المشاركات الشائعة

الأحد، 21 مارس 2021

بين شاعرين

 

 

بين شاعرين:

بكائية الشباب بين أبي العتاهية وشاعرة حديثة

ذكرني الفيس بوك بهذه القصيدة التي نشرتها على جدايd منذ عامين وهي لشاعرة من منطقة الشارف كما أشار ناقلها الأصلي الشاعر لوعيل الحواس..

في القصيدة إحالة إلى زمن آخر ؛إلى زمن الشاعر الكبير أبو العتاهية وهو إسماعيل بن القاسم بن سويد العيني ,العنزي (من قبيلة عنزة) بالولاء، أبو إسحاق الشهير بأبي العتاهية.(130هـ-211هـ/747م-826مم) شاعر مكثر، سريع الخاطر، في شعره إبداع. كان ينظم المئة والمئة والخمسين بيتاً في اليوم، حتى لم يكن للإحاطة بجميع شعره من سبيل. وهو يعد من مقدمي المولدين، من طبقة بشار وأبي نواس وأمثالهما. جمع الإمام يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري القرطبي ما وجد من (زهدياته) وشعره في الحكمة والعظة. وماجرى مجرى الأمثال، في مجلد، منه مخطوطة حديثة في دار الكتب بمصر، اطلع عليها أحد الآباء اليسوعيين فنسخها ورتبها على الحروف وشرح بعض مفرداتها، وسماها (الأنوار الزاهية في ديوان أبي العتاهية - ط) وكان يجيد القول في الزهد والمديح وأكثر أنواع الشعر في عصره. ولد في (عين التمر) بقرب الكوفة، ونشأ في الكوفة، وسكن بغداد. وكان في بدء أمره يبيع الجرار فقيل له (الجرَار) ثم اتصل بالخلفاء وعلت مكانته عندهم. وهجر الشعر مدة، فبلغ ذلك المهدي العباسي، فسجنه ثم أحضره إليه وهدده بالقتل أو يقول الشعر ! فعاد إلى نظمه، فأطلقه. وأخباره كثيرة. توفي في بغداد. ولابن عماد الثقفي أحمد بن عبيد الله (المتوفى سنة 319) كتاب (أخبار أبي العتاهية) ولمعاصرنا محمد أحمد برانق (أبو العتاهية - ط) في شعره وأخباره.

قال  أبو العتاهية :

 

بكيْتُ على الشّبابِ بدمعِ عيني =فلم يُغنِ البُكاءُ ولا النّحيبُ
فَيا أسَفاً أسِفْتُ على شَبابٍ=نَعاهُ الشّيبُ والرّأسُ الخَضِيبُ
عريتُ منَ الشّبابِ وكنتُ غضاً =كمَا يَعرَى منَ الوَرَقِ القَضيبُ
فيَا لَيتَ الشّبابَ يَعُودُ يَوْماً= فأُخبرَهُ بمَا فَعَلَ المَشيبُ

نلمس من الأبيات بكاء داخليا وهمسا من الأسف والحسرة على أحسن مرحلة في حياة المرء..

اشتملت الأبيات على صور تكاد تكود مشاهد من شريط وثائقي يصور بتركيز شديد حالة نفسية لا نكاد نلمسها لأنها حالة جوانية وتجربة إنسانية لا يصل إليها الإنسان إلا إذا عبر ربيع العمر وأفلت مرحلة الكهولة..

فَيا أسَفاً أسِفْتُ على شَبابٍ=نَعاهُ الشّيبُ والرّأسُ الخَضِيبُ 

صورة معبرة نستشعر من خلالها وبوضوح أن الشاعر ولج الشيخوخة فما عاد كما كان في سابق العهد والأزمان لذلك يستعمل الفعل نعى مما أعطى للمشهد إيحاء قويا وانفجارا داخل عقل القارئ مما يجعله لا شعوريا يتماهى والصورة المعبر عنها لتكون محسوسة ..

 

عريتُ منَ الشّبابِ وكنتُ غضاً =كمَا يَعرَى منَ الوَرَقِ القَضيبُ

لا يفتأ الشاعر يحكم القبض على مشاعرنا وحواسنا الخمسة من خلال اللغة فيزيدنا تمسكا وانفعالا باستعماله وتوظيفه لفعل عرَّى من أجل أن تكون الطاقة المشحونة أو طاقة الجذب أقوى فيقول أنه عري من الشباب و أي عري فالعري من الملبس أو أي شيء آخر هو انتكاسة وخسارة ليشبه حالته بحال  الغصن المقطوع من أصله ويزيد أن يعرى من ورقه و يا لها من صورة تشي بالنهاية واليأس لأن لا احتمال للعودة لمرحلة أفلت دون رجعة..

فيَا لَيتَ الشّبابَ يَعُودُ يَوْماً= فأُخبرَهُ بمَا فَعَلَ المَشيبُ

يختم أبو العتاهية مأساته بتمن أخير ورجاء يكاد يكون بعيد المنال ولكن هذا هو حال الشعراء يحنون للماضي ويشتكون للطلل فيبكون ويتباكون ويمنون ويتمنون ..

يتمنى شاعرنا أن يعود الشباب فيشكي له ما فعل المشيب وما آل إليه بعد قوة وشدة..

وانطلاقا من هذه الخاتمة نجد شاعرة من عصرنا الحديث تشكو وتواسي نفسها بأبيات شعرية من الشعر الملحون وحالها كحال أبي العتاهية،يسكنها المشيب وتجافيها قوى الشاب

 

 

تقول صاحبة النص:



يامن صاب تعود ليا يا صغري

ويرجعلي كحل الحواجب و العينين

ايولو ذوك الذفاير كي بكري

املوسة والطول خلفي مليوحين

نتعدل في الطول يسقم ضهري

القامة زينة والعضالي مبرومين

تولي ذيك البادرة كيما صغري

سي الرقبة والسمايم مستويين

والنشاط يعود في ذاتي يسري

نقفز فالنوضة ونشبه بوقرنين

الدم يعود سخون في جسمي يجري

نرجع كي بكري شغالي مقضيين

نرقد طول الليل والبكرة نسري

عل النجمة نسبق الي صلايين

ياحسراه عل ربيعك يا عمري

في وقت ان كانو عطورك فواحين

وقصانك متفتحة ورد وزهري

وورودك متنوعة فل وياسمين

.إنتاية مغرور وايامك تجري

فاتونة ليام واحنا غفلانين

اصفارت لوراق وبدات تهذري

وكحالو لعضاد قعدو عريانين

القصيدة مازالت طويلة

حفظ الله صاحبتها ونتمنى ممن يعرف بقيتها أو صاحبتها أن يزودنا بالمعلومات

منقول عن الشاعر / الوعيل الحواس

 

 

 

يامن صاب تعود ليا يا صغري

 

هكذا تبدأ الشاعرة وكأنها انتهت للتو من قراءة قصيدة أبي العتاهية التي ينهيها بقوله:

فيَا لَيتَ الشّبابَ يَعُودُ يَوْماً=

وهو تتمنى كما تمنى جدها أبو العتاهية منذ قرون أن يعود الشباب وقد أشارت إليه ب :يا صغري..

لكننا أمام شاعرة وهي امرأة والمرأة غير الرجل فهي تتمنى عودة أمور أخرى تخص مظهرها والذي بحكم الشيخوخة تغير فتقوس الظهر وسقط شعر الحاجبين وقد وصفت كل هذا في الأبيات الأربعة الأولى..

ما يشدنا في قصيدة هذه الشاعرة هي وصفها ليوميات المرأة وواجباتها قديما فتقول:

والنشاط يعود في ذاتي يسري

نقفز فالنوضة ونشبه بوقرنين

الدم يعود سخون في جسمي يجري

نرجع كي بكري شغالي مقضيين

نرقد طول الليل والبكرة نسري

عل النجمة نسبق الي صلايين

فالمرأة قديما تنام باكرا وتستيقظ باكرا من أجل إتمام مشاغلها الكثيرة والتي تتعدى مهام الرجل فهي تقول نرقد بكري والبكرى نسري قبيل صلاة الفجر وقد صورتها بقولها عل النجمة نسبق الصلايين..

 

ياحسراه عل ربيعك يا عمري

في وقت ان كانو عطورك فواحين

وقصانك متفتحة ورد وزهري

وورودك متنوعة فل وياسمين

.

في هذه الأبيات تعود متشابكة مع شاعرنا أبي العتاهية وكأن بينهما تخاطر تعدى برزخ الزمن والمكان من خلال البيتين :

فَيا أسَفاً أسِفْتُ على شَبابٍ=نَعاهُ الشّيبُ والرّأسُ الخَضِيبُ
عريتُ منَ الشّبابِ وكنتُ غضاً =كمَا يَعرَى منَ الوَرَقِ القَضيبُ

فهو يبدأ ب:فيا أسفا وهي تبدأ ب:ياحسراه..ثم تمضي باستخدام الطبيعة تماما كما استعملها أبو العتاهية لتصف ربيع العمر كإحالة إلى مرحلة الشباب فتصف المرحلة مستعينة بالطبيعة وما يحمله الربيع من اختلاف وتنوع وإشارة للنماء والخضرة والسعادة التي لا يكاد يمتلئ بها  الإنسان حتى تتلاشى وكأنها لحظة في العمر..

لتكون النهاية بحكمة لا يدركها إلا شاعر أو شاعرة يصل مرحلة أرذل العمر فتتلاشى الصحة وتنعكس الشيخوخة لتصبح حالة نفسية تنعى وتبكي وترثي أغلى مراحل وسني الفرد..:

إنتاية مغرور وايامك تجري

فاتونة ليام واحنا غفلانين

اصفارت لوراق وبدات تهذري

وكحالو لعضاد قعدو عريانين

هي الصورة نفسها هنا رغم اختلاف لغة التعبير وزمكان الشاعرين :

عريتُ منَ الشّبابِ وكنتُ غضاً =كمَا يَعرَى منَ الوَرَقِ القَضيبُ

اصفارت لوراق وبدات تهذري

وكحالو لعضاد قعدو عريانين

ويبقى للشعر مهما اختلفت لغة التعبير دهشته وحضوره وتأثيره كما يبقى قناة لنقل الكثير من المشاهدات التي تعبر الأزمنة لتصبح توثيقا لفترة مختلفة في تركيبتها السوسيولوجية والسيكولوجية ..وتبقة أشعار النساء في بيئتنا النائلية أصدق تعبيرا عن واقع مجتمهاتنا في كل عصر من عصور القول التي شهدت ميلاد هكذا نصوص..

 

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق