المشاركات الشائعة

الخميس، 30 ديسمبر 2010

قصيدة الادريسية

قصيدة الادريسية ادونيس محمد

قلبي ضاق ومالقيت الي يفاجيــه = اتهـلك بيه المحـايــن قـواتـــو
ضاري واسع كي البحريتنعت بيه= ولا مثـل الفـج هذ يـك انعـاتـو
وذركة ولا قالي جات أتـنـويـــه = ومضيع ثانـي الي من حاجاتو
يا تمحاني وش ذ القلب أمنويـــه = متبـكـم مابــاح بالــي نـواتـــو
 شاهي نقدى للمصيف انجول عليه=لراس العين امنين كبت خيراتو 
انفاجي هم ان إزداد انــح عليــه = الواحـد شويـه يهمـل ساعـاتــو
ونبدى بسم الله قولي ننظم فيـــه = بأجمل ما غنى الشاعر ببياتـو
بالصلاة على النبي و على آليـه = مـول المعجـزات شفيع اماتــو
ذا وطني خير المدن ونفاخر بيه = امزخرف ومشيـد ة ثماراتـــو
ازنينة لا كان ذ الإسـم انوريــه = برالبركـات والخيـر اعطاتــو
من بكري مقصود والزيار تجيه = لاخــوان يجونا يضلو ويباتــو
ازنينة يا سامع كلامي ساعيــه = ذركه الدهر يعيد عنها ذكراتو
ازنينة اسم ان تقال و نلفض بيه = فتات الرومان من خير ابناتــو
من عهد الرومان ولا حذاه الهيه = و من قبل المسيح هووا ماتــو
وبعض يقول تعود من بربرولهيه=هذه البلدة نالت الإسـم اسعاتـو
بر البربر كانت زناتـــة تـمـليــه = من اقـدم زمـان هما حماتـــو
سليم وهـلال ثانــي سكـنــو فيـه = من قبل البـد ارنة عنها فاتــوا
ازنينة تاريخـها لا من يحصيــه = من قبل الميلاد لليـوم ابذاتـــو
محلا هذ البر من زارو يشتيـه = الخاطريرضى بيه تبرى علاتو
امشكل مثل الحوض وجبالوتحظيه=من أربع أركان تحلى شوفاتو
بــن صالح هـذاك نفــع الله بيــه = ولا أذى قلنا امحمد في ذاتـوا
كان على البـدارنة طالب وجيــه = بوشعــاله ظاهرة كـراماتـــو
سيداحمد بن يوب مايبعدش اعليه=يرحم ربي الي مساميهم ماتو 
وقبة سيدي التونسي بانت من هيه=جيهة كاف البازهاذيك انعاتو
وجاو الترك اعقابهم شوف لبنييه = ذركة راها ذاهبــــة أثاراتــو
وحكم الإستعمار باه انوضو ليــه = ذى حكم الغرات شفنا ويلاتـو
الإستعمارمنين جاء ذاالغاشي فيه=احتلو وطني ونهبــو خيراتــو 
معركة سردون راها تشهد ليـــه=قداش ان شهيد عن وطني ماتو 
وتحرر هذا الوطن ورجالو فيـه = سبع عروش من لفحول اتولاتو
كرمه والمسكين ثاني حضو بيه = سلاكين الي ازدادة محـنـاتــو
ازنينة بر الزوي و الناس تجيـه = وكذا من قـنـدوز فيها قـراتــو
الأميـر وزار ذ البـر اقعــد فيــه = ازنينه من كل خيرات اهداتـو
عبد القادر ذاك أسمه ظاهر بيه = ومقامو للأن باقــي حجراتـــو
ودعى دعوة لخالقوا وستاجب ليه=ربي هذ البر تكثــر خيـراتـــو 
وبن ساعد حرفوش بالاسم نسميه=وعبد المالك هو السعيد بذاتو 
أإمة في الدين راهم شاعــو بيــه = ربايين اجيــال بالعلم يهــاتـــو
المسجـد العتيـق هما كانـو فيــه = من شاو التأسيس رفعوراياتــو
وعبد القادر طاهري عالم فـقـيـه= زاهد ساجد عابد الليل ايبــاتــو
مول دعوة خير كامل شهدو ليه = نفـــع الله بيـه وبـكــرامــاتــــو
وسي عطية ذاك تلميذو يرضيـــه= قراه المنزول وحفض سوراتـو
أتخرج من ذ الـبلاد وسال عليــه = ومعـاه الكثيـر حيـيـن وماتـــو
وراؤول بوني ذاليكول سماه عليه=الكشافة جات من بعـد اسعاتـو
لادريسيـة شايعـة ذا المركـز بيــه = رمز من التراث في ذكراياتـو
والمجاهد عمر ادريس أنتسب ليه = الادريسية نالت اسماه اداتــو
وفيها ثاني سي أحمد لمين أعنيه = زاويتــو قداش واحـد قراتـــو
هذ الراجل صاحب الفكروتنيبيه = مولى حكمـة شايعين احكاياتـو
وبن بن حمزه سي بوبكرسلم ليه = لركاب وزيا ر قـاع اتعنـاتــــو
بيت الحضرة دايم لخوان تجيه = بالذكرو تقصاد تحلى سهراتو
هــذ بــر الصالحين امسلم ليـــه = اينفعـنا ربـي بخيـرة ولاتـــــو
مول النية حاجتو مقظيــة فيـــه = انوي الخيرتصيب تجني ثمراتو
يتهنى في حالتــو همـو يخطيــه= يتلا شى همــو وتسعـــد حياتـــو  
ويفرج ربي على لي ضاقت بيه=يتهنى ويـــزول عنــو تنهاتـــــو 
ويحفظ هذ الوطن كامل بالي فيه = ويجعل ناسو صاينينو حماتــو
وكفيهم شــرالبلاء والي ياذيــه = ويفيظ رزقو فيه تكثر خيراتــو
يا سامع هذ الكلام اتمعـن فـيــه = شوف لكنهو لا تشوفش لآبياتو
وافهم معنى القول يظهرلك خافيه=واشرح لفضو باه تجني غلاتـو
أدونيس القول جابـو بالتوجيــه = محمـد غـلام ذ الفكــرة جاتـــو
جاتو غيرة قال وطني نرفع بيه = يعلى شانو باه تخلد ذ كـراتـــو
ودايم وطني غير وطني مانبغيه= قصر أزنينـة شايعيـن احكاياتــو  
بن لبقع جاب الكلام يعـد ل فيـه = عبد القـــادر يا سامع لأبيـاتـــو
البدوي في الريف باباه امربيه = وازنينة هي المكــان ابـذاتـــو
والشاعر هزيل شارك بمعانيه = غيمـــو ســـدى راه أرواقـاتــو
ومحمد حرفوش ذ الشاعرسميه = باحث في التاريخ قال رواياتو
و عبد القادرجاب قولوشارك بيه= بالشاعرمعروف قول وصيفاتو
واذا قلت قوادري علي حيـيـه=حقـق في المقال وافحص أبياتــو 
في النسب لسي أحمد لمين يجيه=جدو موسى بن احسن ذوك أنعاتـو
وقدوري ولد الوطن واترابي فيه=بن صالح مادلاسم وصيفاتو 
نشكرهم شكــر المحبة ونوفيـــه=علـى ماقــــدم كل آخــــر ببياتـو 
و الصلاة على النبي وعلى آليه=مول المعجـزات شفيــع امـاتــــو 

الخميس، 16 ديسمبر 2010

الأوزان الخليلية وحضورها في أشعار محمود درويش 2/1*/منقول


الأوزان الخليلية وحضورها في أشعار محمود درويش 2/1*

بقلم: فراس حج محمد *

المحرر | غير مصنف | 2010.12.15


تهدف هذه الدراسة إلى تتبع شعر الشاعر محمود درويش بدءا من ديوانه الأول أوراق الزيتون، وانتهاء بديوانه الأخير، المنشور بعد وفاته “لا أريد لهذه القصيدة أن تنتهي”، وحضور الأوزان الخليلية في شعره، وأعني هنا بالضبط حضور القصيدة بشكلها القديم (قصيدة الشطرين) في دواوين الشاعر، محاولا الرد على تلك المقولات النقدية والفكرية التي تقول: إن الشعر الحر خيار تقدمي اشتراكي أو ديمقراطي حداثي أو ما شابه هذه المصطلحات، التي تغص بها مقالات النقاد والشعراء.

ولم أقتصر على شعر محمود درويش، بل بدأت بالحديث عن وجود هذه الظاهرة عند شعراء آخرين فلسطينيين وعرب، لهم باع طويل في كتابة القصيدة الحديثة وتطورها، وعدا كونهم كذلك هم شعراء ثوريون يساريون أو تقدميون، لأبين أن الأدب وأشكاله وأجناسه ليست حكرا على طرف دون طرف، وأن الحكم العدل في ذلك ليس الشكل، ولكن الأفكار المطروحة في هذا النص أو ذاك هي التي تحدد انتماء الشاعر أو أيديولوجيته.

وقد اتجهت في تتبع هذه الظاهرة عند الشعراء الآخرين (غير درويش) لدواوينهم المطبوعة أو أعمالهم الشعرية الكاملة، ولو أردت تتبع هذه الظاهرة في أشعار كل الشعراء المعاصرين لحصلت شعرا كثيرا وديوانا ضخما، ولكن كما يقولون: “ما لا يدرك كله لا يترك جله”.

وقبل أن أجدف في بحر متلاطم الأمواج عميق الغور خطير المسالك، وجدت من الضروري تحديد مقصود بعض المصطلحات التي تحكم هذه الدراسة وتسير عليها، وخاصة مصطلحي: القصيدة العمودية/القصيدة التقليدية، والأوزان الخليلية.

أرى أن هناك خلطا في استخدام مصطلح القصيدة العمودية، والحاصل في ذلك هو اعتبار كل قصيدة تنهج نهج النمط التقليدي الشكلي (ذو الشطرين) هي قصيدة عمودية، والحقيقة غير ذلك، إن المقصود بهذا المصطلح هو تلك القصيدة التي التزمت عمود الشعر العربي بقواعده السبعة التي قررها المرزوقي شارح ديوان الحماسة لأبي تمام [1] ، ونص عليها في مقدمة هذا الشرح، ولم يشترط المرزوقي في حينه الشكل التقليدي (ذو الشطرين) كأحد مقومات القصيدة القديمة، لأن الشعر العربي وقتها لم يكن يعرف من الشعر أشكالا أخرى، فكان للقصيدة شكل ظاهري واحد؛ قصيدة مكونة من مجموعة أبيات، وكل بيت يتكون من شطرين متساويين، والشطر الثاني ينتهي بقافية واحدة تنتظم كل أبيات القصيدة وتضبط إيقاعها الموسيقي الخارجي، مع أن المرزوقي قد حدد مقومات أخرى غير الشكل على القصيدة لاعتبارها عمودية، وبناء على مقومات المرزوقي أخرج النقاد -على سبيل المثال- الشاعر العباسي أبا نواس من نطاق الشعر العمودي، لأنه لم يلتزم بتلك المحددات.

ويدخل تحت هذا المصطلح مصطلح القصيدة القديمة كمصطلح مرادف للقصيدة العمودية، كذلك فإن في الأمر تخليطا ليس ببسيط، أو هين، فهل كل قصيدة كتبت بنمط قصيدة الشطرين قصيدة قديمة تقليدية، إذن فكل من كتب مقالا هو مقلد لأول من كتب مقالا، ومن كتب رواية فهو مقلد لأول راو كتب في هذا الفن، والأمر ينسحب على كتاب الشعر الحر أو شعراء القصيدة بالنثر، لذا يبدو من وجهة نظري أن مصطلح (قصيدة قديمة أو تقليدية) مصطلح عقيم وخادع ليس له وجود أو معنى أو ظروف طبيعية ليعيش ضمنها، وعليه فإنني قد اخترت استخدام مصطلح (قصيدة الشطرين) مع المراوحة أحيانا مع مصطلح (الأوزان الخليليلة)، على اعتبار أن هذين المصطلحين بسيطان، ولهما ارتباط خارجي شكلي، وليس له أي مضمون فكري أو أيديولوجي.

(1) حضور قصيدة الشطرين في أشعار شعراء الحداثة العرب

إن من يتتبع مسيرة الأدب العربي يرى أن الأشكال الشعرية والنثرية تطورت وتوالد بعضها من بعض دون إحداث ضجات فكرية مغمسة بدعوات التجهيل أو التكفير، بل سار الأمر سيرا طبيعيا، معبرا عن حاجة في النفس، تتوسل بأدوات متعددة لإشباع تلك الحاجات، وليس الأمر محكوما بفكر مسبق متبنى يدّعي أصحابه سلفا أنه هو الصواب والتطور وما عداه هو الخطأ والتخلف، ومن هنا جاء التطور في أشكال الشعر العربي قبل ثورة الشعر الحر، ولعل أكبر تطور حدث في بنية القصيدة بشكلها المعهود هو الموشحات، ولكن هذا التطور لم يستفد منه الفائدة المرجوة فمات، ولم يعمر، وقد يكون موته أمرا طبيعيا، لأنه لم يعد يلبي حاجة في نفس قائله، ولم يشعر أحد من الشعراء أنه بحاجة لأن يقول موشحا.

وهذا الأمر ينطبق على مسيرة الشعر الحديثة، فوجود الشعر الحر هو نابع عن حاجة في نقس القائل، وليس مرتبطا بفكرة ما، وللتدليل على ظاهرة حضور هذه الأشكال الشعرية (الشعر الحر، والشعر ذو الشطرين) متجاورة ومتجانسة في شعر الشاعر، تعمدت اختيار شاعرين عربيين هما: الشاعر أمل دنقل والشاعر مظفر النواب، ومن شعراء فلسطين توقفت الدراسة عند نماذج من شعر فدوى طوقان، والشاعر محمد القيسي والشاعر مريد البرغوثي، ويعود السبب في هذا الاختيار لأن هؤلاء الشعراء ثوريون، وهم ينتمون إلى مرحلة ما بعد الريادة الشعرية، ووجدوا في وقت كان الشعر العربي قد استقر بكل أشكاله التعبيرية.

ويغلب على ظني أن هؤلاء الشعراء عندما كتبوا أشعارهم لم يكونوا يعيشون وَهْمَ حساسية القديم والحديث وذلك الصراع المفتعل بين أتباع كل منهما، وقد وظفوا الشكلين الشعريين إبداعيا وذاتيا كما تمليه عليهم لحظة الإبداع الشعري، دون فكر مسبق أن هذا الشاعر أو ذاك يعادي نمطا شعريا أو يوالي شكلا مغايرا، لأنه ببساطة مطلقة لا يوجد تضارب أو عداء ما بين أشكال الأدب وأجناسه، وما هذه المعارك التي سمعنا جعجعة أصحابها أو قرأنا وقائعها ما هي إلا غبار قصور في الفهم عند الطرفين، وقد استعنت بشعر هؤلاء الشعراء لأدلل على وجود هذه الظاهرة فقط، وليس لأقوم بمسح شامل في أشعارهم، كما فعلتُ مع أشعار محمود درويش، إذ تحدثت بالتفصيل وتتبعت الظاهرة بكل أشكالها في شعره.

إن من يطالع شعر الشاعر المصري أمل دنقل، تفاجأه قصيدة “رسالة من الشمال“ المكونة من ثمانية وثلاثين بيتا، ينتظمها البحر المتقارب، وتسير القصيدة كلها على إيقاع موسيقي واحد، يدل على أن القصيدة كتبت كقصيدة تلتزم الشطرين. وأختار من أبيات هذه القصيدة قول الشاعر:
بعمر – من الشوك – مخشوشنِ
بعرق من الصيف لم يسكنِ

بتجويف حبّ، به كاهن
له زمن .. صامت الأرغن:

أعيش هنا لا هنا، إنّني
جهلت بكينونتي مسكني

غدي: عالم ضلّ عنّي الطريق
مسالكه للسدى تنحني

علاماته .. كانثيال الوضوء
على دنس منتن… منتنِ [2]


وتظل القصيدة تدرج بهذا النفس الخليلي السلس حتى تنتهي، فلن تحس بتخلع موسيقي أو كسر لإيقاع الرتابة الوزنية، بالإضافة إلى أن القصدية متوفرة في هذه القصيدة، فالشاعر كتبها وهو يعلم أنه يكتب قصيدة بنمط الشطرين، وهذا واضح من البيت الأول الذي جاء مصرعا [3] ، ولم يحفل الشاعر بترتيب الأبيات ترتيبا كما هو معهود في قصيدة الشطرين، بل تجد أبياتها منثورة على الصفحات ليوهمنا أنها من الشعر الحر، إلا أن الأمر لن يخيل على القارئ المتفحص، عدا أن الشكل الفني للقصيدة لن يخرجها من حداثيتها وثورية أفكارها، فليس الشكل بعائق أمام حمل رسالة الشاعر أيا كانت هذه الرسالة.

أما الشاعر العراقي مظفر النواب، ذلك الشاعر المبعد عن وطنه، كونه شاعرا ثوريا، يتبنى أفكارا تسمى بعُرْف أصحابها بأنها تقدمية، فإنه لم يتخلَّ عن هذا النمط من الشعر، ذي الحساسية الوزنية الرهيفة، وذي الطاقات الإيقاعية الغنية، وأي شاعر يستطيع التخلي عن هذا الكنز الموسيقي الثرّ؟ غير الشاعر السقيم الغبي الفرح بغبائه يفلسف ما ترسب من أوهام في قعر كأس مثلومة الحوافّ.

وتجلى هذا الشعر في ديوان مظفر النواب بقصيدة عنوانها “باللون الرمادي“، تمتد قامتها لتصل تسعة عشر بيتا، تنضح بالمعاني الثورية التي طالما تغنى الشاعر بها، وهذه القصيدة الجميلة التي خصصها الشاعر لدمشق وحنينه لهذه المدينة العريقة، لتقوم دليلا على حسن اختيار الشاعر لأوزانه ورصف بناء أشعاره، بحلة شعرية متماسكة القوام تتوسل بالبحر البسيط لتكتمل موسيقاها وإيقاعاتها الرتيبة، مستفيدا النواب -كما دنقل- من ميزات قصيدة الشطرين، وأعني هنا التصريع في البيت الأول، يقول النواب في بعض أبيات القصيدة:
دمشق عدت بلا حزني ولا فرحي
يقودني شبح مضنى إلى شبح

ضيعت منك طريقا كنت أعرفه
سكران مغمضة عيني من الطفح

أصابح الليل مصلوبا على جسد
لم أدر أي خفايا حسنه قدحي

دفعت روحي على روحي فباعدني
نهدان عن جنة في موسم لقحِ [4]


وتجد هذا الشكل حاضرا وبقوة في أشعار الشعراء الفلسطينيين، ولم يكد شاعر من هؤلاء يتجاوزه أو يستغني عنه، كونه عاملا شعريا مهما، وذا دلالة في الشعر الحديث، عدا إمكانياته الهائلة التي لا بد من توظيفها لتحمل معاني الشاعر وعواطفه.

فقد اعتنت الشاعرة فدوى طوقان بهذا الشكل الفني للشعر العربي أيما عناية، وقد شكل هذا الشعر علامة بارزة في أشعارها، وسأختار لذلك قصيدة من ديوانها الأخير “اللحن الأخير“، وجاءت القصيدة بعنوان “صورة ذاتية“، وتهديها الشاعرة إلى الكاتبة الفلسطينية ليانة بدر، تقول الشاعرة فدوى طوقان:
وراءك شوط طويل المدى
سفحت عليه سنين العمرْ

وكم فلسفتك حياة تمرْ
على جانبيها بحلو ومرْ

زوت عنك وجه بشاشتها
وأولتك وجها لها مكفهرْ

خبرتِ تناقض حالاتها
ولم تدركي كنهها المستترْ

وقد حان أن تستريحي وتلقي
عن المنكبين غبار السفرْ

فحسبك أنك لم تهزمي
ولا حطمتك سهام القدرْ [5]


ولم يتخل الشاعر محمد القيسي عن قصيدة الشطرين، بل كان هذا الشكل حاضرا بشكل لافت في مجموعته الشعرية، بقصائد مستوية على سوقها، تعجب القراء لتغيظ بها أدعياء الحداثة الشعرية، فإذا ما طالعت تلك المجموعة فإنك ستقرأ له قصائد خليلية الأوزان لها اعتبارها الفني الأصيل، ومن تلك القصائد أذكر القارئ الكريم بعناوين من تلك القصائد “امرؤ القيس، الأباريق، رومية) [6] .

ويراوح الشاعر محمد القيسي بين النمطين في القصيدة الواحدة؛ ففي قصيدته “الوقوف في جرش” [7] ، يفتتح القصيدة بمقطع شعري مكون من اثني عشر بيتا يلتزم فيه الشكل الخليلي للقصيدة العربية، وبعد أن يمضي في عباب قصيدته شاعرا حرا، تراه مرة أخرى يعود إلى قصيدة الشطرين، وهكذا مزاوجا بين الشكلين بتناسق تام وجمالية رفيعة المستوى، وقد بلغت تلك المقطوعات الخليلية خمسة مقاطع، منوعا الشاعر في أوزانها وإيقاعاتها، مما منح القصيدة تنوعا موسيقيا يعبر عن ذلك الوقوف في جرش حيث المأساة الفلسطينية في سبعينيات القرن الماضي بأيلولها الأسود، ومن هذه المقطوعات أختار هذه المقطوعة التي تفيض حزنا وشجنا طافحين:
دفنا أجمل الفتيان فيكِ
وقلنا يا صبية هل نفيكِ؟

فمن أسقاك هذا الكأس مرا
سقاني من لظاه بختم فيكِ

وقفت على طلولك في جلال
أريك من الهوى ما لا أريكِ

لئن طوفتُ في البلدان عهدا
فقد كانت يداك هما شريكي [8]


وبالتقنية نفسها نجد الشاعر مريد البرغوثي في قصيدته “طال الشتات” [9] يزاوج بين النمطين بانسجام تام دون حدوث نفور موسيقي أو بنائي في جسد القصيدة، ويفتتح البرغوثي كذلك قصيدته المطولة بمقطع شعري مكون من سبعة أبيات، يقول البرغوثي فيه:
طال الشتاتُ وعافت خطوَنا المدنُ
وأنت تمعن بعداً أيها الوطنُ

كأن حبك ركض نحو تهلكةٍ
ونحْن نركض لا نبطي ولا نَهِنُ

يقول من لم يجرّب ما نكابدهُ
كأنّ أجملَهم بالموتِ قد فُتِنوا

ولو حكى الموت بالفصحى لصاح بنا
كفى ازدحاما على كفيّ واتّزنوا

يهوي الشهيد وفي عينيه حيرتُنا
هل مات بالنار أم أوهى به الشّجنُ

لك اتجهنا وموج الحلم يجمعنا
فبعثرتنا على أمواجها السفنُ

ارجع فديتك إن قبرا وإن سكنا
فدونَك الأرض لا قبر ولا سكنُ [10]


ويكرر الشاعر هذه التقنية في ثنايا القصيدة حتى بلغت المقطوعات الشعرية من نمط شعر الشطرين في القصيدة كلها ست مقطوعات شعرية بواقع أربعة وثلاثين بيتا، محدثة إيقاعا رتيبا، وتجربة إبداعية تنظر إلى الطاقات الكامنة في الشعر فتوظفها مستفيدة منها، بعيدا عن القوالب النقدية الجاهزة، والتي ليس لها أساس من الصحة.

(2) الأوزان الخليلية في شعر محمود درويش

بدا واضحا في القسم الأول من الدراسة أن الشعراء العرب الحداثيين والتقدميين لم يتخلوا عن قصيدة الشطرين، وأفادوا من إمكانياتها الغنية في الإيقاع والموسيقى والتعبير عن الفكرة، وقد تم رصد نوعين من هذه الإفادة عند هؤلاء الشعراء؛ الأولى مجيء القصيدة كاملة على الوزن الخليلي للبحر الشعري الذي صيغت القصيدة عليه، والثاني مزاوجة الشاعر بين الوزن الخليلي وشعر التفعيلة في القصيدة الواحدة.

وعند الاطلاع على شعر محمود درويش الذي يمتد ردحا طويلا من الشعر وحقبة غنية من الدواوين، منوعا في الأسلوب والاتجاه والسمات والموضوعات، سيجد الدارس أن هذا النمط من بناء القصيدة لم يفارق درويشا في كل مراحل مسيرته الإبداعية، مما يؤكد المقولة التي بدأت فيها هذه الدراسة من أن الشاعر الذكي هو الذي يحسن توظيف كل الإمكانيات المتاحة له، وأن لا يحجر على نفسه بدعوى باطلة من مثل أن الشكل جزء من المضمون، وقد ثبت أن المضمون حتى يستقر يأخذ أشكالا متعددة، فليس هناك محتوى ما يناسبه شكل أدبي خاص.

ويبدو أن الشاعر محمود درويش واع لمثل هذه المسألة وعيا تاما، فالشاعر ليس ارتجاليا في كتابته الشعر، بل إن درويشا يصرح أن “كل تخطيط لقصيدة هو عمل واع، وإذا ظهرت ملامحه تتحول القصيدة إلى مجموعة مقولات وتتحول أيضا إلى فلسفة” [11] ، ولذا عندما تفجؤك قصيدة من شعر الشطرين فاعلم أن الشاعر يريدها أن تكون كذلك، وأن لحظة ما يسميه درويش “الحدس” هو الذي فرض عليها الشكل، فالشاعر يرى أنه “يبدأ من اللحظة الموسيقية” [12] ، ويتابع عمله في هذه القصيدة مصرّا على أن يبني قصيدته “بناء هندسيا، وهذا ينطبق على القصائد الطويلة والقصيرة في آن واحد” [13] .

ويستطيع المرء أن يكون أجرأ من ذلك ليقرر أن درويشا كان يقصد كتابة قصيدة من شعر الشطرين عن سابق إصرار، وهذا ما يلمسه المرء من خلال قوله: “على الشاعر أن يعرف كيف يتمرد على الرتابة الموسيقية، وأحيانا يكون هناك إيقاع عال لا يحمل إلا برتابة ما” [14] ، فالشاعر يرى في هذا المقتبس أن هناك لحظات من التوتر الشعري تحتاج إلى إيقاع عال، وإذا ما قورن هذا القول بالشعر الذي جاء به درويش فحتما سترى صدق المقولة التي أوردتها في مستهل هذه الدراسة.

وبناء على ذلك، ومن خلال استعراض ما كتب الشاعر محمود درويش من قصائد ضمتها مجموعاته الشعرية، وجدت أن درويشا قد وظف هذا الشكل، وجاء توظيفه له في ثلاثة أشكال: قصائد تبدأ خليلية، ثم يكسر فيها الإيقاع الخليلي، وقصائد مزج فيها الشاعر الشكلين معا: الشكل الخليلي للقصيدة مع شعر التفعيلة فيما يعرف عند الشاعر بظاهرة الفواصل الإيقاعية، وقصائد كاملة مسبوكة على نمط الوزن الخليلي من أولها إلى آخرها، وفيما يأتي تفصيلٌ وبيان لذلك.

أولا: كسر الرتابة الموسيقية

يبدأ الشاعر محمود درويش ديوانه أوراق الزيتون بقصيدة “إلى القارئ” [15] ، وهي قصيدة أقرب إلى شعر الشطرين من الشعر الحر، وذلك من ناحيتين: النغمة الموسيقية والخطابية المصرح بها، إذ يخاطب الشاعر قارئه بحديث مباشر مقررا أنه لن يكون هامسا، وبعد إعادة ترتيب كلمات القصيدة وتوزيعها على الشكل المعهود لقصيدة الشطرين، تصبح القصيدة بالشكل الآتي:
الزنبقات السود في
قلبي وفي شفتي … اللهبْ

من أي غاب جئتني
يا كل صلبان الغضب؟

بايعت أحزاني .. وصا
فحت التشرد و السغب


بعد هذه الأبيات الثلاثة يكسر الشاعر هذا الإيقاع الرتيب بزيادة تفعيلة في البيت الرابع، وقد شكلت هذه التفعيلة جملة اسمية متكررة في أسلوب صياغتها مع ما سبقها، وهذا يشير فعلا إلى أن الشاعر قد تعمد كسر الإيقاع، لاسيما أن حذف هذه الجملة وزنا ومعنى لا يضير القصيدة في كبير ضرر:
غضب يدي/ غضب فمي .. و دماء أو
ردتي عصير من غضب!


فالجملة المُشار إليها بوضع الخط تحتها أو تلك التي سبقتها هي تفعيلة كاملة من وزن البحر الكامل (مُتَفاعلُنْ)، جاءت تفعيلة إضافية على وزن الكامل في حالة كونه مجزوءا، أي مكونا من أربع تفعيلات من أصل ست، فبعد حذف هذه الجملة أو تلك (غضب يدي/ غضب فمي) ينتظم الإيقاع مع الأبيات السابقة:
غضب يدي و دماء أو
ردتي عصير من غضب!


وأنا إذ أختار هذا الترتيب أو هذا التحليل فإن النص يسعفني كثيرا، فبعد هذا البيت الذي يكسر الرتابة فيه، يعود الشاعر في البيت الخامس إلى نظام أبياته الأولى:
يا قارئي! لا ترج مِنْ
ني الهمس! لا ترج الطرب


وأما البيت السادس فلا يعدو كونه ركضا وراء الإيقاع للوصول إلى القافية، ولهذا فقد زادت تفعيلة على الرتابة الموسيقية، ولكن مع ذلك سيظل النمط الشعري ذو الشطرين مسيطرا على القصيدة، حتى إذا وصل إلى آخر الأبيات عاد إلى الإيقاع الأول ليختم رسالته “إلى القارئ”
حسبي بأني غاضب
والنار أولها غضب!


ويتضح هذا الكسر الإيقاعي في قصيدة بعنوان “مرثية” [16] ، فقد بدأ الشاعر قصيدته ببيتين من مجزوء الكامل:
لملمت جرحك يا أبي
برموش أشعاري

فبكت عيون الناس من
حزني … ومن ناري


وعلى الرغم من أن الشاعر يكسر الرتابة في القصيدة كلها بعد ذلك إلا أن صياغتها والنغم الموسيقي فيها يشعرك بأنها إلى شعر الشطرين أقرب من الشعر الحر.

ومن أشكال كسر الإيقاع الموسيقي في القصيدة الدرويشية ما جاءت عليه قصيدة “عن الصمود” [17] ، وهي قصيدة من مقطعين، يتكون كل مقطع من ستة أبيات، وكل مقطع يتخذ قافية مختلفة عن الأخرى، وعدا ذلك فإن الشاعر قد خرج من الرتابة الموسيقية في آخر سطر من المقطع الثاني ليكون هذا السطر ثلاث تفاعيل بدلا من أربع، والتي تحكم المقطعين بكل أبياتها:
لو يذكر الزيتون غا
رسه لصار الزيت دمعا!

يا حكمة الأجداد لو
من لحمنا نعطيك درعا!

لكنّ سهل الريح، لا
يعطي عبيد الريح زرعا!

إنّا سنقلع بالرمو
ش الشوك والأحزان … قلعا!

وإلام نحمل عارنا
وصليبنا! والكون يسعى …

سنظل في الزيتون خض
رته، و حول الأرض درعا!


-2-
إنّا نحبّ الورد، لا
كنّا نحبّ القمح أكثر

و نحبّ عطر الورد، لا
كنّ السنابل منه أطهر

فاحموا سنابلكم من الـ
إعصار بالصدر المسمّر

هاتوا السياج من الصدو
ر .. من الصدور؛ فكيف يكسر؟؟

اقبض على عنق السنا
بل مثلما عانقت خنجر!

الأرض، والفلاح، والـ
إصرار، قل لي: كيف تقهر؟

هذي الأقانيم الثلاثة، كيف تقهر ؟


ويتجه كسر الإيقاع عند درويش صورة أخرى فيما يتصل بترتيب القصيدة وعلاقة ذلك بالقافية؛ ففي قصيدة “لا تنامي حبيبتي” [18] يوزع الشاعر قصيدته على أربعة مقاطع كلها ذات أسطر شعرية متساوية في عدد تفاعيلها؛ إذ كل سطر يتكون من تفعيلتي بحر الخفيف (فاعلاتن/ متفعلن)، إذ يطال كسر الإيقاع هنا القافية وحدها، إذ غير الشاعر في القوافي ووزعها بشكل مختلف في القصيدة بنظام معين داخل المقطع الواحد، وأما المقطع الثالث فقد جاء على إيقاع الخليل الشعري، سواء في ذلك عدد التفاعيل والاتفاق في القافية، جاعلا المقطع الرابع ضابطا للإيقاع الذي انتظم المقطع الأول والثاني، وبذلك يكون الإيقاع الموسيقي منتظما بعدد التفاعيل ومكسورا بالقافية:
عندما يسقط القمر

كالمرايا المحطمهْ

يكبر الظل بيننا

والأساطير تحتضرْ

لا تنامي .. حبيبتي

جرحنا صار أوسمه

صار وردا على قمر…!



خلف شباكنا نهارْ

وذراع من الرضا

وعندما لفني وطارْ

خلت أني فراشةٌ

في قناديل جلنارْ

وشفاه من الندى

حاورتني بلا حوارْ

لا تنامي حبيبتي

خلف شباكنا نهارْ



سقط الورد من يدي
لا عبير ولا خدر

لا تنامي حبيبتي
العصافير تنتحرْ

ورموشي سنابل
تشرب الليل والقدرْ

صوتك الحلو قبلةٌ
وجناح على وترْ

غصن زيتونة بكى
في المنافي على حجرْ

باحثا عن أصوله
وعن الشمس والمطرْ

لا تنامي حبيبتي
العصافير تنتحرْ



عندما يسقط القمر

كالمرايا المحطمهْ

يشرب الظل عارنا

ونداري فرارنا

عندما يسقط القمرْ

يصبح الحب ملحمهْ

لا تنامي حبيبتي

جرحنا صار أوسمه

ويدانا على الدجى

عندليب على وترْ


وليس بعيدا عن ذلك ما أصاب قصيدة “موسيقى عربية” [19] من كسر متعمد للإيقاع، فعلى الرغم من أن القصيدة مسبوكة على البحر البسيط إلا أن الشاعر قد نجح في بعثرة الإيقاع الموسيقي لهذا البحر الممتزج التفاعيل، ويطوعه لبناء خاص من الشعر مازجا ما بين الشكلين بجمالية عالية، بحيث خرجت قصيدة ذات إيقاع لا ينتمي إلا إلى بنيتها هي:
“ليت الفتى حجرٌ” يا ليتني حجرُ
شطر من البسيط



أكلما شردت عينانِ شردني


هذا السحاب سحابا كلما خمشت
أشطر متساوية من البسيط

عصفورة أفقا فتشت عن وثنِ




أكلما لمعت جيتارةٌ خضعت
روحي لمصرعها في رغوة السفنِ

أكلما وجدت أنثى أنوثتها
أضاءني البرق من خصري وأحرقني


بيتان من البسيط كاملان

“أكلما ذبلت خبيزة وبكى
شطر من البسيط

طير على فنن أصابني مرض
شطر من البسيط

أو صحت يا وطني
تفعيلتان من الشطر


ويلاحظ هنا في المقطع الأخير كسر آخر للرتابة الموسيقية والقافية معا، لأن الشاعر يبحث عن ناحية فنية أخرى للقصيدة وهي التدوير، فقد انتهت القصيدة بالمقطع والآلية التي بدأت فيها، وهكذا تكتمل الدائرة في قصيدة ذات موسيقى عذبة وسلاسة إيقاعية مقصودة.
أكلما نور اللوز اشتعلت به

وكلما احترقا

كنت الدخان ومنديلا

ومزقني

ريح الشمال ويمحو وجهي المطرُ



“ليت الفتى حجرٌ” يا ليتني حجرُ
شطر من البسيط



*نابلس ـ فلسطين.متعاون مع الموقع (بالتعاون مع “عود الند”



الأربعاء، 15 ديسمبر 2010

هذي التلومة/علي قوادري


هذي التلومة





هــذ التَلُّومَهْ خَدْرِتْنا العقولْ==جَيْحِـْـــــــــتنا نسوان وِرَجَّالاَ

همـــكتنا شي ماهوشي معقولْ==جِلْـــدَهْ منفوخة دارت حالا

واحِدْ يِزَمَّرْ وِيَطَـَــــبَّلْ مهبولْ==ولاخرْ يِزَقِّي من فوق الدالا

ولاخر فوق كروسة محـــــمول==هايج وطايش داير كعوالا

يعيا طايح مكسر ولا مقتول..ماهوشي يشوف يسب في السفالا

قاقـــــــاروه في فمو مشعول==زاهي وعايش في تـِـــــــهْوالا

هذا محـــــــال ماداروه فحول==عاشو ابطال وفرسان خيالا

ياخـــــــــوتي جبت عليكم القول==حـــــديثي راه معدل تعدالا

الزهو ماهوش زهو المهبول==زهونا هادي في كل اعمــــــــالا

هذا فرح دقايــــــــــق ويزول==من قسنطــينة لوهران للشلالة

واللِّي كان بالتــــــــــــلومة مشغول==يقول وِشْ ازاني للكوالا

كنت امريض حابس مشلول==وكراني نخدم نضرب في البالا

قاعــــــــــــد ابلاش كي المزطزل==ومنوض لاخره داير قالا

ربي يحفـــــــــــــظنا من ذي الهول==ويجعلنا من الناس العقالا

بجاه ســـــــــــيدنا محمد الرسول==جاب الدين وحامل الرسالة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التلومة= كرة القدم

جَيْحِتْنا=الهتنا عن مشاغلنا واعمالنا
هَمْكِتْنا= اصبحت الشغل الشاغل
لاخر=الآخر
يزقي= يصرخ
الدالا= السطح
كروسة=سيارة
يعيا= حتما سييقط
قاقاروه= سيجارته في فمه
وش ازّاني للكوالا= وش=ماذا/ ازاني= قادني/ الكوالا= الصيع المشاغبون
وكراني = لو كنت / نضرب في البالا = اي اعمل اي عمل ولو كان شاقا
قالا = حفلة شطح وردح



الاثنين، 13 ديسمبر 2010

قاسية/شعر علي قوادري


قاسية   /

عَــــــلِيُّ)وأيُّ فـــــــــــــتًى قد هواني )
                                             فــــــلمّا عـــــــــــــــــلمتُ الهوى لم أبال
وسِــــــرت يلاحــــــــــــــق دربي بحزن
                                             يـــــكابد شـــــــــــــــــوقا طوال الليالي  
يغازل رمـــــــــــــــشي..يخاطب صمتي
                                             يـــــــــــصوغ اللحون رؤئ للـــجمال
يـــــــــــــــــــــجاهر أنّي أفيض دلا لاُ
                                           أســــــــــــــير برقص "حنانيك حالي"
فبـــــــــــــــــين الخطى في يميني وبين
                                            شـــــــــــــــمالي تجلّى الضحى في تعال
كـــــــــــــلامي كهـــــمس النخيل الخجول
                                         وخدّيٍ فســــــــــــــبحان ربّ الــــــــــجِبال
سبائك  شَعري ســــــــنابل قمـــــــــــــــحٍ
                                          قطيع غــــــــــــــــــــــزال رسا في الرمال
ويهــــــــــــــــفو كسير الــــــــــعيون حنينا
                                          يـــــــــــــــسير عـــــــــــجولا يناجي ظلالي
يداري احمرارا عـــــــــــــــــــــــلى وجنتيه
                                           أسير الـــهـــــــــــــوينى ..شريد السؤال
وأرنو إلـــــــــــــيه غـــــــــــــداة التلاقي
                                          بــــــزهوٍ ورأسي تهـــــادى يغـــــــالي
أحس اللــــــــــــــــــــحاظ أمامي وخلفي
                                         تطارد طـــــــــــــــــــــــــيفي بكل احتيال
يغازل عـــــــــــــــــــــــزف نعالي بوجد
                                         ويحسدعِطْرًا وكلّ الــــــــــــــــرجال
وتـــــــــــــــــــلك الحواري بكلّ النواحي
                                       وبــــــــيتي ولبسي ونبت الــــــــــدوالي
يعاتب شباك قـــــــــــــــــــــلبٍ مجافٍ
                                    يُسائل كيف يـــــــــــــــــــــكون وِصالي                                        
ينادي أُهــــــــــــــــــــــيل الهوى في احتضار
                                       ويأس "ألا من دواء لــــــــــــــــحالي ؟"
ســـــــــــــــــــــــــــــــألْتُ حداة الجوى والأغاني
                                        ســـــــــــــــألت القطا وغريب الرّحال
سلـــــــــــــــــكت دروب الصدى والأماني
                                        فكــــــــــــــــــيف الوصول إليك غزالي
أعيدي فِــــــــــــــــــــــؤادي لضلعي معافى
                                        ولا تتــــــــــــــــــركيني غريب الخصال
وكنت أزيد العذاب (غــــــــــــــــــــــــناجا)
                                       وجسمي يسيح كعـــــــــــــــذبٍ زُلال
فإنّي فتنْتُ الــــــــــــــــــــحيارى وحولي
                                       ألــــــــــــــوف يموجون وسط المحال
ولي قسوةٌ كاللظى اصطــــــــــــــــــــليها
                                            ودعني..سلامي لـــــــــــعشق الخيال





السبت، 4 ديسمبر 2010

صريع الهوى /شعر علي قوادري




      صريع الهوى



الصمت في لغة العيون سجال=نفنى ويبقى طرفها الختال

وأذوب لا نبض يترجم خافقي=الطرف فضاح لمن يحتال

عين المها قولوا لها حبي لها=قلبي لها شعري لها ينثال

سهم الهوى جر الجوى لف النوى=هذي البها ياهاجري قتال

والقد يا حسناء زاد مواجعي=والحزن حولي صاحب جوال

لاعاصم يا لائمي قلبي ذوى=المسُّ لازمني وهُمْ قد مالوا

الصمت في محراب قاتلتي شجا=والخفق بوح عابر وسؤال

والصبر جرح يستحي من صمتنا=والسهد يا ليل الصبا أحوال

رقت لي الأحجار في وديانها=رقت لي الأسماء والأفعال

أفعى ومن سوط السموم عناقها=تغتالني يغتالني الإهمال

تغتالني في متعة ..هذي اللمى=الورد من أنخابها ميّال

وأنا أعب بنشوة مسمومة=قدري المها ..ومساكني الخلخال

مهما جفاني فاتني مهما طغا=أبقى المريد غوايتي الإقبال

وغواية الإدبار منها لعبة= مستعبدي فليفرح العذال

اليوم أعترف الجنون يصيدني= يا محنتي والحسن و الأغلال

اليوم أغترف الخطيئة صاغرا= واحسرتي فيلوكني  الأطفال

والشيخ والمجذوب في حاراتنا= والوشوشات هناك والأقوال

هاقصتي أسواقنا ميدانها=روادها دوما هنا مازالوا

أمشي شريدا حائرا لمن الضيا=لمن الرجا والنجم والمُوَّّال

أمشي تسائلني أماسي غربتي=مستوحشا وتلفني الأسمال

أين التي قد أهملت أحلامنا=بانت فكان الصدّ  والإسدال

نزل الستار.. الصفحة الحبلى بنا=أحرقتها يبقى لي الإقفال

أحرقتها نيرون تصحوشامخا=ويثور فيك الرعد والصلصال

مستأسدا أنهيتها ثمل الرؤى = ليلاك أنت  واُحْرِق التمثال









 



الخميس، 2 ديسمبر 2010


من تحولات القرن العشرين الطلائعية: مدرسة الشكلانية الروسية ..

منقول
بقلم الباحثة البولندية ستيفانيا سكفارجينسكا
ترجمة : عدنان المبارك
تحتل الشكلانية الروسية في تأريخ علم الأدب مكانا متميزا . فهي قد حققت الكثير ، رغم عمرها القصير البالغ 15 سنة ، أي منذ الحرب العالمية الأولى لغاية مطلع الثلاثينات ، وقد إكتسبت إنجازاتها أهمية متزايدة طيلة العقود التالية . وكانت مبادراتها الفكرية رغم أحوال المقاومة تنداح في دوائر أوسع فأوسع ، إذ لا يقتصر الأمر على المعرفة الأدبية المشبعة بأفكار هذه المدرسة والتي تطور عدد من مفاهيما على أساس البنوية الألسنية لما يسمى بحلقة براغ الألسنية والتي لقيت الإزدهار بعد الحرب العالمية الثانية فيما يخص البنيوية الألسنية في أوربا والعالم ، بل هناك الأبحاث السيميائية الحديثة التي تدين للشكلانية الروسية بالفضل في إمتلاكها لمثل هذا النطاق الكبير من المواد والقضايا حتى أنه في الغرب شاع حينها رأي بالغ الحماس مفاده أن هذه المدرسة قد عملت بصورة جوهرية على بناء الأسس المعاصرة للعلوم الإنسية.
كان نعت الشكلانية قد ألصقه بالمدرسة خصومها ، وبعدها أخذ به الشكلانيون أنفسهم. و إذا خص الأمر الخلفيات الفكرية للمدرسة علينا الرجوع الى مجموعة كبيرة من التيارات والمواقف في الفلسفة والأستيتيكا والبحوث الأدبية منذ نهاية القرن الثامن عشر لغاية القرن العشرين. وهناك من يربطها بالكانطية والكانطية الجديدة وكل النزعات الشكلية في الفلسفة والأستيتيكا ونظريات الفن بمختلف تياراتها اي من الشكلانية الراديكالية عبر المعتدلة ولغاية صيغتها الخاصة بمورفولوجيا العمل الأدبي ، وهذا قرّب المدرسة الروسية من ( النقدية الجديدة ). كذلك كانت هناك تأثيرات من مدرسة بادن الإيديوغرافية "1" وظاهراتية هوسيرل التي تمثلت بمؤلفه ( الفحص المنطقي ) من عام 1902 ونزعته المعارضة ل(السايكولوجية ) وفرضيته عن النتاجات ( المثالية ) التي تملك وجودا مستقلا . كما لايمكن تجاهل تأثيرات علوم اللغة المتكرسة للنص وإهتماماتها بالجانب الشكلي لنتاجات اللغة في مدار الذرائعية ، أو تأثيرات الألسنية الوظائفية الفرنسية ( غرامون مثلا ) وبنيوية دي سوسير والشبه القائم بين المدرسة الروسية في مراحل تطورها الأولى وبين ما يسمى بالمثالية الجديدة في الأبحاث اللغوية - الأسلوبية لدي فوسلير مما أدى فيما بعد الى نشوء أفكار كروتشه والمفاهيم الرومانسية حول أبحاث همبولدت المكرسة للغة .
إلا أن الأرضية الحقيقية للشكلانية كان الواقع الروسي وتياراته الفنية ومواقفه العلمية في المعرفة الأدبية والألسنية على السواء. وكان الشكلانيون الشباب قد بلورا آراءهم في المعركة ضد الرمزية ونظريتها وضد القمّية "2" والنقد الإنطباعي ، ومن ناحية أخرى تقبلوا مفاهيم المستقبلية الروسية. وكان الشكلانيون قد تجاهلوا العلم التقليدي للأدب بسبب إفتقاده الى الوعي النظري. وتمثل سندهم الفعلي بالمعرفة الألسنية الروسية التي إمتلكت آنذاك مستويات عالية وخاصة في مراكزها الثلاثة أي جامعة موسكو حيث إنتقلت المعرفة الألسنية الى الأخذ بمراتب البنيوية وخاصة فيما يتعلق بقضايا المورفولوجيا ، ومن هذا المركز إنطلق رومان ياكوبسن ونيقولاي تروبييسكوي. كما تشكلت في موسكو ( حلقة موسكو الألسنية ) في شتاء عام 1914 . وكان المركز الآخر ينشط في جامعة كازان وإعتبر المركز الثاني للآلسنيات الحديثة بعد سوسير ، ومن هناك جاء التأثير على شعرية المستقبليين ومفاهيم علماء الأدب الشباب المنتمين الى جماعة ( أبوياز ) التي فرّقت بين أسلوب الكلام الشفوي والآخر الكتابي ، ومهدت الطريق للأبحاث حول الأشكال الطروحية ( الشفوي ينزع الى الحوار ، والكتابي صوب المونولوغ). وتحت تأثير مفهوم فقه اللغة السمعية الألماني إعتبرت النتاجات الشعرية مخصصة للسمع ، ولغرض الحصول على مادة صالحة للبحث أعدّت نظرية ( ترجمة ) لنصوص اللغة الكتابية الى نصوص اللغة الأخرى المنطوقة . وكان الجديد هنا محاولة التفسير الألسني لشعر بوشكين وليرمنتوف ، وبعدها طوّرت هذه الإشكاليات وبصورة خاصة إشكاليات المونولوغ والحوار على الضوء السيميائي والبنيوي والبسيكولوجي.
ويعود الفضل الى الشكلانية الروسية في صيرورة نظرية الأدب علما مستقلا عن علمه ، كما قامت بإرساء هذا العلم على أسس الألسنيات ، وإعتبرت أول من أخذ بمراتب البنيوية وعلم الدلالة في التفكير البحثي.
بمبادرة من أوسيب بريك نشر عدد من علماء اللغة والأدب الشباب مجموعة من الدراسات المكرسة للغة الشعرية ، في بطرسبورغ في عام 1916 ، وكانت بداية سلسلة من الإصدارات الكثيرة صارت فيما بعد لسان جماعة ( أبوياز) التي كانت قد تشكلت في مطلع عام 1917 . وكان أبرز ممثلي المدرسة هم فكتور شكلوفسكي وبوريس أيخنباوم ويوري تينيانوف من جهة ، ورومان ياكوبسن وفكتور فينوغرادوف من جهة أخرى.
وخلال عمرها القصير مرت الشكلانية بفترتين متباينتين في قضايا البحث وشكل الطرح. في الأولى كانت السائدة في نشاط المدرسة المقالات ذات الطابع الصحفي ( مقالات بريك مثلا ) وفي الثانية غلبت الكتابات العلمية البحت. وكان عام 1925 يفصل بين الفترتين إذ تميز بعملية إجمال وتركيب لما أنجزته المدرسة . وكان ذلك العام عام صدور البحث المعروف الذي كتبه أيخنباوم ( نظرية المنهج الشكلاني ) والذي شمل تخطيطا تأريخيا لهذه القضية. كذلك كان عام صدور كتاب توماشيفسكي ( نظريةالأدب ) والذي يعدّ أول تخطيط لهذه النظرية يعتمد على مفهوم وحصيلة المدرسة الشكلانية. وكان الإهتمام الرئيسي لدى الشكلانيين الشباب يتركز على موضوع اللغة الشعرية التي تناولها ياكوبنسكي حيث أقام مجابهة بين اللغتين الشعرية والجارية مدللا على أن الثانية ، وعلى العكس من الأولى ، لاتملك المشكلات الألسنية كالصوت والعناصر المورفولوجية وغيرها، قيمة مستقلة بل هي تخدم أغراص الإتصال العملية في حين أن اللغة الشعرية تخدم ( أغراضا جانبية ).
وكان لمفهوم الشكلانيين حول اللغة الشعرية كنظام لغوي ، علاقة ملموسة ببعض مفاهيم المستقبليين الروس والخاصة باللغة ومحاولاتهم التجريبية في الشعر. والقصد هنا هو مفهوم اللغة ( خارج العقلية ) أي" زاؤمنوي" بالروسية ، والشعر ( خارج العقلي ) الذي هو مشدود بظواهر كلغط الطفل أو الكلمات - التعاويذ السحرية أو الأخرى ( غير المنطقية ) في الفولكلور ، كذلك سعى الشكلانيين والمستقبليين الى مهاجمة نظرية الرمزيين الذين لم يتخطوا في آرائهم حول صوتية اللغة في الشعر مقولة إتفاقها مع المعنى الخارجي للشعر وعلى ضوء العلاقة مع اللغة ( مثلا التنظيم التسموي لصوتية اللغة في الشعر ). وفي الموقف المؤيد للمستقبليين منح شكلوفسكي وياكوبنسكي صوتية اللغة الشعرية إستقلالا كاملا. مثلا وجد شكلوفسكي في دراسته حول الشعر واللغة خارج العقلية من عام 1916 ، في العمل الشعري معنى خاصا به لايعتمد على المعنى المدلولي للكلمات. كذلك نجده يتساءل : ألا يقضي والحالة هذه معنى الكلمات عند تلقي العمل الشعري على المعنى المستقل لصوتية اللغة وبذلك يزيف هذا العمل ؟. وبدافع الإنسحار بالبعد الصوتي للغة الشعرية وسيميائيتها الخاصة هوجمت ، بعنف ، النظرية التقليدية للصورية كمقرّر للشعر والتي آخذ بها الرمزيون.
وقاد التركيز على اللغة الشعرية وبعدها الصوتي بشكل خاص ، الشكلانيين الى البحوث المكرسة لأسس علم النظم الشعري . وكانت حلقة الوصل بين هاتين المنطقتين من الإشكالية قد تمثلت بدراسة بريك المكرسة لأحوال التكرار الصوتي ( سلسلة الأصوات ) في العمل الشعري. وهنا يجتاز المؤلف منطقة علم الدلالة مبيّنا أن كل تكرار صوتي يأتي بمعنى جديد. كذلك كانت هناك التأملات في موضوع العلاقة بين اللغتين الشعرية والإنفعالية التي تكون أكثر قربا من الأولى بالنسبة للغة العملية ، كما كرست التأملات لموضوع ( الدستور ) الصوتي للبيت الشعري ( دراستا ياكوبنسكي وياكوبسن حول الشعر الروسي المعاصر مثلا ). وقد برزت في فحوصات الشكلانيين قضية التنغيم كمبدأ هيكلي للبيت الشعري ، فهناك دراسة أيخنباوم ( ميلوديا الشعر الغنائي الروسي ) والعروض والإيقاع في الشعر والنثر ( دراسة توما شيفسكي عن البيت الشعري) والعلاقة بين الإيقاع وعلم الدلالة في الشعر( فحوصات تينيانوف في اللغة الشعرية ). ويعدّ تغيير بناء علم النظم الشعري من الإنجازات التي تميزت بها مدرسة الشكلانية ولقيت الإعتراف عامة. وفي الوقت نفسه تفرغ هؤلاء لبحث نوعية الأدب والتنظيم الداخلي للعمل الأدبي ومن موقع مناهض للفحوص الأدبية التقليدية التي تسترشد بمعايير بسيكولوجية وسوسويولوجية وفلسفية وأخلاقية وبيوغرافية. وقد أعلنوا أن موضوع الأدب هو نوعية الأدب و( أدبيته) وفق صياغة ياكوبسن. وبعد حالات تردد رسمت حدود منطقة الأدب لكن في البدء قال بعض الشكلانيين إن ( الأدب النقي ) هو الشعر فقط ، فخامته هي تلك ( اللغة الشعرية ) المؤسطرة ، أما النثر فهو منطقة اللغة الجارية ، وفي أحسن الأحوال اللغة الإنفعالية مما قرّب بعض أنواع النثر من الشعر. وفي المحصلة إنتصر موقف أيخنباوم وشكلوفسكي والذي يفيد بأنه ينتمي الى الأدب كل من الشعر والنثر الفني أي كل عمل فني. فما يجمع الأثنين حقيقة أن جميع عناصر العمل الفني ، من الفكرة الى الإيقاع ، هي عوامل فنية ، وإذا كان العمل يحويها فالسبب يرجع الى صفتها هذه لاغيرها. ونلقى ذلك بشكل خاص في دراسة شكلوفسكي المعروفة ( الفن كمسكة ) من عام 1917 والتي تتشكل فيها نظرية العمل اللغوي المتميزة بطابعها التقنوي. وما يقرر النوعية الأدبية للعمل سبل تنظيم الخامة اللغوية كالمسكات ومعدلات مجرى العمل إلخ. أما ميدان هذه المسكات فهو جميع أبعاد العمل الأدبي وبضمنها الموضوع ونظام البواعث ، وفي النتيجة يكف الموضوع عن أن يكون ( كتلة معدومة الشكل ) بل يصبح نسيجا فنيا منظما بواسطة المسكات وبأسلوب يراعي كامل العمل الفني. وفي بحوثه المكرسة للنثر يسعى شكلوفسكي الى تحديد القوانين الداخلية المتحكمة ببنية العمل الأدبي مع الإنتباه الى كليته وليس عناصره وحدها ، وبذلك يقترب من مفهوم الوظيفة البنيوية. وقاد هذا الطريق الشكلانيين إلى تناول نظرية الأصناف الأدبية ، ونقصد شكلوفسكي ونظريته حول النثر ، وسكافتينوف ودراسته للشعرية وأصل الحكايات البطولية الشعبية الروسية، وبروب ومؤلفه عن مورفولوجيا الحكاية. بالرغم من أن شكلوفسكي لم يحدد بدقة ، تلك المسكات فهو قد وفر الأساس لتكامل طرائقية معيّنة في وصف الأعمال الأدبية وتفسيرها.
أما فترة التطور الثانية للمدرسة الشكلانية والتي لم تفقد روحها الطلائعية وإنتقلت الى مواقع علمية أكثر وضوحا وبعدها صارت الأساس وليس فقط لبعض أفكار ( حلقة براغ الألسنية ) بل للمدرسة الألسنية المعاصرة والأخرى السيميائية ، فهي تسمى ، عادة ، بفترة التغلب على الأخطاء والسعي الى التركيب وتوسيع آفاق علم الأدب ، وتناول مسائل كانت قد أهملت في الأبحاث الأدبية . وكان الممثل الرئيسي لتلك الفترة هو تينيانوف الذي إعتمد على ما حققه شكلوفسكي وايخنباوم في مجال تثبيت النزعة الألسنية والسيميائية وريادتهما فيما يخص الإقتراب من مفهوم الوظيفة وعدد من المفاهيم اللصيقة بأسس نظرية الإعلام ، ومن ثم قام بطرح نظرية الواقع التركيبية وليس الواقع الأدبي وحده بل الآخر الموضوعي الذي كان مهما للأدب من خلال تحديد مكانه فيه. ونشر هذا الشكلاني معظم ابحاثه الأكثر أهمية في مجموعة ( قدامى ومجددون) من عام 1929. وكان أمرا مهما تفريق تينيانوف بين شكل العنصر الأدبي ووظيفته وبذلك الإشارة الأدبية ، كذلك مقولته بأن في الأدب ( في النظام الدال من الدرجة الثانية ) تكون هاتان الفكرتان غير منفصلتين بل هما مصهورتان معا، فإلى شكل الإشارة الادبية لاتعود فقط دلالتها اللفظية ( والسبب هو أن الإشارات الأدبية هي إشارات لغوية ) بل جميع الدلالات التي كسبتها الإشارة الأدبية من خلال شتى الوظائف التي أداها قوامها في العمل الأدبي والأدب على شتى مستوياته أيضا. وتكون فكرة الدلالة الوظائفية مهمة بشكل خاص في الأدب إذ انها تطرح على مستو واحد عناصر مادته غير المتجانسة كالإيقاع والبنية الصوتية والأخرى الفينولوجية " 3 " ووسائط التكوين، والمفردات البلاغية والعناصر الحكائية. ويجد تزفيتان تودوروف أن مفهوم تينيانوف حول الوظيفة ذو أهمية كبيرة . ويقول إنها تتكشف على عدة مستويات . مثلا يكون المستوى الأول ( الدخول في علاقة ) هو مستوى ( الوظيفة الإنشائية ) مما يعني إمكانية إدخال الإشارات في العمل الأدبي. والثاني هو مستوى ( الوظيفة الأدبية ) أي إدخال المؤلفات في الأدب ، والثالث هو مستوى ( الوظيفة الشفاهية ) التي يتكامل الأدب بفضلها مع كامل الحقائق الإجتماعية . ويعادل هذا المفهوم للوظيفة قضية تحديد نظام الوصف والذي هو مهم بشكل خاص إذ يحول دون إختلاط المستويات مما قد يؤدي الى تغيرات زائفة للمعاني. ولدى الشكلانيين يملك مبدأ المراتبية هذا أهمية جوهرية . وينتبه تودوروف الى أن في داخل كل طبقة مرتبية تنتظم الأشكال والوظائف في منهج وليس في مجموعات بسيطة. وكل منهج منها يعكس أحد أبعاد الواقع المتجانسة والتي يسميها تينيانوف ب(المسلسلات )، وهكذا الى جانب المسلسل الأدبي في عصر معيّن توجد وليس فقط المسلسلات الموسيقية والمسرحية إلخ بل مسلسلات الحقائق الإقتصادية والإجتماعية والسياسية إلخ. وعندما نبذ تينيانوف النظام المنطقي للعلاقات أصبح موقع رؤيته يشمل الواقع الأدبي والآخر خارج الأدبي بل أنه ربط بحوثه البنيوية بالبعد التأريخي. وهو أمر آخر إذا كانت هذه الصورة المنضدة للواقع و(النقية) منطقيا ، توائم طبيعته الجوهرية وحالات الشيء السائدة فيه أم لا.
ولم يكن هناك فقط طريق تينيانوف والذي قاد في الفترة التالية أي الثانية من تطور الشكلانية ، الى التركيب المتميز لأبعاد الأدب هذه ، والتي كانت موضع الدرس في الفترة الأولى ، بل هناك الطريق الآخر الذي تمثلت نهايته ، كما نعتقد ، بمؤلف ميخائيل باختين ( قضايا شعرية دوستويفسكي ) من عام 1929 أي عام صدور دراسة تينيانوف ( قدامى ومجددون ) . فالتركيب الجديد ألحق بالتحليل أو بالأحرى التفكير المبتكر لفن كاتب واحد. وتكمن عند أسس هذا التركيب مقوّمات نظرية الإعلام: قضية طارح البيان - الرواية - المؤلف وفي عالم مقدّم ، عالم الرواة - الشخصيات ، كذلك مسألة المتلقي وفي أطر عالم مختلق. وفي تركيبيته يوّظف باختين نظرية الأسلوب ( وخاصة الأسلبة والمحاكاة الساخرة ) ونظرية أشكال الطرح وخاصة الحوار والمونولوغ ونظرية الأصناف الأدبية وفي الأخير المشغل الفني . وعند تناوله نتاج دوستويفسكي بنيويا بلغ باختين مفهوما متميزا للرواية ( المتعددة الأصوات ) أي المشيّدة بالشكل الذي تحررت فيه الشخصيات من العبء التقليدي : عرض آراء المؤلف. ومن خلال تفسيره لعمل دوستويفسكي حقق باختين بعدا تأريخيا معيّنا لأبحاثه البنيوية خصّ تاريخ المشغل الفني في كتابة الرواية .
وفي مطلع الثلاثينات كانت الشكلانية الروسية في حالة دفاع أمام الإتجاه الماركسي الذي إعتبر في حقل المعرفة الأدبية الأساس الأيدولوجي في الإتحاد السوفيتي وحقق الإنتصار النهائي بمعونة عوامل معروفة كانت خارج بحثية. وكان الهجوم قد تركز على طرائقية الشكلانيين وليس كما يذكر المؤرخون الماركسيون على إنجازاتهم التحليلية التي صارت موضع الإعتراف مع مرور الزمن وبعد محو نعت اللاتأريخية عنها والإبراز النسبي لبعدها التاريخي ومن ثم تخصيص مكان لها وخاصة لأعمال شكلوفسكي وباختين في منجزات العلم آنذاك. وفي النهاية كفت الشكلانية كمدرسة ، عن النشاط في مطلع الثلاثينات إلا أن أسسها وعددا من مفاهيمها كانت ، كما تبين ، حيوية في المدار الأوربي. و الأكيد أن أسباب ذلك تعود الى الشبه القائم بين بعض إتجاهاتها البحثية والإتجاهات الأخرى مثل الوجهة السيميائية ل( النقدية الجديدة) والأخرى الألسنية للأستيتيكية العقلانية الفرنسية ( فاليري ) أو البحوث والأنشطة البولندية ، إلا أن الصلة الأوثق بالشكلانية الروسية إمتلكتها ( حلقة براغ الألسنية ) من الثلاثينات. ومنها تطور الإتجاه بصورة دينامية أثناء الحرب وبعدها في الولايات المتحدو وأوربا على يد خالقه وزعيمه رومان ياكوبسن. ومعلوم أن هذه الشكلانية لعبت دورا بارزا في بلورة مفاهيم الشكلانية الجديدة في فرنسا ( " تل كيل " ، تودوروف ، كريستيفا ) وإنجلترا.

~~~~~~~~~~~~~~~~~

هوامش المترجم :

"1" - الإيديوغرافيا منهج يخص منح الشيء فكرة بمساعدة الإشارة أو الرمز ، أو كونها نظاما كتابيا تحل فيه الإشارة محل الحرف.
"2" - القمّية إتجاه في الشعر الروسي نشأ حوالي عام 1910 ، وكان جوهره يتمثل في الكلاسية المحدّثة والعداء للرمزية ، والعودة الى اللغة الجارية ( العملية ).
" 3 " - تعني الفينولوجيا بالضبط العلم المتفرغ لفحص الظواهر الوقتية في الحياة العضوية .