المشاركات الشائعة

الجمعة، 27 يوليو 2012


الإخراج المسرحي...رؤيا جدلية
لا بد أن نعدد مرتكزات ومميزات وخصوصيات المسرح الثالث (المتضمن لنظرية الإخراج الجدلي)، وضوابطه كذلك المحددة لهذا المشروع الجديد والذي يحمل الهم لقضايا لا يمكن أن تطرح بشكل موضوعي إلا من خلال تلمسها داخل إطارات جدلية تؤمن بحركية الفعل الدرامي داخل المجتمعات(جماعة المسرح الثالث )، ومنها إذن تنطلق الفكرة المحورية لمفهوم الإخراج الجدلي لمحينه الأستاذ الكبير والمخرج المبدع والأب الروحي للمسرح بجهة سوس ماسة درعه المغرب.
إن المسرح الثالث هو الوجه الذي يحاول أن يكون في تاريخية الفعل الدرامي في المكان والزمان والتاريخ، فالمنطلق الأول لمنتوج المسرح الثالث يتمثل في:
«-المكــان: لا حاجز ولا قطر بمعزل عن الوجود الإنساني وهذا شرط يعد أساسيا في حماية جغرافية ذلك الوجود من كل التوجهات الديكتاتورية.
الزمــان: حافز دائما في إحساس الجمهور انطلاقا من تحليل إشكالية التفاوت المادي، الذي ينعكس على موقف المكان.
التاريـخ: يرى المسرح الثالث التاريخ حركية حية يمكن استعارتها وتشخيصها مرة أخرى، بناءا على الموقف من الذات والأخر وهو ينبني على إيديولوجية مرحلية.
وهذه إشكالية التحالف والدينامكية بين العوامل التالية: التاريخ جدلية داخل الزمان والمكان كما أن الزمان محرك التاريخ في المكان.
المسرح الثالث يضع أمامه هدف التغيير في تعامله مع جميع النصوص المبدعة.
الفكـرة: هي التصور المنطقي لأي جانب من الفعل الحركي.
الفكرة الثالثة: هي التصور المنطقي للفعل الحركي المنتج، بمعنى أن التغيير في هذا السياق هو التأصيل، والتطوير في نفس الوقت، أي تجدير المشرق في الأصيل.
"ومن هنا جاء مفهوم المسرح الثالث، أي أنه جاء استبطانا لقانون التغيير الجدلي والقانون نفي النفي وحركيته المطورة/الصاعدة في الزمان والمكان والتاريخ وهكذا يأتي المسرح الثالث حامل لمشروع رؤية منهجية إبداعية، مسرحية، حداثية، تنويرية.
"لقد جاءت نظرية المسرح الثالث مع ألمسكيني الصغير كرد فعل على نظرية الاحتفالية، التي جاء بها الأستاذ عبد الكريم برشيد .وكان البيان بيان تطوان 1980، في المهرجان21 لمسرح الهواة بتطوان، وقد جاء هذا البيان بورقة تقنية تحمل اسم المسرح الفقير وترتكز على ثلاث قواعد فنية جمالية هي :
العين ( المتفرج )
الركح ( الممثل )
والأداة ( اللغة ) "
إن الإخراج الجدلي يستمد جذوره الفكرية الإبداعية من الأسس المفاهيمية لقوانين الجدل المادية: قانون نفي النفي، الفكرة الفكرة ضد، الفكرة الثالثة، قانون التحول من الكم إلى الكيف، قانون وحدة وصراع المتناقضات... ومن تفاعلات هذه القوانين مع رؤية المسرح الثالث كمنظور أدبي للكتابة الدرامية.
كما أن الإخراج الجدلي يجادل النص في شموليته يجادل تاريخية إبداعه في الزمان والمكان، يجادل منظوره للزمكان، يجادل رؤيته وبنيته ومواقفه وطريقة تناوله للقضايا والأحداث (بنية النص المسرحي الجدلي ذات منحى جدلي بالأساس) يجادل أحداثه وعلائقه وشخوصه ولغاته وأنساقه الرمزية والعلاماتية والجمالية وأساليبه ومناخاته الدرامية الوجدانية التخيلية الذوقية النفسية العاطفية الإحساسية الانفعالية ومكبوتاته التواصلية.
الإخراج الجدلي أيضا يجادل النص عبر عملية خلق معقد لنسيج مسرحي جدلي متفاعل مع هذا النص لمنظومة من الأفكار والأفعال والأنواع وأشكال وأعداد لا حصر لها من اللغات والقيم الفنية المتجددة والمتطورة باستمرار انطلاقا من أسلوب إبداع جدلي خاص.
على أن الإخراج الجدلي عند عبد القادر عبابو هو امتداد لمسرح ثالث عند المسكيني الصغير وهو كذلك رؤية صريحة ومتينة في خلق الفرجات المسرحية وزعزعة المقدس والطقوسي في المسرح العربي عموما.
فالزمن المسرحي والمعطى الدرامي في مواجهة المتلقي/الراصد/الجمهور هو المحدد الأول والأخير للفعل وللفاعل وللمفعول به داخل التمثلات التي تساق مع ثلة من المخرجين المسرحيين على رأسهم بريشت، مايورهولد و أنطونان أرتو والذين يعتبرون - وهذا رأينا- أن الجمهور هو المعني للعملية الإجمالية للفعل المسرحي انطلاقا من مكونات فكر كل واحد من هؤلاء إذا ما اعتبرنا كذلك تلك النسقية المؤدية في الأخير إلى التفسيرات اللامتناهية والتأويل والتأويل المضاعف والذي قال به كل من امبرتو ايكو وبورس. هذا التفاعل المبدع يتحقق منهجيا وفعليا في سيرورة العرض المسرحي بإنجاز روابط جدلية بالنسبة للإخراج الجدلي ورابط تقنية بالنسبة لمسرح القسوة لأرتو والمسرح الملحمي وضرورة إبعاد الجمهور عن التوحد الكلي وإعطاء الأسبقية للجسد الذي يعني اللغة الدرامية لدى مايورهولد. ينبغي ألا يفهم من هذا التقسيم بأننا ننزع من خلاله إلى إحداث فصل آلي بين الاتجاهات المذكورة. فعلى العكس من ذلك نحن نرى بأن العلاقة التي تصل بينهم هي من التفاعل بمكان نتيجة الالتباس ووضعية الصراع الدائر وما يناقضها من تيارات مضادة صاعدة والتي لا تكون كلها ظاهرة المعاني. ينطوي الإخراج المسرحي على صعوبة قصوى نظرا لكون العمل الإبداعي ليس مكونا وحيدا ومعزولا في بنية أدبية أو إيديولوجية، ونظرا لكون عملية الخلخلة والتغيير التي يمكن إحداثها في كيان الإيديولوجية وتستوجب شروطا أكثر شمولية تتجاوز فاعلية العمل الإبداعي النسبية والغير المباشرة.
إن الملاحظ عموما كفكرة محورية، لكل من بريشت، مايرهولد، وأرتو وكذلك نظرية الإخراج الجدلي هي الانزياح عن كل ما يمكن أن يعطي صورة محايثة وتحاكي الحياة العامة، للإنسان. إنهم يريدون مسرحا يصور الفكرة في أشكال مختلفة إن لم نقل، خيالية لزعزعة كل مقدس، يبقى في شبكة الأفكار والمعلومات المؤسساتية التي أصبحت أنساقا تخدم المصالح الفردية، انطلاقا إذن من مسلمة أن لكل عصر مقوماته ولكل بلد رجالاته.




سعيد بديار المغرب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق