الكاتب توما شماني |
الأربعاء, 20 يونيو 2012 15:05 |
قرأت
الحلاج فعشقته مذ كنت في الثانوية وهو القائل (أنا من أهوى ومن أهوى أنا)
كان يؤمن بالحلولية. ثم يتمم قصديته فيقول: (نحن روحان حللنا بدنا، انت ان
ابصرتني ابصرته واذا ابصرته ابصرتنا) فعلقوه على جسر بغداد. الذي فعله
الحلاج انه احرج الصوفية في طرقهم المعهودة ففي النصف الثانى من القرن
الثالث الهجرى، ظهرت صيغ جديدة في الصوفية فتطورت المفردات المتداوله
بينهم لتصبح اكثر دقة .
وتبدلت
اكثر ما تبدلت فى شطحات البسطامى التي تحمل المعنيين، الضاهر والباطن
والتي ظهرت في كتاب الطوسى (اللمع فى التصوف)، حيث جاء فيه: (أَشْرَفْتُ
عَلَى مَيْدَانِ اللَّيْسِيَّةِ، فَمَا زِلْتُ أَطِيرُ فِيهِ عَشْرَ
سِنينَ، حَتَّى صِرْتُ مِنْ لَيْسَ فى لَيْسَ بِلَيْسَ، ثُمَّ أَشرَفتُ على
التضييعِ، حَتَّى ضِعْتُ فىِ الضَّيَاعِ ضَيَاعاً) وهذه الفاظ مستجدة لم
تالفها اللغة العربية. لقد اشعل الحلاَّج النار في هذه الشطحات وهي الافكار
والتصورات التي يحلم بها الصوفية وما تراه العامة من الناس واصحاب الفقه،
ولم يكن الحلاج وحده في اشعال هذه الاحلام الصوفية التي جاء بها، فقد فعل
مثله رفيقه أبو بكر الشبلى الذي جاء هو الآخر بشطحات بعبارات اخرى بيد انه
يوم واجهوه ادَّعى الجنون فادخل البيمارستان فقال: أنا والحلاج شئ واحد،
فأهلكه عقله وخلَّصنى جنونى. في بغداد عام 922، فُهمت كلمة الحلاج التي
نطقها: (أنا الحق)، أي (أنا الحقيقة المطلقة)، أي (الله)، كتعبير لمتعالٍ
في الذات، بحيث اتهموه بالحلولية والحقيقة انه كان يدعو الى إسقاط الفرائض
فرأوه مرتدا ملحدا رغم ان في كتابه (الطواسين) أجمل أنشودة يمتدح فيها
الرسول. كان كبار المتصوفين في كافة العصور يعجبون بحبه المطلق للخالق وقد
مشى بعده الغزالي عندما تخلى عن وظيفته. المعروف عن الغزالي انه انكر العقل
في كتابه تهافت الفلسفة.
عاش
الحلاَّج تجربتة الصوفية بصدقٍ وامانة غارقا فى طيف النور الإلهى. الا ان
الذي اثار الغضب ما قال انه يمكن تحقيق فريضة الحج ان أفرد المرء فى
بيتهً، وطاف به أيام الموسم، ثم جمع ثلاثين يتيماً، وكساهم قميصاً قميصاً،
وعمل لهم طعاماً طيباً، فأطعمهم وخدمهم وكساهم، وأعطى لكل واحدٍ سبعة دراهم
أو ثلاثة، فإذا فعل ذلك، قام له ذلك مقام الحج. وفي محاكمته التفت القاضى
إلى الحلاج وقال له: من أين لك هذا؟ قال: من كتاب للحسن البصرى. قال: كذبت
ياحلال الدم،. فرد الحلاج أكتب بهذا، فألحَّ عليه الحلاج وقدَّم له
الدواة، فقال الحلاج: (اقتلوني ان في قتلي حياتي ومماتي في حياتي)، وجاءه
صاحب الشرطة فضربوه ألف سوط، بعده ضُربت عنقه، وقبيل حَزَّ رقبته، نظر إلى
السماء مناجياً ربه فقال: هَؤَلاءَ عِبَادُكَ، قَدْ اجْتَمَعُوا لِقَتْلِى
تَعَصُّباً لدِينكَ فاغْفرْ لَهُمْ ! فإنكَ لَوْ كَشَفْتَ لَهُمْ مَا
كَشَفْتَ لِى، لما فَعَلُوا ما فَعلُوا.
الشاعر
محمد إقبال في ملحمته الفارسية الخيالية (جاويدنامه)، أي (كتاب الخلود)،
قال ان الحلاج في شطحاته حاول احياء معاصريه الموتى روحياً وفكرياً
وتحريرهم من الاجترار والمتوارث الخالي من الروح وجعله واحدا من قليلين في
تاريخ الفكر الإسلامي. ومن تجارب الحلاَّج الشعرية، قوله فيما يلبس من
رَثَّ ثياب (القشر) التي تخفى نفساً كريمة (اللُّبّ): (لَئِنْ أمسيتُ فى
ثوبى عديمٍ، لقد بَليا على حُر كريــمِ) واشد ما قاله شعرا في حلوليته
واثار الحفائظ عليه قوله: (مُـزِجَتْ روحك فى رَوحى كما تُمــزَجُ
الخمـرةُ بالمــاءِ الزِّلالِ) واشد ما فيها من خطوره قوله: (كما تُمــزَجُ
الخمـرةُ بالمــاءِ الزِّلالِ) فهو يراها نشوة (خمر المحبة) ليس الا، بيد
ان الحلاج ينفي مافسروه فيقول عن المزج: مَنْ ظنَّ أَنَّ الأُلُوهِية
تَمْتَزِجُ بالبَشَريَّةِ، فقَدْ كَفَر. وعن الحلولية يقول: إِنَّ
مَعْرِفَةَ اللهِ هِىَ تَوْحِيدُهُ، وتَوْحِيدُهُ تَميُّزُهُ عَنْ
خَلْقِهِ، وكُلُّ مَا تَصَوَّرَ فِى الأَوْهَامِ فَهْوَ ــ تعالى ــ
بِخِلاَفِهِ، كَيْفَ يَحُلُّ بِهَ، مَا مِنْهُ بَدَأ..
قيل
في سنة 309 هجرية اخرج الحلاَّج من سجنه، فجُلد، وقُطعت يداه ورجلاه،
وشُوِّه، وصُلب، وقُطعت رأسه ، وأُحرقت جثته لانه رفض التحجر الذي كان
سائدا. وقيل انهم قطعوا رأسه فتدحرج رأسه على الارض وهو يكتب الله الله
الله بالدم.
الصوفية قبل الحلاج، كانت على وجه أخر، سألوا الجنيد البغدادي عن المعرفة والعارف، فاجابهم: َلَوْنُ الماءِ لَوْنُ إِنَائهِ .. وهى عبارة خالية من الاجابة. الحلاج لم يتبع الـتراث الصوفى. فصار يؤسِّس تراثاً لغوياً صوفياً، كان يقول: للعلم أهلٌ وللإيمان ترتيــبُ. الحلاج لم يستطع الخروج من محنته، كغيره من المتصوفة، كابن الفارض وجلال الدين الــرومي، اذ انتهى الى قطع الراس. سببت كتابات الحلاج له النقمة، أدانوه بالحلولية وهي حلول الله بالبشر واستثقلوا ذكره لتعبير (اللاهوت والناسوت) الواردة في الفكر المسيحي. ومن الألفاظ التى لجأ إليها الحلاج ايراده، تعبير شعشعانى فاحتد عليه الوزير علىّ بن عيسى، قائلاً له: كم تكتب ويلك ما أحوجك إلى أدب. كان الحلاج يصرخ فى أسواق بغــداد: أيهــــا الـنـاس اقتلونى فحياتي في مماتي. وانتهى به الامر ان علق على جسر بغداد كما تقول احدى الروايات. ان فاجعة الحلاج هي مانراه اليوم فالاطباء واساتذة الجامعات يعلقون على جسور بغداد بالجملة.
---
توما شماني كاتب عراقي مقيم في كندا/ تورونتو عضو اتحاد المؤرخين العرب. |
نثرت كأيِّ راوٍ في الأسواق الأسبوعية شذرات الحكاية لأتابع سيري وصدى صمتي يردد بين حشود الحاضرين.. معذرة..معذرة يا حضار ..يا كرام ذُبِحَ ظل مدادي على ستائر المنتديات فتهت اكرر البداية....
المشاركات الشائعة
-
موسى بن الحسن الصوفي المجاهد يعتبر الشيخ سيدي موسى بن الحسن الدرقاوي مؤسس الطريقة الموساوية بالجزائر، الشهيد خلال تعاقب المقاومات الشع...
-
الطالبة قسوم الطالبة حرواش في إطار الاحتفال السنوي بعيد العلم الموافق ل16 ابريل من كل عام نظم ...
-
Glossary of Poetic Terms by: Ian Lancashire, Department of English, University of Toronto Version 3.0 A Acatalectic: see Cata...
-
نظمت ابتدائية بن بوزيد محمد حفلا ‘احتفاء –كما جاء في مداخلة مدير المؤسسة-بيوم العلم وعيد العمال ويوم 8 ماي المخلد لمجازر سطيف خراطة قا...
-
هذا يهمك/محرك البحث الصحي وأشهر المواقع الصحية …كل ما تريده عن صحتك Posted: 12 Oct 2011 08:42 AM PDT قال تعالى:وَنُنَزِّلُ مِنَ الْق...
-
جمعية الأدارسة للفن و التراث بالادريسية تحيي الذكرى المزدوجة ليوم الشهيد ومعركة سردون18/19 فيفري ارتأت جمعية الأدارسة بقيادة رئيسها السيد ...
-
شهدت مدينة الادريسية أجواء استثنائية مساء هذا السبت المتخم بحرارة شديدة حيث شدت المدللة الكأس الرحال لتحط على ملعب بوعجينة ...
الأحد، 13 يناير 2013
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق