نقطة ضوء/كل سبت
علي قوادري
علي قوادري
يوتوبيا /بالمقلوب
كانت حالته خطيرة , أحضروه للتوّ إلى المستشفى.. إصابة بالسكّين وأخرى بحجر
في الرأس..كانت الإستعجالات في انتظاره..مرّ وقت ليس بالقصير حتى جاء الطبيب مسروق
القيلولة..قاموا بالإسعافات الأولية..نام ليلته في غيبوبة وألم يكابده..دامت
الغيبوبة أيّاما..تداول أهل المدينة الحادثة..
قالوا:"هاجمه شابان انتقاما لأنّه كان صادقا ووفيا فلم
يسمح لهما بالغش في امتحان البكالوريا" وقالوا أيضا:"إنه الوحيد الذي لم
ينجر وراء التيار"..انتقدوه ولاموه..
في ليلته الرابعة
عاد إليه الوعي قليلا..كان عطشا..صاح:
-ماء..ماء
شرب ثم عاود النوم ، في نومه العميق رأى أنه يتجول في
المدينة الفاضلة..دخل سوقها الشعبي..كان مزدهرا والبّاعة في حالة نشاط دائب..كان
يمشي وهو يضع الضمادات على رأسه ويده اليمنى مربوطة إلى صدره..لم يكن أحد
يهتم..رأى بائعا في زيّ أنيق يحمل مُكبِّر صوت والناس من حوله تجمهروا ..تقدم في
فضول فرأى سلعا كتب عليها(الوطن،الشهادات،الشرف، الكذب، الخيانة، الحرام،....)
لم يكن أحد يجرؤ من البسطاء شراء تلك السلع فقط رجال يضعون
نظارات سوداء ينزلون من سيارات فاخرة يأخذون سلعة معينة وينصرفون بسرعة..القليل من
الناس وبعد صراع شديد ينالون قسطا من هذه السلع ويهرولون في نفس الشارع..واصل سيره
في دهشة , وفي زاوية بعيدة وخالية إلاّ من رجل رثّ الملابس بائس الحال قد بسط
أمامه بضاعة نسجت عنكبوت حولها وباضت حمامة..كُتِبَ عليها "الحق"
..اقترب منه ثم بادره بالسلام..وقبل أن يكمل كان محاطا برجال يضعون نظارات
سوداء..قيّدوه وإلى محكمة حملوه..
المحكمة قاعة كبيرة
مرصّعة بالرّخام وفي الزوايا علّقت كاميرات صغيرة وشاشة تلفاز كتب تحتها "أنا
أغش إذن أنا موجود"..في الجهة اليمنى زنزانة اصطفَّ داخلها هو وبعض
المتهمين..على اليسار منصة عالية جلس وراءها رجل ضخم يضع نظارات سوداء وفوق رأسه
علّقت صورة لرجل وامرأة يهرولان وراء طيفيهما..
صاح أحد الرجال :
القضية الأولى :هذا الشاب قبض عليه في امتحان البكالوريا
متلبسا بالجرم.
سأل الرجل الضخم:
-وماهو الجرم ؟
-طيلة حياته الدراسية لم يغش وأثناء البكالوريا بينما كان
الآخرون يعتمدون على الزاد من أوراق وكتب وحروز كان يعتمد على نفسه حتى أن الشاهد
الأول وهو أحد الحراس صرخ في وجهه ألف مرة محاولا أن يساعده بالإجابة إلاّ أنه رفض رفضا قاطعا مخلا بكل
القوانين ..هاكم تسجيلا كاملا للوقائع على شاشة التلفاز.
قال الرجل الضخم:
-إذن حكمنا عليه بقطع اليد.
المتهم الثاني"
-كان وما يزال شعار تلامذتنا الأذكياء من عسّنا فليس
منا..جاء هذا المعلم ببدعة في آخر الزمان ووضع نقاطا على العين والسين ..وراح
يتبجح باختراعه قائلا:
-الأصح هو من غشنا فليس منا.
قال الرجل الضخم:
-حكمنا عليه بأن لا يكون منّا.
المتهم الثالث:
-كان في سوق المدينة ..بينما يتهافت الناس الطيبون
والمواطنون الصالحون على البائع المشهور ويشترون سلعته بالمال والذهب كان يحاول
محادثة البائع المجنون في زاويته المعزولة.
قال الرجل الضخم:
-حكمنا عليه بقطع اللسان وفقع العين.
كان في حلمه
العجيب يصرخ ..لكن صوته راح يمضي للأسفل في عمق أعماقه لا يخرج..أحسّ بغصّة تخنقه
كأن الروح تحاول أن تغادر الجسد..أفاق مفزوعا والعرق كالأنهار يتصبب من
جسمه..أسرع يتحسس المكان والزمان بأصابعه
كأنه يريد أن يعرف موقع الحق من الباطل.
و الصراع في داخله على أشده..
صاح : (أنا أم المجتمع؟!)..لا الصدى أجاب ولا أحد
قبل أن يفعل المخدر فعلته ويمضي في سبات لا إرادي..راح الصمت السويدائي يلف ويلتف
حول المكان متسربا من النافذة الكبيرة للمستشفى..بدأ الإحساس بالسكون والموت ينتشر
في باقي الأرجاء..في لحظة بين غفوة ويقظة انفجر صوت طفل ولد لتوه يملئ المكان
بالبكاء رافضا بقوة الموت والسكون..بينما كان بعض الشباب يساومون رجلا اشترى مكانا
في أمانة من أجل تغيير بعض الأوراق..وللحكاية بقية....