لنفهم من ورائه نقداً أو رأياً يمثل فى( نص – تحتى أو ميتاً – نص) يربط فيما بينه والعالم الخارجى. ومثل هذا العرض كغيره من " العروض المسرحية التى تبحث عن أن تكون لها مكانة مع موقف فى الواقع الاجتماعى تنتمى إلى هذه الفئة : وهكذا الأمر فيما يتعلق بالإخراج المسرحى الذى يقال عنه أنه بريختى أو الذى يتناول اليوم " قضية بؤس العالم " وكذلك المسرحيات التربوية والمواعظية الاجتماعية والوثائقية"
ومن هذه العروض " يا مسافر وحدك " للمخرج هانى مطاوع ؛ تلك التي اقتبسها من نص مسرحي من العصور الوسطي Evryman و ( مارا – صاد ) لبيتر فايس والمخرج العالمى بيتر بروك ، ومسرحيته ( الغول ) للمخرج أحمد زكى ، وعرض (النار والزيتون ) بتأليف ألفريد فرج للمخرج سعد أردش وعرض ( جواز على ورقة طلاقة) تأليف ألفريد فرج للمخرج عبد الرحيم الزرقانى والمعارضة الاخراجية لها برؤية تتوافق مع ملابسات سياسية لتوجهات النظام المصرى بعد 1973 نحو رأسمالية السوق؛ حيث غير الاخراج التناصى الذى قام به المخرج أحمد عبد الحليم فى 2005/2006 النهاية إلي نهايتين ، إحداهما تستعير النهاية الملتبسة والمفتوحة التى كتب بها ألفريد فرج نصه المسرحى ، أما الثانية فهى نهاية تلفيقية ، حيث تنتحر زينب بطلة المسرحية بالسم ، بتحريض زوجها وحبيبها مراد ابن الطبقة العليا ، ثم تنهض من موتها في حالة بعث تلفيقية ليعيد المخرج بالشخصيتين النهاية التلفيقية ، التى تنسف فكرة النص الأصلى حول استحالة التزاوج بين الطبقات. والغرابة في قيام ألفريد فرج نفسه بذلك التغيير الذى ينقض كل ماآمن به وضحي من أجله طوال حياته قبل ذلك التحول الفجائي حول إمكان التزاوج بين الطبقة العليا والطبقة العاملة!!

الإخراج المسرحي وتجليات الفاعل الحضاري

تخضع حركة التجديد في الآداب والفنون لحركة الفاعل الحضاري المتغيرة .. فلأن الفاعل الحضاري عند الفراعنة قد تمثل فيما يمليه الكاهن أو الفرعون ، لذا صور المسرح الفعل محمولاً على لسان ممثل الآلهة أو ما قرره الفرعون. ولأن الفاعل الحضاري عند اليونان تمثل فيما ينتهي إليه الحوار مع الآخر، دون أن يتعارض مع ما تمليه الآلهة ؛ لذلك سيطر عالم الغيب على عالم الحياة المعيشة ، فيما عبر عنه المسرح الفرعوني ثم الإغريقي.
ولأن الفاعل الحضاري عند الرومان تمثل فيما يمليه القانون المدني مقصوراً على المواطن الروماني دون غيره من مواطني المستعمرات الامبراطورية المترامية الأطراف ، فقد تمثل ذلك في أعمال سينيكا المسرحية وفي أعمال تيرانس. ولأن الفاعل التاريخي في العصور الوسطى قد تمثل فيما يمليه فهم الكهنة والكهانة والمشايخ للكتب الدينية السماوية ، لذا سخر المسرح مطية للخطاب الديني مغلفاً بألوان الخرافة.
ولأن الفاعل الحضاري في عصرالنهضة قد تمثل فيما يمليه العلم سواء بالاستدلال الاستنباطي محمولاً على قياس الكل الغائب على الجزء الحاضر أو بالاستدلال التجريبي محمولاً على أسبابه المادية ، لذلك زاحم المنطق الصورة الأدبية والفنية وتغلغل متقنعاً خلفها.
ولأن الفاعل التاريخي في عصرنا الحالي يتمثل فيما تمليه القوة الغاشمة المنفردة بالسيطرة على الميديا والفضاء الخارجي والثورة المعلوماتية لذلك سيطر فكر التفكيك وما بعد الحداثة ولا مركزية الخطاب ونفي الأنساق البنائية بالتشظي والتداخ