المشاركات الشائعة

الاثنين، 11 يوليو 2011

[QUOTE=عبد الحافظ بخيت متولى;74706]القصة القصيرة جدا بين التنظير والتطبيق
أمل المطير نموذجا/منقول
لجيمس جويس مقولة جميلة يقول فيها :
"لو أن رجلا كان يهذى, وأمسك بقطعة حديد وظل يضرب بها على جزع شجرة فصنع صورة بقرة , هل نسمى هذا شكلا فنيا؟ ويجيب جويس أيضا "إننا لا نستطيع أن نسمى هذا شكلا فنيا لأن الشكل الفنى الذى يختاره المبدع لابد أن يكون خلفه وعى بماهية هذا الشكل وقدرته على توصيل الرسالة الأدبية
وما اردت ان أبدأ بمقولة جويس هذه إلا لارد من خلالكم على محاربى هذا الشكل من الإبداع القصصى من خلال الندوات والمؤتمرات وغير ذلك ولا ادرى ايضا لماذا القصة القصيرة جدا فى حين أن كل الأشكال الأدبية الأخرى ثارت على تقليديتها وفرضت نفسها وتلقفها أصحاب الشأن دون محاربة كهذى التى يشنها المستشرقون المحليون على هذا اللون الجديد من فن القصة ونحن لا حظنا عبر التاريخ الدبى ان قصيدة الشعر الحر تمردت على القصيدة العمودية على يد نازك المائكة والسياب وفرضت نفسها وصارت عمود الشعر ثم جاءت بعدها اشكال اخرى شعرية كالقصيدة الومضة او" الإبجرامات "الشعرية العربية واصبح لها روادها ونقادها الآن وجاءت قصيدة النثر متمردة على كل شكل شعرى له علاقة بالتراث وأصبحت المنجز الشعرى الأكثر انتشارا على حد تعبير احد منظريها والقصة القصيرة تمردت على الرواية وخرجت عليها بالرغم من انهما ينتميان إلى جذر نثرى وإبداعى واحد واصبحت ذات شكول مستقلة ومنطق قصصى يخالف فن الرواية
كل هذا ولم نعثر على أن احدا اقام الغبار فى وجه اى من هذه الفنون إلا القصة القصيرة جدا ومن هنا ننتهز الفرصة لمناقشة هذا الفن تاريخيا وإبداعيا وتطبيقا على بعض نماذج القاصة السعودية امل المطير
عن التاريخ
بعد صدور كتاب انفعالات لناتالي ساروت عام 1932. انتبه كتاب القصة الى فن جديد يشبه القصة القصيرة ، لكنه يختلف عنه في بنائها وشكلها اطلق عليه القصة القصيرة جدا . وكانت ترجمته الى العربية في السبعينيات قد نبه القصاصين الى هذا النوع من القص ، فبدات تظهر في الصحف والمجلات المتخصصة ، قصصا قصيرة جدا كان تاثير ساروت واضحا عليها ..
وبالرغم من ان مرحلة الرواد في القصة االقصيرة جدا كانت تهتم بالنص لابشكله ، فقد ظل تطور النص الشغل الشاغل لقصاصي تلك المرحلة حتى صار من الصعب احداث أي تغيير في التكنيك العام للقصة فظل الاشتغال على النص وحده ، لكن بعض الخروقات قد حدثت في نمط كتابة القصة في ذلك الجيل ، كانت عبارة عن طفرات فنية بررت مدى الحاجة الى تنويع الأساليب والدخول في تقنية القصة من باب الوعي بضرورة مواكبة تطور الأدب في العالم .. فنشرت في الأربعينيات قصص قصيرة جدا كما يقول الناقد باسم عبد الحميد حمودي ،فعد ذلك بداية لظهور هذا الفن .. ثم تلاحقت التجارب حتى بلغت درجة كبيرة من النضج الفني في مرحلتي الستينيات والسبعينيات ، فنشرت بثينة الناصري فى العراق في مجموعتها (حدوة حصان ) الصادرة عام 1974 قصة اسمتها ( قصة قصيرة جدا ) .. ونشر القاص خالد حبيب الراوي خمس قصص قصيرة جدا ضمن مجموعته ( القطار الليلي ) الصادرة عام 1975 ، ونشرها عبد الرحمن مجيد الربيعي في نفس الفترة وكذلك جمعة اللامي واحمد خلف وإبراهيم احمد .. ويبدو ان تطور وعي القاص واطلاعه على التجارب العربية والعالمية وتحليل النتائج المستخلصة ، أدى الى إنتاج نوع اخر من القصة يختلف كليا عن ما هو سائد أصلا ، مع إن بعض الدلائل تشير الى ان هذا الفن بدأ عراقيا في الأربعينيات ـ مقارنة بظهوره عربيا ـ
لو استثنينا تجربة القاص اللبناني توفيق يوسف عواد الذي اصدر مجموعته القصصية ( العذارى ) عام 1944 واحتوت على قصص قصيرة جدا لكنه اسماها ( حكايات ) .
وكان لمواكبة مجريات العصر والتطور التقني الهائل دوره في ولادة هذا الفن مع عد أي تطور مادي ملموس في الحياة يصحبه تطورا في المجال الادبي حتما ..
وبذلك برزت القصة القصيرة جدا معبرة عن وقائع الحياة السريعة التي تتطلب الاختصار في كل شئ .. فهي ليست وليدة اللحظة إذا ، آو إنها فن سهل الكتابة كما يتصور بعضهم ، بل هي من الفنون الصعبة وعملية التحكم بها لا تقل أهمية وصعوبة عن ابداع أي نص قصصي اخر ، وماتحتويه عناصر القصة ذاتها من مقدمة ومتن وخاتمة وبالتالي فهي تحتاج تكنيك خاص في الشكل والبناء ومهارة في سبك اللغة واختزال الحدث المحكي والاختصار في حجم الكلمات المعبرة عن الموضوعة المطروحة ..
من هنا كان التغيير في شكل القصة مهماً على الدوام كما تقول ناتالي ساروت ( ان مهمة الفن التجديد والتجدد والاستمرار
عن التكنيك الفنى
اعتبر ان فن القصة القصيرة جدا من الفنون الصعبة والتى تحتاج إلى اديب موهوب بالدرجة الأولى لانها تحمل عناصر تستعصى على غير الموهبين العالمين بفن القصة ككل ومن اهم عناصرها
1-الحكاية
على القصة القصيرة جدا ان تحكى حكاية تماما مثل الرواية والقصة القصيرة والمسرحية لأن الحكاية فيها تشكل صلب الحدث وجوهر الدراما القصصية
2-الشخصية
لابد ان تتوفر القصة القصيرة جدا على شخصية تقوم بإنجاز الحدث وتشكل جوهر السرد وليس بالضرورة أن تكون هذه الشخصية من النماذج البشرية بل يمكن أن تمتد إلى نماذج حيوانية او نباتية
3-الوحدة
ويقصد بها الإضاءة على حدث واحد من خلال حبكة واحدة يبدو واضحة للعيان لأن تنوع الأحداث يخلق تعدد الحكايات ويؤدى بها إلى الترهل
4- التكثيف
وهو يعتمد على ضغط الصور والرؤى بشكل موجز مختصريحافظ على جوهر القصة بكل مكوناتها دون شرح أو تفصيل مخل ولعل هذا الشرط هو الأصعب بين عناصر القصة لأنه يحتاج إلى الموهبة المبدعة والثقافة العالية والقدرات اللغوية والتركيز الذهنى الشديد
5- الشعرية
وهى عنصر يتصل بعنصر التكثيف باتصال عضوى لأنها تضفى على القصة من خلال التلاعب بالنظام اللغوى بين المعيارية والإيحائية صورا موازية لصور الواقع الذى نحياه وتجعل القصة تحمل العديد من الدلالا المفتوحة والأكثر اتساعا
6-المفارقة
وهى عنصر جوهرى فى القصة القصيرة جدا لأنها تدفع النص إلى تفريغ الذروة وصدمة القارئ بما لا يتوقع وتكسبه اللذة الفنية والإرتياح النفسى
7-غلبة الجملة الفعلية
يجب أن يغلب القاص فى نصه الجملة الفعلية لانها تسيع فى القصة الحركة التى تصنع الدراما والحالة التى تتوهج داخل النص وهما شرطان من شروط السرد مع تضفير الجملة الفعلية بالجملة الإسمية فى بعض القصص التى تحتاج إلى الوصف ويمون هذا فى أضيق الحدود لضرورة الجملة الإسمية فى الوصف
8-العنوان
وهو رغم أهميته فى فى النصوص الأدبية على اختلاف انواعها فإنه فى القصة القصيرة جدا يجب أن يختار بعناية شديدة وان يكون محكما لأنه يلعب دورا حاسما فى اختزال الحدث الرئيس ومضيئا على المضمون ومشخصا للرؤى والدلالات
هذه بعض معطيات التكوين الفنى للقصة القصيرة جدا وليست منجزا نهائيا فى هذا اللون من فن القصة لأن المضمون هو الذى يفرض الشكل والوعى الفنى للقاص هو الذى يؤطر الشكول الفنية لنصوصه ومن هنا تتحقق مقولة الوعى والشكل لجميس جويس
لماذا أمل المطير ؟ !!
منذ فترة وأنا أتابع هذه القاصة الموهوبة وكتاباتها المتنوعة والتى تكاد ان تكون فريدة فى القصة القصيرة فى معظم المنتديات الإليكترونية التى تنشر فيها القاصة ايداعها القصصى حتى أننى استطعت ان أكون عنها فكرة فنية وادبية يمكن أن نوجزها فيما يلى:
لقد استطاعت هذه القاصة الموهبة ان تتعامل مع هذا الفن بذكاء شديد فى تلتقط حالات من الواقع الذى نحياه وتعيد تشكيلها عبر منجز قصصى محكم البنية فى فن القصة القصيرة جدا واستطاعت ان تحمل قصصها معظم شروط فن القصة وبذلك جاءت إلينا بحالات أبداعية شديدة الخصوبة والجمال تكشف عن موهبتها القصصية وقدرتها على خلق فن قصصى راق يخلق فينا نوعا من اللذة المؤلمة أو الألم الذيذ وهو نوع صادم قادر على أن يحرك فينا الماء الآسن فى نهر الخمول العقلى والجمالى الذى أماته إحباط الواقع من حولنا وإرهاصات الفناء واللاجدوى الت يحياها إنسان هذا العصر وحين نتأمل هذه القصة

ضيــاع

يهرول خائفا..
يبحث عن طفولته التي سرقوها..
يعثر عليها مقتولة..
من بقاياها نسجوا فرشا وثيرة..
صدّروها لحكامٍ عــرب.

نجد أنفسنا أمام لوحة قصصية صنعت بإحكام واختزلت تاريخ الشعوب فى تعامل الحكام معها فى سطور فنية اعتمت على الكثيف والمفارقة واللغى الشاعرية وشعرية النص حين وضعتنا امام ضياع هذه الشعوب التى تسرق منها براءتها بفعل ألاعيب الحكام وحشياتهم سدنة المس واليوم والغد التى تبررللشعوب أفعال الحكام ولقد كانت القاصة ذكية فى توظيف صورة الطفل رمزا لبراءة الشعوب وانخداعها فى حكامها كما نجحت أيضا فى توظيف الفعل الضارع المجسد لاستمرار حركة هذه الحالة ودوامها ثم هذه المفارقة الجميلة بين عالم البراءة وعالم التوحش وانتصار الوحشية على البراءة وهنا يدخلنا النص من منطقنا الذى نحياه فيفجر واعيتنا ويصدمنا ويشعرنا بالالم الفنى والنفسى اللذيذ كما انها زواجت بين العنوان كحالة دالة بذاتها وبين متن النص كحالة كاشفة ومفسرة لهذا العنوان حتى أن عنوان النص صار يتوالد داخل النص بما يشبه سدى الحائك ووضعت لها نهاية منكرة " لحكام عرب" دليل على استمرار هؤلاء الحكام وتلك الحالة
وإذا انتقلنا إلى قصة اخرى وهى قصة
سقوط

يسقط من هامة السماء
تتلقفه أرض رطبة
يبتهج بذلك السقوط المبارك
سرعان ما تموج الأرض من تحته..
تبتلعه في جوفها..
وتلفظ عظامه على تخوم أحلامه.

نجدنا أمام قصة مراوغة تجسد ذلك الخداع والضياع فى سبيل تحقيق الحلام فهذا الذى يسقط من هامة السماء بحثا عن الحلام يجد نفسه مخدوعا حين تتلقفه ارض رطبة ثم تتحول إلى وحش يبتلعه ويلقى بعظامه على تخوم احلامه وهذه القصة بهذا الإحكام تنفتح على اكثر من تاويل وهذا هو سر مرواغتها وإن كنت اعترض على توظيف الصفة فى قولها " السقوط المبارك" لأنه معلوم بالضرورة من سياق القصة فالخداع يجعل بالضرورة هذا السقوط مباركا ولابد ان ندرك ان للصفة دور هام فى الإبداع بشكل عام لأنها تلعب دورا هاما فى تحديد الدلالة او ترهلها فحين نقول –مثلا- رايت وردة حمراء فالصفة هنا تبهت الجمالية فى التركيب السياقى وترهل المعنى لأن صفة باهتة بالنسبة لواعية المتلقى ومعلومة له بينما حين نقول رايت وردة راقصة فالصفة هنا خلقت معنى صادم لرتابة التلقى ووضعتنا امام رؤية فنية ودلالية جميلة كأن لغتها طازجة خلقت للتو وفى الحال
وعلى هذا النحو أيضا تقدم لنا القاصة هذه القصة

اجنحة ذهبية
حلق نحو الأفق, وجاور السحب
لم تكن له أجنحة
لكنه ابتاعها من صائغ مغمور
أشرقت الشمس
وانسلت الغيوم
فانصهرت أجنحته ..
وهوى.
والتى تمثل لنا هشاشة الاحلام التى نحياها فهذا الذى يحلق نحو السماء والذى يبتاع اجنحة من بائع ضائغ مغمور حين تشرق الشمس على اجنحته تنصهر ويسقط فهذه الأجنحة خادعة لأنه جاء بها من ضائغ مغمور برغم انها ذهب وهنا تحقق هذه القصة مقولة ليس كل ما يبرق ذهبا وهنا تدخل القصة فى فنية جميلة فى عالم الفانتزيا والتى تفضل الواقع الفنتازى كبديل للوافع المادى الذى لا تتوائم معه نفس الفنان الشفافة فتهرب إلى عالم اللواقع حتى تخلق واقعا موازيا تنسجم معه نفس الفنان
*ثمة ملاحظات عامة على إبداع فن القصة القصيرة عند أمل المطير هى
*تهتم امل برصد روح المكان والتركيز على الحهات الأربع فوق وخاصة جهتا " فوق / تحت" لتصنع بذلك مكانا ليس طوبوغرافيا وانما مكانا يحمل المشاعر الإنسانية ويشارك الإنسان فى القصة بطولة النص ويلاحظ ذلك فى قصص " مطر / سقوط / القف/ تدفعه إلى الامام / اجنحة ذهبية "
* أغلب النصوص ذات نكهة ساخرة من كل كل الأمراض المتفشية في المجتمع ، فاضحة كل أساليب الاستغلال كما تفضح بجرأة نادرة وشجاعة المواقف الجبانة من الخداع والمكر والتحايل كما هو الامر بالنسبة لنصوص"قتاع / ورقة رسمية / ضياع" أغلب شخوص المجموعة من الهامش .. كما تمتاز بالدقة والعفوية وسلاسة الأسلوب بحيث أن أغلب النصوص كتبت بأنفاس متعددة وشخوص ذات أمزجة متقلبة ... تدهشك بجرأتها في التعبير عن الكثير من المواقف الخاصة بالحياة .. وهي نصوص لا تخلو من جمالية لغوية وتحمل رسائل متعددة من هوامش يتذمر أصحابها
* تتميز جملة السرد عند أمل المطير بسحرية جميلة نتيجة مزج الخيالى بما هو واقعى على مستوى الجملة الواحدة فتخرج الجملة مشحونة بالدهشة كما فى قصة" اصابع / تجربة / ضياع"
* تبدو القاصة شديدة الحفاوة بما هو داخلى فى بناء شخصياته القصصية وكثيرا ما تبتعد عن الوصف الخارجى لهذه الشخصيات وتقدم ما هو انفعالى على غيره من مكونات الشخصية ولذلك كثيرا ما يتردد فى نصوصها القصصية من التراكيب الأسلوبية أو الجمل القصصية الدالة على المعنويات فى سياق ما يتطلب ان يكون التشكيل الاسلوبى للجملة دالا على الماديات والاستخدام اللغوى الذى تكون فيه الكلمات لغة فوق اللغة مثل"يحتضن مكانه /يمتطى صهوة الغيوم /يدفن بقايا أطلال على وجهه"
وبعد فهذه قراءة سريعة لقصص أمل المطير ارجو لها ان تك
ون قد ألقت الضوء على هذا اللون من فن القصة وان تكون قد أضاءت جوانب فن القص عند القاصة المتميزة
[/QUOTE]

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق