المشاركات الشائعة

الثلاثاء، 20 سبتمبر 2022

دعوة إلى قتل الحمار والعود

 

كان النقاش على أشده في ذلك المجمع الذي جمع بين أطياف من ساكنة مدينتي ؛ففيهم الشاب والكهل والشيخ والفتى وكل من عرش من عروش المدينة..
السؤال الأهم كان حول أوضاع المدينة وقاطرة التنمية وركودها..
-ماذا ينقص مدينتنا حتى تتحرك وتنتعش وتواكب ركب التنمية؟
كنت صامتا ومتمتعا بالنقاش المتشعب رغم أن البعض كان يحتد أحيانا فيعلو صوته ويتحمس فتزداد حركات جسمه حتى أنك تحسبه على وشك أن يتعارك مع مناقشه..
ثم فجأة التفت إلي الجميع وفي صوت يكاد يكون متناغما انفجر السؤال:
-وأنت يا شيخ وش رأيك؟
صمت كثيرا وخجلا منهم أخرجت الجواب وما خلصت إليه من خلال تجربة امتدت لثلاث عقود من التأمل فقلت :
-ينقصها الحمار والعود يختفون باش الناس ماتلهاش تقارن ويناه اللي خير حمارنا ولا عود الناس..كي يروح هذون الحيوانات في زوج الناس تتول للبلاد ويخدموا..
صمتنا جميعا وكل منا سبح في بركة من هموم شخصية وأفكار داخلية ومشاعر متلاطمة لا يفسرها غير الخالق سبحانه وتعالى..

الأحد، 4 سبتمبر 2022

عندما دخلت المدرسة

 عندما دخلت المدرسة

مازال اليوم الأول لي في المدرسة عالقا بذاكرتي التي امحى منها الكثير من الذكريات..
كنت رفقة أبي رحمه الله وكان أبي يعطيني اصبعه الصغير( الخنصر) فأمسك به وكنت سعيدا جدا وكان لا يتوقف ونحن نمشي عن مداعبة يدي الصغيرة بأصابع اليد الباقية.
ما زلت أذكر كيف كان سعيدا وكنت سعيدا لأنه يأخذني إلى المدرسة ولا أعرف شيئا عن البقية غير أني بجانب أبي نتجه إلى ذلك المبنى وهو الذي لايتحرك من دكانه إلا نادرا أو في أوقات الصلاة..
كل شيء كان عاديا حتى دخلنا البوابة وسلمني إلى المدير بعد حديث قصير ثم رأيته يشيعنا وأنا أتوق أن أخرج من هذا الصف وألحق به ..لم أكن مثل ابن الجيران الذي انفجر بكاء ولحق بوالده..
رأيت فرحة مختلفة في عيني والدي وكأنه يقول لي :
-أحسنت يا بطل
وبالعامية كان كلما نفذت أمرا من أوامره يقول لي بابتسامة نادرا ما يراها الغير:
-صحيت يا ربح البيت ..صحيت ياسبع الحليات ..تعيش وتربي الريش وتروح لمكة وماتجيش..
وانصرف يغمرني فرح وفخر بكلمات والدي الحاج عبد القادر رحمه الله وجعل قبره نورا

العشرة فتاشة

 العشرة فتَّاشة

وأنا صغير كان والدي رحمه الله يبقيني معه في الدكان يوم الأربعاء وهو يوم السوق الأسبوعية في بلدتي ..
كان لأبي هدفين أولهما ظاهرا ومفهوما وآخر يبقيه في نفسه كأمنية كما فهمت بعد أن بلغت من العمر عتيا..
أما الأول فهو يلح علي البقاء معه في هذا اليوم كي أساعده في أمرين :أولهما احضار السلع من مكانها حسب طلب الزبون والثاني حين تنفذ القهوة من برادها يأمرني بملئها مجددا..
أما الثاني فكان يعلمني فن التجارة ويريدني أن أرث مهنته ودكانه وياليتني فعلت..
يشهد يوم الأربعاء توافد البدويين إلى المدينة من أجل التزود بالمواد الغذائية وما يحتاجونه كما يشهد البيع والشراء فيما يخص المال وهو الأغنام..
وكان دكان أبي رحمه الله من الأماكن التي يؤمها الزبائن..أهم زبون هو ابن خالة الوالد وكنا ندعوه عمي محمد ..بدوي وقور كأبي وحافظ للحكم والأشعار وكنت أحب حكاياته خاصة وأنه يحب الوالد ويبقى معه لتناول وجبة الغذاء فكنت استرق السمع لأن للوالد خلف الدكانة حجرة صعيرة كان يسميها المخزن يدخل إليها هو وعمي محمد وتبدأ الحكايات لذلك كنت أحرص على أن أبقي أذنا هناك وأذنا أخرى عند الزبون وكان يقل عدد الزبائن بعد الغذاء لأن البدو يغادرون إلى خيمهم باكرا..
كان عمي محمد يحدث الوالد رحمهما الله وقد شدت انتباهي تلك العبارة أو الحكمة حين قال:
-يالحاج عبد القادر العشرة فتاشة...
وانتهت اللقاءات وانتهت السنون وارتحل من ارتحل وبقيت العبارة ترن في أذي ونسيته زمنا حتى هذا الصباح أفقت وأنا أرددها حتى اقتنعت بما قاله علماء النفس أن الانسان لا ينسى وإنما هناك عبارة أو حدث يصعد والآخر يتنحى جانبا وقد يصعد في أي لحظة..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
معنى العبارة أنه لايجب أن تتكم على الناس من أول مرة أو من خلال ما يقوله الناس حتى تجربهم..