مما قرأت اليوم وأعجبني:
Mohammed Basty
الأوابـــــــــــــــــــد:
مما حملت إلينا كتب التراث العربي فن الأوابد (جمع آبدة) وهي في اللغة تعني الأشياء البعيدة الغور، أو الغريبة أو النافرة الوحشية، ومنه قول النابغة:
نبئت زرعة والسفاهة كاسمها
وفي المصطلح تعني أن يتساجل شاعران فيذكر أحدهما بيتاً يحمل سؤالاً أو عقدة، فيجيبه الآخر على
وزنه وقافيته ببيت فيه إجابة لسؤاله، أو رد لكلامه. وقال الزمخشري في أساس البلاغة: فلان مولع
بأوابد الكلام وبأوابد الشعر، وهي التي لا تُشاكل جودة، وجئتنا بآبدة ما نعرفها.
ومن تلك الأوابد ما جاء في ديوان امرئ القيس بن حُجر الشاعر الجاهلي من أن عبيد بن الأبرص الأسدي لقيه فقال له: كيف معرفتك بالأوابد؟ فقال امرؤ القيس: ألق ما شئت تجدني كما أحببت.
فقال عبيد:
ما حبَّة ميتة أحيت بموتتها
درداء ما أنبتت سِناً وأضراسًا
فقال امرؤ القيس:
تلك الشعيرة تسقى في سنابلها
فأخرجت بعد طول المكث أكداسا
قال عبيد:
ما السود والبيض والأسماء واحدة
لا يستطيع لهن الناس تمساسا ؟
فقال امرؤ القيس:
تلك السحاب إذا الرحمن أرسلها
روي بها من محول الأرض أيباسا
قال عبيد:
ما مُرتجات على هول مراكبها
يقطعن طول المدى سيرا وأمراسا ؟
فقال امرؤ القيس:
تلك النجوم إذا حانت مطالعها
شبَّهتها في سواد الليل أقباسا
قال عبيد:
ما القاطعات لأرض لا أنيس بها
تأتي سراعاً وما يرجعن أنكاسا
فقال امرؤ القيس:
تلك الرياح إذا هبت عواصفها
كفى بأذيالها للترب كنَّاسا
فقال عبيد:
ما الفاجعات جهاراً في علانية
أشد من فيلق مملؤة باسا
فقال امرؤ القيس:
تلك المنايا فما يبقين من أحد
يكفتن حمقى وما يبقين أكياسا
قال عبيد:
ما السابقات سراع الطير في مهل
لا تستكين ولو ألجمتها فاسا
فقال امرؤ القيس:
تلك الجياد عليها القوم قد سبحوا
كانوا لهن غداة الروع أحلاسا
قال عبيد:
ما القاطعات لأرض الجو في طلق
قبل الصباح وما يسرين قرطاسا
فقال امرؤ القيس:
تلك الأماني يتركن الفتى ملكاً
دون السماء ولم ترفع به راسا
قال عبيد:
ما الحاكمون بلا سمع ولا بصر
ولا لسان فصيح يعجب الناس
فقال امرؤ القيس:
تلك الموازين والرحمن أنزلها
رب البرية بين الناس مقياسا