المشاركات الشائعة

الخميس، 2 ديسمبر 2010


من تحولات القرن العشرين الطلائعية: مدرسة الشكلانية الروسية ..

منقول
بقلم الباحثة البولندية ستيفانيا سكفارجينسكا
ترجمة : عدنان المبارك
تحتل الشكلانية الروسية في تأريخ علم الأدب مكانا متميزا . فهي قد حققت الكثير ، رغم عمرها القصير البالغ 15 سنة ، أي منذ الحرب العالمية الأولى لغاية مطلع الثلاثينات ، وقد إكتسبت إنجازاتها أهمية متزايدة طيلة العقود التالية . وكانت مبادراتها الفكرية رغم أحوال المقاومة تنداح في دوائر أوسع فأوسع ، إذ لا يقتصر الأمر على المعرفة الأدبية المشبعة بأفكار هذه المدرسة والتي تطور عدد من مفاهيما على أساس البنوية الألسنية لما يسمى بحلقة براغ الألسنية والتي لقيت الإزدهار بعد الحرب العالمية الثانية فيما يخص البنيوية الألسنية في أوربا والعالم ، بل هناك الأبحاث السيميائية الحديثة التي تدين للشكلانية الروسية بالفضل في إمتلاكها لمثل هذا النطاق الكبير من المواد والقضايا حتى أنه في الغرب شاع حينها رأي بالغ الحماس مفاده أن هذه المدرسة قد عملت بصورة جوهرية على بناء الأسس المعاصرة للعلوم الإنسية.
كان نعت الشكلانية قد ألصقه بالمدرسة خصومها ، وبعدها أخذ به الشكلانيون أنفسهم. و إذا خص الأمر الخلفيات الفكرية للمدرسة علينا الرجوع الى مجموعة كبيرة من التيارات والمواقف في الفلسفة والأستيتيكا والبحوث الأدبية منذ نهاية القرن الثامن عشر لغاية القرن العشرين. وهناك من يربطها بالكانطية والكانطية الجديدة وكل النزعات الشكلية في الفلسفة والأستيتيكا ونظريات الفن بمختلف تياراتها اي من الشكلانية الراديكالية عبر المعتدلة ولغاية صيغتها الخاصة بمورفولوجيا العمل الأدبي ، وهذا قرّب المدرسة الروسية من ( النقدية الجديدة ). كذلك كانت هناك تأثيرات من مدرسة بادن الإيديوغرافية "1" وظاهراتية هوسيرل التي تمثلت بمؤلفه ( الفحص المنطقي ) من عام 1902 ونزعته المعارضة ل(السايكولوجية ) وفرضيته عن النتاجات ( المثالية ) التي تملك وجودا مستقلا . كما لايمكن تجاهل تأثيرات علوم اللغة المتكرسة للنص وإهتماماتها بالجانب الشكلي لنتاجات اللغة في مدار الذرائعية ، أو تأثيرات الألسنية الوظائفية الفرنسية ( غرامون مثلا ) وبنيوية دي سوسير والشبه القائم بين المدرسة الروسية في مراحل تطورها الأولى وبين ما يسمى بالمثالية الجديدة في الأبحاث اللغوية - الأسلوبية لدي فوسلير مما أدى فيما بعد الى نشوء أفكار كروتشه والمفاهيم الرومانسية حول أبحاث همبولدت المكرسة للغة .
إلا أن الأرضية الحقيقية للشكلانية كان الواقع الروسي وتياراته الفنية ومواقفه العلمية في المعرفة الأدبية والألسنية على السواء. وكان الشكلانيون الشباب قد بلورا آراءهم في المعركة ضد الرمزية ونظريتها وضد القمّية "2" والنقد الإنطباعي ، ومن ناحية أخرى تقبلوا مفاهيم المستقبلية الروسية. وكان الشكلانيون قد تجاهلوا العلم التقليدي للأدب بسبب إفتقاده الى الوعي النظري. وتمثل سندهم الفعلي بالمعرفة الألسنية الروسية التي إمتلكت آنذاك مستويات عالية وخاصة في مراكزها الثلاثة أي جامعة موسكو حيث إنتقلت المعرفة الألسنية الى الأخذ بمراتب البنيوية وخاصة فيما يتعلق بقضايا المورفولوجيا ، ومن هذا المركز إنطلق رومان ياكوبسن ونيقولاي تروبييسكوي. كما تشكلت في موسكو ( حلقة موسكو الألسنية ) في شتاء عام 1914 . وكان المركز الآخر ينشط في جامعة كازان وإعتبر المركز الثاني للآلسنيات الحديثة بعد سوسير ، ومن هناك جاء التأثير على شعرية المستقبليين ومفاهيم علماء الأدب الشباب المنتمين الى جماعة ( أبوياز ) التي فرّقت بين أسلوب الكلام الشفوي والآخر الكتابي ، ومهدت الطريق للأبحاث حول الأشكال الطروحية ( الشفوي ينزع الى الحوار ، والكتابي صوب المونولوغ). وتحت تأثير مفهوم فقه اللغة السمعية الألماني إعتبرت النتاجات الشعرية مخصصة للسمع ، ولغرض الحصول على مادة صالحة للبحث أعدّت نظرية ( ترجمة ) لنصوص اللغة الكتابية الى نصوص اللغة الأخرى المنطوقة . وكان الجديد هنا محاولة التفسير الألسني لشعر بوشكين وليرمنتوف ، وبعدها طوّرت هذه الإشكاليات وبصورة خاصة إشكاليات المونولوغ والحوار على الضوء السيميائي والبنيوي والبسيكولوجي.
ويعود الفضل الى الشكلانية الروسية في صيرورة نظرية الأدب علما مستقلا عن علمه ، كما قامت بإرساء هذا العلم على أسس الألسنيات ، وإعتبرت أول من أخذ بمراتب البنيوية وعلم الدلالة في التفكير البحثي.
بمبادرة من أوسيب بريك نشر عدد من علماء اللغة والأدب الشباب مجموعة من الدراسات المكرسة للغة الشعرية ، في بطرسبورغ في عام 1916 ، وكانت بداية سلسلة من الإصدارات الكثيرة صارت فيما بعد لسان جماعة ( أبوياز) التي كانت قد تشكلت في مطلع عام 1917 . وكان أبرز ممثلي المدرسة هم فكتور شكلوفسكي وبوريس أيخنباوم ويوري تينيانوف من جهة ، ورومان ياكوبسن وفكتور فينوغرادوف من جهة أخرى.
وخلال عمرها القصير مرت الشكلانية بفترتين متباينتين في قضايا البحث وشكل الطرح. في الأولى كانت السائدة في نشاط المدرسة المقالات ذات الطابع الصحفي ( مقالات بريك مثلا ) وفي الثانية غلبت الكتابات العلمية البحت. وكان عام 1925 يفصل بين الفترتين إذ تميز بعملية إجمال وتركيب لما أنجزته المدرسة . وكان ذلك العام عام صدور البحث المعروف الذي كتبه أيخنباوم ( نظرية المنهج الشكلاني ) والذي شمل تخطيطا تأريخيا لهذه القضية. كذلك كان عام صدور كتاب توماشيفسكي ( نظريةالأدب ) والذي يعدّ أول تخطيط لهذه النظرية يعتمد على مفهوم وحصيلة المدرسة الشكلانية. وكان الإهتمام الرئيسي لدى الشكلانيين الشباب يتركز على موضوع اللغة الشعرية التي تناولها ياكوبنسكي حيث أقام مجابهة بين اللغتين الشعرية والجارية مدللا على أن الثانية ، وعلى العكس من الأولى ، لاتملك المشكلات الألسنية كالصوت والعناصر المورفولوجية وغيرها، قيمة مستقلة بل هي تخدم أغراص الإتصال العملية في حين أن اللغة الشعرية تخدم ( أغراضا جانبية ).
وكان لمفهوم الشكلانيين حول اللغة الشعرية كنظام لغوي ، علاقة ملموسة ببعض مفاهيم المستقبليين الروس والخاصة باللغة ومحاولاتهم التجريبية في الشعر. والقصد هنا هو مفهوم اللغة ( خارج العقلية ) أي" زاؤمنوي" بالروسية ، والشعر ( خارج العقلي ) الذي هو مشدود بظواهر كلغط الطفل أو الكلمات - التعاويذ السحرية أو الأخرى ( غير المنطقية ) في الفولكلور ، كذلك سعى الشكلانيين والمستقبليين الى مهاجمة نظرية الرمزيين الذين لم يتخطوا في آرائهم حول صوتية اللغة في الشعر مقولة إتفاقها مع المعنى الخارجي للشعر وعلى ضوء العلاقة مع اللغة ( مثلا التنظيم التسموي لصوتية اللغة في الشعر ). وفي الموقف المؤيد للمستقبليين منح شكلوفسكي وياكوبنسكي صوتية اللغة الشعرية إستقلالا كاملا. مثلا وجد شكلوفسكي في دراسته حول الشعر واللغة خارج العقلية من عام 1916 ، في العمل الشعري معنى خاصا به لايعتمد على المعنى المدلولي للكلمات. كذلك نجده يتساءل : ألا يقضي والحالة هذه معنى الكلمات عند تلقي العمل الشعري على المعنى المستقل لصوتية اللغة وبذلك يزيف هذا العمل ؟. وبدافع الإنسحار بالبعد الصوتي للغة الشعرية وسيميائيتها الخاصة هوجمت ، بعنف ، النظرية التقليدية للصورية كمقرّر للشعر والتي آخذ بها الرمزيون.
وقاد التركيز على اللغة الشعرية وبعدها الصوتي بشكل خاص ، الشكلانيين الى البحوث المكرسة لأسس علم النظم الشعري . وكانت حلقة الوصل بين هاتين المنطقتين من الإشكالية قد تمثلت بدراسة بريك المكرسة لأحوال التكرار الصوتي ( سلسلة الأصوات ) في العمل الشعري. وهنا يجتاز المؤلف منطقة علم الدلالة مبيّنا أن كل تكرار صوتي يأتي بمعنى جديد. كذلك كانت هناك التأملات في موضوع العلاقة بين اللغتين الشعرية والإنفعالية التي تكون أكثر قربا من الأولى بالنسبة للغة العملية ، كما كرست التأملات لموضوع ( الدستور ) الصوتي للبيت الشعري ( دراستا ياكوبنسكي وياكوبسن حول الشعر الروسي المعاصر مثلا ). وقد برزت في فحوصات الشكلانيين قضية التنغيم كمبدأ هيكلي للبيت الشعري ، فهناك دراسة أيخنباوم ( ميلوديا الشعر الغنائي الروسي ) والعروض والإيقاع في الشعر والنثر ( دراسة توما شيفسكي عن البيت الشعري) والعلاقة بين الإيقاع وعلم الدلالة في الشعر( فحوصات تينيانوف في اللغة الشعرية ). ويعدّ تغيير بناء علم النظم الشعري من الإنجازات التي تميزت بها مدرسة الشكلانية ولقيت الإعتراف عامة. وفي الوقت نفسه تفرغ هؤلاء لبحث نوعية الأدب والتنظيم الداخلي للعمل الأدبي ومن موقع مناهض للفحوص الأدبية التقليدية التي تسترشد بمعايير بسيكولوجية وسوسويولوجية وفلسفية وأخلاقية وبيوغرافية. وقد أعلنوا أن موضوع الأدب هو نوعية الأدب و( أدبيته) وفق صياغة ياكوبسن. وبعد حالات تردد رسمت حدود منطقة الأدب لكن في البدء قال بعض الشكلانيين إن ( الأدب النقي ) هو الشعر فقط ، فخامته هي تلك ( اللغة الشعرية ) المؤسطرة ، أما النثر فهو منطقة اللغة الجارية ، وفي أحسن الأحوال اللغة الإنفعالية مما قرّب بعض أنواع النثر من الشعر. وفي المحصلة إنتصر موقف أيخنباوم وشكلوفسكي والذي يفيد بأنه ينتمي الى الأدب كل من الشعر والنثر الفني أي كل عمل فني. فما يجمع الأثنين حقيقة أن جميع عناصر العمل الفني ، من الفكرة الى الإيقاع ، هي عوامل فنية ، وإذا كان العمل يحويها فالسبب يرجع الى صفتها هذه لاغيرها. ونلقى ذلك بشكل خاص في دراسة شكلوفسكي المعروفة ( الفن كمسكة ) من عام 1917 والتي تتشكل فيها نظرية العمل اللغوي المتميزة بطابعها التقنوي. وما يقرر النوعية الأدبية للعمل سبل تنظيم الخامة اللغوية كالمسكات ومعدلات مجرى العمل إلخ. أما ميدان هذه المسكات فهو جميع أبعاد العمل الأدبي وبضمنها الموضوع ونظام البواعث ، وفي النتيجة يكف الموضوع عن أن يكون ( كتلة معدومة الشكل ) بل يصبح نسيجا فنيا منظما بواسطة المسكات وبأسلوب يراعي كامل العمل الفني. وفي بحوثه المكرسة للنثر يسعى شكلوفسكي الى تحديد القوانين الداخلية المتحكمة ببنية العمل الأدبي مع الإنتباه الى كليته وليس عناصره وحدها ، وبذلك يقترب من مفهوم الوظيفة البنيوية. وقاد هذا الطريق الشكلانيين إلى تناول نظرية الأصناف الأدبية ، ونقصد شكلوفسكي ونظريته حول النثر ، وسكافتينوف ودراسته للشعرية وأصل الحكايات البطولية الشعبية الروسية، وبروب ومؤلفه عن مورفولوجيا الحكاية. بالرغم من أن شكلوفسكي لم يحدد بدقة ، تلك المسكات فهو قد وفر الأساس لتكامل طرائقية معيّنة في وصف الأعمال الأدبية وتفسيرها.
أما فترة التطور الثانية للمدرسة الشكلانية والتي لم تفقد روحها الطلائعية وإنتقلت الى مواقع علمية أكثر وضوحا وبعدها صارت الأساس وليس فقط لبعض أفكار ( حلقة براغ الألسنية ) بل للمدرسة الألسنية المعاصرة والأخرى السيميائية ، فهي تسمى ، عادة ، بفترة التغلب على الأخطاء والسعي الى التركيب وتوسيع آفاق علم الأدب ، وتناول مسائل كانت قد أهملت في الأبحاث الأدبية . وكان الممثل الرئيسي لتلك الفترة هو تينيانوف الذي إعتمد على ما حققه شكلوفسكي وايخنباوم في مجال تثبيت النزعة الألسنية والسيميائية وريادتهما فيما يخص الإقتراب من مفهوم الوظيفة وعدد من المفاهيم اللصيقة بأسس نظرية الإعلام ، ومن ثم قام بطرح نظرية الواقع التركيبية وليس الواقع الأدبي وحده بل الآخر الموضوعي الذي كان مهما للأدب من خلال تحديد مكانه فيه. ونشر هذا الشكلاني معظم ابحاثه الأكثر أهمية في مجموعة ( قدامى ومجددون) من عام 1929. وكان أمرا مهما تفريق تينيانوف بين شكل العنصر الأدبي ووظيفته وبذلك الإشارة الأدبية ، كذلك مقولته بأن في الأدب ( في النظام الدال من الدرجة الثانية ) تكون هاتان الفكرتان غير منفصلتين بل هما مصهورتان معا، فإلى شكل الإشارة الادبية لاتعود فقط دلالتها اللفظية ( والسبب هو أن الإشارات الأدبية هي إشارات لغوية ) بل جميع الدلالات التي كسبتها الإشارة الأدبية من خلال شتى الوظائف التي أداها قوامها في العمل الأدبي والأدب على شتى مستوياته أيضا. وتكون فكرة الدلالة الوظائفية مهمة بشكل خاص في الأدب إذ انها تطرح على مستو واحد عناصر مادته غير المتجانسة كالإيقاع والبنية الصوتية والأخرى الفينولوجية " 3 " ووسائط التكوين، والمفردات البلاغية والعناصر الحكائية. ويجد تزفيتان تودوروف أن مفهوم تينيانوف حول الوظيفة ذو أهمية كبيرة . ويقول إنها تتكشف على عدة مستويات . مثلا يكون المستوى الأول ( الدخول في علاقة ) هو مستوى ( الوظيفة الإنشائية ) مما يعني إمكانية إدخال الإشارات في العمل الأدبي. والثاني هو مستوى ( الوظيفة الأدبية ) أي إدخال المؤلفات في الأدب ، والثالث هو مستوى ( الوظيفة الشفاهية ) التي يتكامل الأدب بفضلها مع كامل الحقائق الإجتماعية . ويعادل هذا المفهوم للوظيفة قضية تحديد نظام الوصف والذي هو مهم بشكل خاص إذ يحول دون إختلاط المستويات مما قد يؤدي الى تغيرات زائفة للمعاني. ولدى الشكلانيين يملك مبدأ المراتبية هذا أهمية جوهرية . وينتبه تودوروف الى أن في داخل كل طبقة مرتبية تنتظم الأشكال والوظائف في منهج وليس في مجموعات بسيطة. وكل منهج منها يعكس أحد أبعاد الواقع المتجانسة والتي يسميها تينيانوف ب(المسلسلات )، وهكذا الى جانب المسلسل الأدبي في عصر معيّن توجد وليس فقط المسلسلات الموسيقية والمسرحية إلخ بل مسلسلات الحقائق الإقتصادية والإجتماعية والسياسية إلخ. وعندما نبذ تينيانوف النظام المنطقي للعلاقات أصبح موقع رؤيته يشمل الواقع الأدبي والآخر خارج الأدبي بل أنه ربط بحوثه البنيوية بالبعد التأريخي. وهو أمر آخر إذا كانت هذه الصورة المنضدة للواقع و(النقية) منطقيا ، توائم طبيعته الجوهرية وحالات الشيء السائدة فيه أم لا.
ولم يكن هناك فقط طريق تينيانوف والذي قاد في الفترة التالية أي الثانية من تطور الشكلانية ، الى التركيب المتميز لأبعاد الأدب هذه ، والتي كانت موضع الدرس في الفترة الأولى ، بل هناك الطريق الآخر الذي تمثلت نهايته ، كما نعتقد ، بمؤلف ميخائيل باختين ( قضايا شعرية دوستويفسكي ) من عام 1929 أي عام صدور دراسة تينيانوف ( قدامى ومجددون ) . فالتركيب الجديد ألحق بالتحليل أو بالأحرى التفكير المبتكر لفن كاتب واحد. وتكمن عند أسس هذا التركيب مقوّمات نظرية الإعلام: قضية طارح البيان - الرواية - المؤلف وفي عالم مقدّم ، عالم الرواة - الشخصيات ، كذلك مسألة المتلقي وفي أطر عالم مختلق. وفي تركيبيته يوّظف باختين نظرية الأسلوب ( وخاصة الأسلبة والمحاكاة الساخرة ) ونظرية أشكال الطرح وخاصة الحوار والمونولوغ ونظرية الأصناف الأدبية وفي الأخير المشغل الفني . وعند تناوله نتاج دوستويفسكي بنيويا بلغ باختين مفهوما متميزا للرواية ( المتعددة الأصوات ) أي المشيّدة بالشكل الذي تحررت فيه الشخصيات من العبء التقليدي : عرض آراء المؤلف. ومن خلال تفسيره لعمل دوستويفسكي حقق باختين بعدا تأريخيا معيّنا لأبحاثه البنيوية خصّ تاريخ المشغل الفني في كتابة الرواية .
وفي مطلع الثلاثينات كانت الشكلانية الروسية في حالة دفاع أمام الإتجاه الماركسي الذي إعتبر في حقل المعرفة الأدبية الأساس الأيدولوجي في الإتحاد السوفيتي وحقق الإنتصار النهائي بمعونة عوامل معروفة كانت خارج بحثية. وكان الهجوم قد تركز على طرائقية الشكلانيين وليس كما يذكر المؤرخون الماركسيون على إنجازاتهم التحليلية التي صارت موضع الإعتراف مع مرور الزمن وبعد محو نعت اللاتأريخية عنها والإبراز النسبي لبعدها التاريخي ومن ثم تخصيص مكان لها وخاصة لأعمال شكلوفسكي وباختين في منجزات العلم آنذاك. وفي النهاية كفت الشكلانية كمدرسة ، عن النشاط في مطلع الثلاثينات إلا أن أسسها وعددا من مفاهيمها كانت ، كما تبين ، حيوية في المدار الأوربي. و الأكيد أن أسباب ذلك تعود الى الشبه القائم بين بعض إتجاهاتها البحثية والإتجاهات الأخرى مثل الوجهة السيميائية ل( النقدية الجديدة) والأخرى الألسنية للأستيتيكية العقلانية الفرنسية ( فاليري ) أو البحوث والأنشطة البولندية ، إلا أن الصلة الأوثق بالشكلانية الروسية إمتلكتها ( حلقة براغ الألسنية ) من الثلاثينات. ومنها تطور الإتجاه بصورة دينامية أثناء الحرب وبعدها في الولايات المتحدو وأوربا على يد خالقه وزعيمه رومان ياكوبسن. ومعلوم أن هذه الشكلانية لعبت دورا بارزا في بلورة مفاهيم الشكلانية الجديدة في فرنسا ( " تل كيل " ، تودوروف ، كريستيفا ) وإنجلترا.

~~~~~~~~~~~~~~~~~

هوامش المترجم :

"1" - الإيديوغرافيا منهج يخص منح الشيء فكرة بمساعدة الإشارة أو الرمز ، أو كونها نظاما كتابيا تحل فيه الإشارة محل الحرف.
"2" - القمّية إتجاه في الشعر الروسي نشأ حوالي عام 1910 ، وكان جوهره يتمثل في الكلاسية المحدّثة والعداء للرمزية ، والعودة الى اللغة الجارية ( العملية ).
" 3 " - تعني الفينولوجيا بالضبط العلم المتفرغ لفحص الظواهر الوقتية في الحياة العضوية .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق